لبنان يستضيف النسخة الثانية من «مهرجان الألوان»

تظاهرة مستوحاة من الهند يشارك فيها نحو 5 آلاف شخص

الألوان ستشكّل اللغة الوحيدة التي سيتحدّث بها اللبنانيون  في «مهرجان الألوان» في 19 أغسطس الجاري
الألوان ستشكّل اللغة الوحيدة التي سيتحدّث بها اللبنانيون في «مهرجان الألوان» في 19 أغسطس الجاري
TT

لبنان يستضيف النسخة الثانية من «مهرجان الألوان»

الألوان ستشكّل اللغة الوحيدة التي سيتحدّث بها اللبنانيون  في «مهرجان الألوان» في 19 أغسطس الجاري
الألوان ستشكّل اللغة الوحيدة التي سيتحدّث بها اللبنانيون في «مهرجان الألوان» في 19 أغسطس الجاري

تختلف المهرجانات التي تعمّ لبنان في فصل الصيف لتحمل الطابع الثقافي حيناً والفني حيناً آخر، فتشكّل فسحة ملوّنة لأهله يخزّنون طاقتها الإيجابية لوقت الضيق.
ويأتي «مهرجان الألوان» في نسخته الثانية حاملاً مشهدية مشبّعة بالفرح والسعادة لروّاده الذين يشاركون فيه من باب تلوين حياتهم بصورة حقيقية، وليتحوّلوا على مدى 12 ساعة متتالية إلى لوحات فنيّة بشرية سلّمت ذاتها لحرية الاحتفال بفرح الحياة على طريقتها. وعلى مساحة نحو 2000 متر تمتدّ على طول شاطئ رملي يقع في منطقة جونية (قرب منتجع هوليداي بيتش)، سيتجمّع أكثر من 5 آلاف شخص في 19 من الشهر الجاري، فيطلقون العنان لسجيّتهم بنثر كميات من مسحوق بودرة ملوّنة على بعضهم البعض، ممارسين بذلك تقليدا هنديا صار عالميا مع الوقت ويعرف تحت اسم «هولي فيستيفال». فتغمرهم الألوان من رأسهم حتى أخمص أقدمهم غير آبهين بتلوث ثيابهم ووجوههم وهم يرقصون على أنغام الموسيقى في الهواء الطلق.
«ترتكز الفكرة على الاحتفال بالحياة وكأننا نشكرها على كلّ ما زوّدتنا به من خلال رمي البودرة على بعضنا البعض، مع عدّ عكسي نطلقه مرة واحدة كلّ ساعة وعلى مدى 12 ساعة تبدأ في الخامسة من بعد الظهر ليستمرّ حتى الفجر»، تقول رلى مزهر المديرة العامة لشركة «مايند ويسك إيفنتس» المنظّمة للمهرجان. وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألمانيا هي مالكة الحقوق الرسمية لهذا المهرجان وقد اشتريناه منها لإجرائه في لبنان، وهذه هي النسخة الثانية التي نستعدّ للاحتفال بها هذا العام بعد أن أقمنا المهرجان نفسه في عام 2015».
فبألوان تتنوّع ما بين الفوشيا والأزرق والأخضر والأصفر والليلكي والتي تمّ اختيارها من قبل منظمي هذا الحفل في ألمانيا، وتمّ استيرادها من هناك خصيصا في المناسبة (25 ألف كيس)، سيمضي اللبنانيون أوقات مرح وتسلية لا تشبه غيرها؛ لأن الألوان ستكون بطلتها دون منازع.
«هي مواد صحيّة متّبعة في مختلف البلدان التي تحتفل بهذا المهرجان، وقد أشرفت وزارة الاقتصاد في لبنان على مكوّناتها، بعد تحاليل خاصة أجرتها عليها للتأكّد من عدم احتوائها على مواد غير بيئية. وهي مصنوعة من الطحين وفواكه وطعام مجفّفة يتم طحنها لتصبح مسحوق بودرة جاهزة للاستعمال في هذا النوع من الحفلات»، توضح رلى مزهر لـ«الشرق الأوسط». وسيتوسّط المكان خشبة مسرح يتوالى عليها 11 موسيقيا (دي جي) وبينهم العالمي «دانيك» الذي يحظى بشعبية عالية في لبنان. فيمضي اللبنانيون معهم سهرة غنيّة بالألوان والموسيقى معا.
وستتوفّر أكياس البودرة الملوّنة على أرض المهرجان، أما البطاقات فستباع في مركز فيرجين التجاري وسط بيروت. وتشير رلى مزهر إلى أن غالبية المشاركين في هذا المهرجان هم ما فوق عمر الـ18 عاما وأنهم يتوقّعون أن يتجاوز عددهم الـ5 آلاف شخص.
وعادة ما يرتدي المشاركون بهذا الحدث الأبيض لتظهر رسوم البودرة المنثورة عليهم بوضوح، فتؤلّف لوحات تشكيلية طبيعية تترك آثارها على وجوههم وثيابهم. ويندرج لبنان على لائحة البلدان التي تحتفل بهذا الحدث إلى جانب 60 بلداً آخر يتوزّعون ما بين أميركا الشمالية وأوروبا، إضافة إلى الهند والنيبال اللذين يحتفلان به سنوياً لاستقبال فصل الربيع، ومستندين إلى أسطورة تاريخية (من القرن الرابع) تحكي قصة حبّ ربطت ما بين رجل هندي (كريشنا) ولد أزرق البشرة، والفتاة (رضحا) فأغرما ببعضهما وصارا رمزا للحبّ الصادق، بعد أن نصحته والدته بأن يلوّن وجهها بأي لون يخطر على باله لتصبح ملائمة كعروس له.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».