«الغريب» لألبير كامو قادتني إلى الكتابة لعالم الأدب

* قاص وروائي سعودي
* قاص وروائي سعودي
TT

«الغريب» لألبير كامو قادتني إلى الكتابة لعالم الأدب

* قاص وروائي سعودي
* قاص وروائي سعودي

في عام 1965 عاد أخي الأكبر من فرنسا، بعد أن أنهى دراسته هناك، وكان من ضمن متعلقاته الشخصية، التي عاد بها، مجموعة من الكتب الدراسية والثقافية. لفت نظري من تلك الكتب، كتاب متوسط الحجم، ليس عليه سوى صورة برسم اليد، لشاب بوهيمي، لفتت نظري الصورة، فأخذت أقلب الكتاب، رغم ضعفي في اللغتين الإنجليزية والفرنسية. كان مؤلف الكتاب هو ألبير كامو واسم الرواية، «الغريب». عرفت ذلك عندما ذهبت إلى «المكتبة السلفية» فهذه المكتبة كانت تبيع كل الكتب، في تناقض واضح مع اسمها، لكنها السماحة التي كانت سائدة، في مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذه السماحة طبيعية، وليست مفتعلة، إذا عرفنا، أن صاحب المكتبة، كان يذهب بنفسه كل صيف لجلب الكتب، بكل أنواعها، من كل الدول العربية!
ذلك الكتاب، كان البداية الجادة لقراءاتي، وكان البداية، لحالة عشق وشغف، لكل ما كتبه، الأديب الفرنسي الجزائري، «ألبير كامو» بداية من رواية «الغريب» التي تتصدرها صورة بطلها «ميرسو» ثم رواية «الطاعون» وبعد ذلك كثير من مؤلفاته، مثل: «المقصلة» «كاليجولا» «أعراس» «الرجل الأول» وغيرها من الروايات والمسرحيات والقصص والدراسات والمذكرات. وبعد ذلك دخلت بهمة ونشاط، لقراءة مؤلفات رفاق كامو وأبرزها مؤلفات جان بول سارتر ورفيقته سيمون بوفوار.
هؤلاء كانوا يتسيدون، ما كان يطلق عليه «المدرسة الوجودية» التي تسيدها سارتر بعد أن وسع وطور أفكار الفيلسوف كيركيجارد. ويعود الفضل في قراءتي لتلك الأعمال، بداية، إلى دار الآداب، التي أخذت على عاتقها، ترجمة كل جديد في الأدب الفرنسي خاصة، وللسماحة التي كانت تعامل بها الكتب آنذاك، فلا رقابة صارمة ولا تزمت، ولك أن تتأمل، أن المكتبة التي كانت تبيع تلك الكتب، اسمها المكتبة السلفية! كما ذكرت. كانت هذه المكتبة، تعرض مئات العناوين، ومن أحدث ما تصدره دور النشر والمطابع العربية، في هذه المكتبة تجد كتب التفاسير والحديث والسير، بجانب كتب الجاحظ وابن عبد ربه والتوحيدي والأصفهاني، مكتبة مثل الحديقة، يجد كل قارئ بغيته فيها!
من كثرة زياراتي للمكتبة، توطدت علاقتي بصاحبها، حتى أنه سمح لي وهو يضحك، بأن أذهب مع العمال إلى مستودع الكتب، لأنتقي ما أرغب فيه من الروايات والدراسات الأدبية، وبأسعار متهاودة، بل إنه وافق على استقبال الكتب التي اشتريتها من المكتبة، وانتهيت من قراءتها، وتعويضي بكتب أخرى جديدة، بشرط أن تكون المسترجعات نظيفة وخالية من التهميشات!.
ألبير كامو وروايته «الغريب» كان الباب الذي ولجت منه، إلى قراءة آلاف العناوين في كافة فروع المعرفة، التي قادتني، لكتابة القصة والمقالة. مات ألبير كامو، وهو في منتصف الأربعينات من عمره، في حادث عبثي، يذكرنا بسيرة بطل رواية «الغريب».
هذا الروائي، ما زال يدرس من قبل النقاد والفلاسفة، وكانت هذه الرواية البوابة التي عبر منها إلى جائزة نوبل، التي نالها قبل وفاته، في عام 1960، بسنوات قليلة.



