الأرشيف الإثيوبي يطمح لاحتلال المركز الأول بين مكتبات أفريقيا

مخطوطتان محفوظتان في المكتبة الوطنية الإثيوبية
مخطوطتان محفوظتان في المكتبة الوطنية الإثيوبية
TT

الأرشيف الإثيوبي يطمح لاحتلال المركز الأول بين مكتبات أفريقيا

مخطوطتان محفوظتان في المكتبة الوطنية الإثيوبية
مخطوطتان محفوظتان في المكتبة الوطنية الإثيوبية

متخلياً عن بساطة وتواضع سكان الهضبة مع ضيوفهم، بدا خبير المخطوطات بالأرشيف والمكتبة الوطنية الإثيوبية، عزيز برسي مزهواً، وهو يعرض إحدى أقدم المخطوطات القديمة في بلاده «مخطوطة الأناجيل الأربعة» التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وإلى جانبه ترقد مخطوطات إسلامية ومصاحف، ووثائق يرجع تاريخها لقرون.
قال عزيز، إن الوثيقة الأقدم والأهم من بين أرشيفه هي «الأناجيل الأربعة»، واستخدمت في طباعتها 250 «جلد خروف»، أعدها الحرفيون الإثيوبيون القدماء الماهرون، لتصلح ورقاً يكتب فيه «العهد الجديد من الكتاب المقدس». وعلى الرغم من قدمها، فإن الأوراق «الجلدية» بدت بيضاء كأنها ورق فعلي، وإن اصفرت بعض أطرافها. وبدت النقوش باللغتين «الجعزية والأمهرية» التي تزينها، وصور بأحبار ملونة لقسيسين وأحداث كأنها كتبت قبل قليل، اللون والحبر كأنهما خرجا لتوهما من مطبعة حديثة.
شهد عهد الإمبراطور منيليك 1908 أول عرض للأرشيف الإثيوبي بشكله الحديث، وذلك بإنشائه قسم جمع السجلات من المؤسسات والوزارات. فإن مشروع «هال» المشترك بين فرنسا وإثيوبيا يُرجع تأسيس الأرشيف والمكتبة الوطنية الإثيوبية فعلياً إلى العام 1944، ثم تطور في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي (آخر أباطرة إثيوبيا)، 1973 قبل انتهاء حكمه بسنة، ثم أخذ وضعيته القانونية في العام 1976، ومع هذا يعد حديثاً نسبياً عند مقارنته مع قدم تاريخ الثقافة الإثيوبية. وتطور الأرشيف من مكتبة حكومية عامة، إلى مركز للدراسات وحفظ الوثائق، وهو يضم أكثر من نصف مليون كتاب، ويستضيف أكثر من مليون شخص بين سائح وباحث وزائر سنوياً.
يقول مدير الأرشيف الإثيوبي، إندالين آدم، في إفادته لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده «غنية بالمخطوطات القديمة، بعضها محفوظ عنده، والآخر في الكنائس والمساجد القديمة في البلاد، ومع ذلك يحوي أعداداً كبيرة من المخطوطات يزيد عمر الكثير منها على 700 عام، ومن بينها أكثر من 1800 مصحف مخطوط يدوياً وباللغتين الجعزية والأمهرية.
وتطمح المكتبة الوطنية الإثيوبية في أن تكون أكبر مكتبة في قارة أفريقيا بحلول العام 2025، ويتابع آدم: «في أفريقيا خمس مكتبات وطنية كبيرة، نطمح في أن نكون الأكبر بحلول ربع القرن الحالي، ونتعاون في سبيل ذلك مع عدد كبير من المكتبات الكبيرة في العالم، مثل مكتبة الكونغرس ومكتبة جامعة أكسفورد، ونتبادل معها الكتب والمخطوطات».
وكانت إثيوبيا قد عرضت في 1997، بعض مخطوطات تراثها الوثائقي على منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو» لإدراجه ضمن سجلها لـ«ذاكرة العالم». وتضمن ذلك مخطوطات نادرة وثمينة لا تقدر بثمن بالأبجدية الأمهرية والجعزية تعكس حضارتها الأصيلة.
وتتضمن الوثائق المقدمة لـ«ذاكرة العالم» كتبا تراثية ثقافية، وعظات وأناجيل مكتوبة على الرق – الجلد – منذ القرنين الرابع عشر والسابع عشر، ورسائل الملك تودروس إلى الملكة البريطانية فيكتوريا، ومن الملك منيليك الثاني إلى القيصر نيكولا الثاني، ومن ملك مملكة الشواء الإثيوبية إلى ملكة بريطانيا، إضافة إلى الطبعة الأولى من تاريخ إثيوبيا 1513، ومخطوطات جلدية من القرن، الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين.
وفي العام 2000 أدرجت اليونيسكو 12 مخطوطة إثيوبية مكتوبة في سجلها الثقافي الإنساني، ضمن «ذاكرة العالم» التي تضم 299 من الوثائق والمجموعات الوثائقية المقدمة من القارات الخمس على أشكالها كافة: «مخطوطات مكتوبة على الحجارة، ورقوق الجلد».
وأنشئ برنامج «ذاكرة العالم» 1992، نتيجة لزخم الوعي المتزايد بالحاجة إلى الحفاظ على التراث الوثائقي العالمي من الضياع بسبب الاضطرابات، ونقص الموارد والنهب والتداول غير المشروع والتدمير.
يرى زوار الأرشيف الإثيوبي من سياح وأكاديميين وباحثين في الثقافات الإثيوبية القديمة: «التماعة الفخر» بعمق الحضارة الإثيوبية في عيون العاملين، وهو ما كان لافتاً في عيني مدير الأرشيف الإثيوبي إندالين آدم ومساعديه وهم يقدمون الشروح لزوارهم؛ فهم يعاملونها كأنها «قصة عشق» وليست مجرد مهنة عيش.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».