يقول المهتمون بعلم النفس إن سماعك خبر موت شخص تعرفه يمر بعدة مراحل، أولها عدم التصديق، أي أنك تستنكر كلام الذي يبلغك الخبر وترفضه في اللحظات الأولى، ثم الصدمة، ثم البكاء.
ويبدو أن خبر رحيل الفنان عبد الحسين عبد الرضا، سيظل متوقفاً عند الحالة الأولى وهي عدم التصديق، ذلك أن هناك أناساً من شدة ما التصقوا بنا يصعب علينا الاقتناع بفكرة رحيلهم. أو على الأقل لا نتمكن من رثائهم لشعورنا بأنهم ما زالوا أحياء في وجداننا على الأقل. وهذا هو السبب الذي جعل أحد محبي الفنان عبد الحسين يكتب على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي: «لا أدري لماذا قلت: لا... لا عندما أخبرني رفيقي برحيل أبي عدنان وكأنه يفترض ألا يرحل!»
عبد الحسين عبد الرضا مدرسة في الكوميديا، حتى إن الفنان داود حسين قال عنه قبل سنوات في أحد برامجه إن هناك من يحاول تقليد حتى طريقته في المشي، هذه العبارة ظلت تراودني إلى أن التقيت عبد الحسين في مطار الكويت خلال رحلة جمعتنا مصادفة، كان مجموعة من الفنانين الشباب في وداعه، ومن روعة المصادفة أن الطائرة كانت قليلة الركاب الأمر الذي أتاح لي الانتقال من مقعدي إلى جوار مقعده لبعض الوقت، كان كافياً للدخول إلى أعماقه، وبدلاً من أن أتحدث إلى رجل في سن الكهولة آنذاك، وجدتني أتحدث إلى طفل نقي يسكن في أعماقه، حينها أدركتُ أن سر النجاح يكمن في انسجام شخصية الفنان الحقيقية مع ما يقدمه للناس.
طلبتُ من الأكاديمي المسرحي الدكتور سليمان آرتي الذي يعرف الفنان عبد الحسين عن كثب، أن يتحدث لـ«الشرق الأوسط» حول مدرسة عبد الحسين عبد الرضا الكوميدية، فأرسل لي تسجيلاً صوتياً موشحاً بحزن عميق، وهو يقول: «عندما نقول إن رحيله خسارة كبيرة، فإننا نعني تماماً بصفتنا متخصصين في المسرح حجم هذه الخسارة، ليس فقط على المستوى العاطفي، بل على المستوى الإبداعي، فهو شخص تجمعنا به أعوام طويلة ليتحول منذ الستينات إلى منارة من منارات الكويت التي نفتخر بها. عبد الحسين من وجهة نظر أكاديمية هو فنان شامل، مارس الكتابة في فترة مبكرة، واستطاع أن يعكس كل قضايا المجتمع سواء كانت تاريخية أو معاصرة، فمن الناحية التاريخية شاهدنا ذلك في مسلسلات كثيرة له أبرزها (الأقدار) التي كانت من تأليفه، و(درب الزلق) التي شارك فيها بالبطولة، وجسدت حقبة تاريخية من تاريخ الكويت. عبد الحسين نهض بالفن المسرحي وأعطاه بعداً جماهيرياً من خلال كوميديا راقية، فهي ليست كوميديا فارس، وهي ليست كوميديا ابتذال وليست كوميديا تجارية، ولم يقدم فناً هابطاً، بل قدم فناً راقياً وهادفاً، ومشرفاً. لديه كاريزما قوية تؤهله للتحكم بالمسرح والممثلين والجمهور. إضافة إلى نبرة صوته وخفة ظله وتعليقاته البديهية والتلقائية من دون تكلف ومن دون تصنع».