«مجبر على الاختيار»

«مجبر على الاختيار»
TT

«مجبر على الاختيار»

«مجبر على الاختيار»

دخل علم الوراثة والأعصاب أخيراً على خط السجال، الفلسفي والإنساني حتى الثقافي، المتعلق باختيارات الإنسان، محاولاً الرد على تساؤلات الإشكالية القديمة - الجديدة، وهي: هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟

في مراجعة نُشرت في «الشرق الأوسط» في 5 يونيو (حزيران) 2024، لكتابين حديثين، لعالم الوراثة والأعصاب كيفن ج. ميتشل، الأستاذ بجامعة ترينتي في دبلن، وعالم الأعصاب والأحياء الأميركي روبرت سابولسكي، ألقي الضوء على التفاصيل العلمية حول كيفية تشكيل تطور أدمغتنا وتنشئها، وهل هي حاسمة في الإجابة عن سؤال: هل لدينا إرادة حرة.

ففي كتابه «الوكلاء الأحرار: كيف أعطانا التطور الإرادة الحرة»، الصادر عام 2023، عن دار «بريسنتون بريس»، يقول مؤلفه ميتشل إن الإرادة الحرة خاصية غامضة، وهي «وظيفة بيولوجية متطورة تعتمد على الأداء السليم لمجموعة موزعة من الموارد العصبية».

أما روبرت سابولسكي، فإنه يتحدث في كتابه «محدد: علم الحياة من دون إرادة حرة» الصادر عام 2023، عن دار «بنغوين بريس»، فيقول إن الأدلة العلمية على عدم وجود الإرادة الحرة تعتمد على التجارب التي تظهر أن خياراتنا الحرة الواعية يتم تحديدها من دون وعي من قِبل دماغنا قبل ثوانٍ عدة.

أعادتني تلك الأفكار، وإن كانت علمية، إلى أيام الدراسة حينما كنت أتلمس مفاتيح الفلسفة قبل سنوات طويلة؛ إذ تولدت لدي حينها، بعد دراسة «الجبرية» و«القدرية»، قناعة مفادها أن «الإنسان مجبر على الاختيار». لم أعمل على تحويل هذه الفكرة إلى نظرية، بل ذهبت بعيداً إلى فلسفة الدولة والتكنولوجيا.

الجبر والاختيار متلازمان، وليس أمام الإنسان في كل لحظة وموقف وموقع، إلا أن يختار بين خيارين فأكثر وضعا أمامه، جبراً. وهنا ثمة من يسأل: وأين «الحرية»؟ نعم، الحرية في الاختيار والوعي هما أصل الموضوع. دع عنك الأفكار المسبقة، وانظر للحظة في الظروف السابقة لأي اختيار، وعلى سبيل المثال: ورد إلى هاتفك اتصال، فماذا ستفعل؟ ستجد نفسك مجبراً على أن تختار، وبوعي وبحرية تامة، أحد الخيارين: إما أن تتجاهل الاتصال، وإما أن ترد عليه. وكلا الخيارين اختيارٌ وله نتيجة، وهكذا دواليك.

هنا أنت أمام حرية مطلقة في الاختيار، وفي الوقت نفسه مجبرٌ على أن تختار واحداً منهما. وهكذا في الأمور كلها بالنسبة إلى الناس أجمعين، سواء أكان الفرد منهم في أدنى درجات الوعي أم أقصاها. وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى كل الأمور، من أبسطها إلى أعظمها. الإنسان مجبر على أن يختار، وهذا ليس طرحاً توفيقياً بين «المسيّر» و«المخير»، بل هو واقع نعيشه كل لحظة... وتبسيط لمسألة معقّدة حتى وإن التحق علم الأعصاب في جدالها.