برنامج «فوكيس» لتعزيز الانتشار الأرمني في العالم يحطّ رحاله في بيروت

يتضمّن أنشطة سياحية وثقافية للتفاعل والترابط بين المشاركين

مجموعة من الشباب الأرمني خلال زيارته متحف «الإبادة الأرمنية» في منطقة البترون
مجموعة من الشباب الأرمني خلال زيارته متحف «الإبادة الأرمنية» في منطقة البترون
TT

برنامج «فوكيس» لتعزيز الانتشار الأرمني في العالم يحطّ رحاله في بيروت

مجموعة من الشباب الأرمني خلال زيارته متحف «الإبادة الأرمنية» في منطقة البترون
مجموعة من الشباب الأرمني خلال زيارته متحف «الإبادة الأرمنية» في منطقة البترون

علاقة وطيدة وقديمة تربط ما بين الشعبين الأرمني واللبناني تجاوز عمرها اليوم الـ100 عام. فالجالية الأرمنية في لبنان استطاعت الانخراط في مجالات سياسية وفنية وثقافية وغيرها إلى حدّ جعلها تشكّل واحدة من مواطنيه الأساسيين الذين يشاركون في قراراته السياسية من بوّابة مجلسي النواب والوزراء إضافة إلى فعاليات اقتصادية وتجارية يتقدّمونها.
وهذا الوجود الذي يصفه بعض هؤلاء بمثابة ولادة جديدة لهم إثر هجرتهم من أرمينيا بسبب الحرب، ولّد مكانة مميزة في قلب الأرمن المنتشرين في العالم أجمع. ويأتي برنامج فوكيس» (الشباب المحترف) لتعزيز الانتشار الأرمني في العالم الذي اختار مدينة بيروت ليعقد فيها لقاءه الدوري التاسع (يجري كلّ عامين)، كترجمة لهذه العلاقة التاريخية بين البلدين. وقد استضاف 350 شابا وشابة من أصول أرمنية وتنظّمه الجمعية العمومية الخيرية الأرمنية (AGBU).
لماذا بيروت؟ «لأن لبنان له أهمية عاطفية لكثيرين منهم، إذ إن هناك بعض عائلاتهم التي مرّت بلبنان قبل أن تهاجر منه إلى دول الانتشار الأرمني الأخرى». توضح ناتاشا كوشكاريان إحدى المسؤولات في الجمعية الخيرية الأرمنية في لبنان. وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هناك لجنة رسمية ومركزها في نيويورك تكمن مهمتها في تسمية البلاد التي في استطاعتها استضافة هذا الحدث مرة كلّ سنتين. وتجري مسابقة دولية يشارك فيها عدة بلدان للفوز باستضافة هذا اللقاء. وتدقّق اللجنة بالبرنامج الذي ينظمه هذا البلد لمستضيفيه وتقف على أهمية معالمه السياحية وعلاقته بالشعب الأرمني. وشكّل ترشيحنا لبيروت منافسة حامية مع هولندا والأرجنتين وأستراليا، إلا أن اللجنة أعجبت بالبرنامج الذي قدّمناه لها الذي أقيم على مدى 4 أيام (من 2 حتى 6 أغسطس (آب) الحالي) فكسبنا الرهان».
تضمّن برنامج الوفد في لبنان أنشطة سياحية وثقافية وأخرى للتفاعل والتشبيك بين المشاركين. وزار الوفد مغارة جعيتا ومدينة جبيل ومنطقة البترون ومتحف الإبادة الأرمنية في منطقة البترون ومتحف سرسق في الأشرفية، حيث استمع إلى محاضرة للمهندس المعماري برنار خوري، أحد منفذّي مشاريع هندسية كبرى في أرمينيا اليوم. كما شارك الوفد في محاضرة بعنوان «وجهات نظر» في المنطقة الرقمية في بيروت Beirut Digital District، وفي أخرى أقيمت في مركز الجمعيّة في انطلياس، تم خلالها الاستماع إلى أفكار المشاركين في شأن تعزيز دور الشباب في خدمة الانتشار الأرمني في العالم. وكانت للوفد أنشطة ترفيهية، وعشاء خيري يعود ريعه لتمويل برنامج المنح الدراسية الذي توفره، وساعدت من خلاله عشرات الآلاف من الطلاّب الجامعيّين، وخصوصاً منهم أصحاب المواهب المميزة، على متابعة تعليمهم في بعض أهم الجامعات، ومنها الجامعة الأميركيّة في بيروت، وجامعات كولومبيا وهارفارد وماكغيل وMIT وستانفورد وبون وييل وجامعة لندن للاقتصاد.
وقالت كوشكريان إن «الندوات النقاشية التي عقدت خلال الزيارة تناولت استراتيجيات (الشباب المحترف) Young Professionals للسنتين المقبلتين، وتم خلالها تبادل أفكار حول كيفيّة التعاون في مختلف أنحاء العالم لتقوية شبكة العلاقات ومساعدة بعضهم بعضاً». وشدّدت على أن «الهدف الأهم لهذه اللقاءات هو الحفاظ على تمسّك هؤلاء الشباب بالثقافة والتراث الأرمنيين، وتعزيز التعاون والتواصل بينهم».
ويعدّ برنامج Focus منصّة ممتازة لجمع الشباب المحترفين، بحيث لا يصبّ فقط في خانة تواصل وتكوين صداقات وشبكات، إنّما أيضاً لتعزيز روابطهم مع الجمعيّة (AUGB).
«لقد تأثّرت كثيرا في زيارتي إلى لبنان وتعرّفت فيه إلى جذوري عن كثب كون والدَي عاشوا فترة فيه قبل انتقالهم إلى فرنسا للاستقرار فيها. ويمكن القول إن هذا الحدث بدورته التاسعة هو الأفضل الذي شهدته منذ تأسيس هذه الدورات أي قبل ثمانية عشرة عاما حتى اليوم». يقول رافاييل ديراغوبيان وهو محامٍ فرنسي من أصل أرمني يشغل منصب رئيس الجمعية (AUGB) في باريس وشارك في اللقاء الذي أقيم في بيروت.
أما ديفيد اجاكيان الذي يعمل في مجال الاقتصاد في ولاية كاليفورنيا الأميركية فقال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كان لقاء رائعا مع الشعب اللبناني الذي يكنّ كلّ الحبّ والاحترام للشعب الأرمني، وتأثّرت كثيرا بضيافته وترحابه وحبّه للحياة وأتمنّى أن أعود إليه يوما ما كمستثمر لإنشاء مشروع سياحي فيه أو ما شابه». وأضاف متحمسّا: «في لبنان لم نشعر بالنوستالجيا التي عادة ما ترافقنا في أسفارنا، فلديكم خلفية ثقافية مشبّعة بالانفتاح على الغير لغوياً وعملياً وكذلك في مجال الطعام. لقد عشقت هذا البلد وسأعود إليه قريبا». ختم ديفيد الذي كان يمضي يومه على أحد شواطئ الجّية في منطقة الجنوب.
وتشهد العلاقة بين أرمينيا ولبنان في الآونة الأخيرة انفتاحا ملحوظا تمثّل في تنظيم رحلات سياحية متبادلة بين البلدين لا سيما وأن الدولة الأرمنية فتحت أبوابها أمام الشعب اللبناني لزيارتها من دون تأشيرة دخول. كما تم تشغيل طائرات من نوع (تشارتر) لتكثيف تلك الرحلات وتسهيل عملية سفر السياح اللبنانيين المتوجهين إلى جورجيا وأرمينيا.
ويصف بعض السياح العائدين من هناك بأنه تمّ استقبالهم بالترحاب لا سيما وأن الشعب الأرمني يحفظ للبنان الجميل لاستقباله نحو 200 ألف أرمني يتوزعون على مناطق مختلفة منه.
وتجدر الإشارة إلى أن برنامج «فوكيس» (الشباب المحترف) جمع تحت سقفه وعلى مدى 16 عاماً نحو ثلاثة آلاف شاب وشابة في لقاءات مختلفة، نظمت في ميامي وشيكاغو وباريس وسان فرانسيسكو وتورونتو وغيرها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».