ويضيف الدكتور سليمان آرتي: «يحسب للفنان عبد الحسين عبد الرضا أنه أول من أدخل المسرحية التسجيلية على المسرح في الوطن العربي بشكلها الفني المتكامل، وذلك من خلال مسرحية فرسان المناخ، ولديه مسرحية سيف العرب التي تؤرخ لفترة الغزو ويؤسس لفترة تاريخية ويوجع النظام العراقي آنذاك. استطاع أن يقلد صدام حسين على المسرح ويضحكنا ويبدل آلامنا إلى ضحكات. هذا الفنان وخلال خمسين عاماً من العطاء على مستوى التأليف والتمثيل والارتجال كان نجماً بلا منازع في الوطن العربي وأصبح أحد منارات الفن الكوميدي، فهناك منارات قليلة مثل دريد لحام، وكان نموذجاً مشرفاً، فهو من العمالقة الذين أسسوا للمسرح الكويتي».
وثيقة نادرة
أردت تتبع بعض ما كتبه الفنانون والإعلاميون والمثقفون على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي حول رحيل الفنان عبد الحسين عبد الرضا، من مختلف الجنسيات، فوجدت الآتي:
المؤلف الكويتي بدر محارب نشر على صفحته في «فيسبوك» وثيقة نادرة جداً بخط الراحل عبد الحسين عبد الرضا، تعود إلى عام 1969 وقد كتبها عبد الحسين بوصفها دعوة لحضور مسرحيته التي ألفها والتي بعنوان «من سبق لبق»، ويقول فيها: «الكويت في 19 - 4 – 1969... حضرات المحترمين تحية طيبة، ألتقي بكم وللمرة الثانية في التأليف المسرحي، وسبق أنني كتبت مسرحيتي اغنم زمانك التي لاقت نجاحاً كبيراً بفضل تشجيعكم، وفي هذه المرة أدعوكم لمشاهدة (من سبق لبق) حيث نعيش ليلة سعيدة هانئة بعيدة عن كل ما يعكر صفونا... ستضحكون وسأضحك أنا أيضاً، سعيد بسعادتكم وختاماً تمنياتي لكم بقضاء وقت طيب معنا ومع مسرحية من سبق لبق. وشكراً. المؤلف عبد الحسن عبد الرضا».
الإعلامية الأردنية عزيزة علي عاشت فترة من حياتها في الكويت، لذلك فهي تقول: «يشكل الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا جزءا من ذاكرة المكان والزمان الجميل الذي عشت فيه طفولتي وجزءا من شبابي. في الكويت منه تعلمنا الضحكة والفرح ونحن صغار حتى ونحن كبار كنا ننتظر مسلسلاته بفارغ الصبر».
الأكاديمية المسرحية الدكتور نادرة قنة وصفت الراحل بهذه الكلمات: «موليير الكويت... وفيلسوف الصناعة الكوميدية، وباني البسمة الإنسانية الفنان الرمز عبد الحسين عبد الرضا».
الكاتب العماني سليمان المعمري كتب على صفحته عن عبد الحسين: «الرجل الذي رسم البهجة والفرح في طفولتي ومراهقتي».
الشاعر الإعلامي السعودي هاشم الجحدلي بث حزنه بكلمات مؤثرة: «وداعاً بحجم الغياب. لقد كنت شيئاً جميلاً».
الروائية الكويتية ميس العثمان كتبت: «خلانا... على بساط (الحزن)... وغادرنا لمحبة الله. جولة على حسابات الكويتيين الإلكترونية تُعرّف العالم بأن الكويت تعيش حدادا عاماً حقيقيا. أنت في قلب الله يا حبيب الشعب، باقٍ لأنك مبدع، وميراثك الماتع هو ميراثنا كي لا تصدأ الضحكات ولا تنتهي... الكويت تحبك».
عبد الحسين عبد الرضا، لطالما أسعد القلوب، يموت بسبب القلب، أراح قلوبنا وأتعب قلبه.
رثاء الأحياء في وجداننا رغم الموت
عبد الحسين عبد الرضا... أراح قلوبنا وأتعب قلبه
رثاء الأحياء في وجداننا رغم الموت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة