أوبرا عايدة في مهرجان سالزبورغ بالنمسا

صورتان أرشيفيتان لأوبرا عايدة في فرنسا العام الماضي (أ.ف.ب)
صورتان أرشيفيتان لأوبرا عايدة في فرنسا العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

أوبرا عايدة في مهرجان سالزبورغ بالنمسا

صورتان أرشيفيتان لأوبرا عايدة في فرنسا العام الماضي (أ.ف.ب)
صورتان أرشيفيتان لأوبرا عايدة في فرنسا العام الماضي (أ.ف.ب)

منذ تأليفها، وقبل أول عرض لها، لعبت الملابس والإكسسوارات دوراً هاماً في مصير أوبرا عايدة. فخلال حفل افتتاح قناة السويس، حال تأخر وصول ملابس الفرقة من باريس، إلى تأجيل العرض، وكان الموسيقار الإيطالي جوسييب فيردي، بطلب من الخديوي إسماعيل، وضع الموسيقى لأوبرا عايدة، مقابل 150 ألف فرنك من الذهب، وقد صُممت ديكور وملابس العمل في باريس وكلفت 250 ألف فرنك، وكان الخديوي قد أمر ببناء دار الأوبرا لتكون جاهزة خلال ستة أشهر في عام 1869، للاحتفال بافتتاح قناة السويس.
أول من أمس، عقدت إدارة مهرجان سالزبورغ الصيفي السنوي في النمسا، مؤتمراً صحافياً للحديث عن الإكسسوارات التي ستصاحب عرض أوبرا عايدة ضمن برنامج الكرنفال.
كانت في مقدمة المتحدثين المصممة الهولندية تاتيانا فان فالسوم التي اختارت قطعاً من حجارة الكريستال من منطقة تيرول شُكّلت يدويا كحلى لـ34 وصيفة، مع اهتمام خاص بإكسسوار الأميرة الأسيرة عايدة التي تؤدي دورها مغنية الأوبرا نمساوية الجنسية روسية الأصل، السوبرانو الأشهر عالميا آنا نتريبكو.
وكما عرضت فالسوم فقد وقع الاختيار أولا على آلاف الحجارة الكريستالية المتلألئة لاستخدامها كمادة ناعمة يمكن دمجها بواسطة الحرارة بدرجة معينة مع نسيج الملابس لإكساب تلك الأنسجة نوعا من اللمعان والبريق المميز، فيما وقع اختيارها ومنذ «الوهلة الأولى» كما قالت، على نوع من زجاج الكريستال داكن اللون وخشن الملمس شيئا ما، لصنع عقود وأساور تماثل إشعاع ضوء القمر وسط الظلام.
بدأت عروض المهرجان دورتها الحالية في 27 يوليو (تموز) وتستمر حتى 30 أغسطس (آب)، وقد بيعت 222.500 بطاقة لـ195 عرضا.
ضمن اختياراته ركز ماركوس هينترهاوز مدير الكرنفال، على عروض مسرحية وأوبرالية وموسيقية تعكس «جنون السلطة وعشق السيطرة على الحياة الشخصية، وما تؤدي إليه من كوارث».
وفي هذا السياق جاء اختيار عايدة التي تجسد كما وضعها الإيطالي جوسييب فيردي الصراع بين الواجب والحب والمنصب والسلطة والعاطفة والخيانة في أجواء حرب دارت بين مصر والحبشة قبل قرون بسبب نهر النيل ومياهه التي تعتبر شريان حياة مصر حيث يصب والحبشة أهم منابعه.
تأتي عايدة في أربعة فصول في أعظم ما تكون فنون الأوبرا من حيث الغناء والتمثيل والديكور والملابس والحبكة الدرامية التي لا تجسد تلك الحرب وشرورها والرغبة في المزيد منها لمزيد من السيطرة والخضوع والحفاظ على المناصب وتحقيق النصر والسيادة فحسب، بل تجسد كذلك وبقوة، شراسة الصراع الدائر بين شخوصها والرغبة في الاستعباد وما يعتمل داخل نفسية كل منهم لتحقيق مكاسب منها ما هو شخصي وما هو وطني مما أكسب هذه الأوبرا الكثير من الاهتمام لكونها «عملا سياسيا» تماما كما هي «عمل فني»، ولهذا تكثًر قراءتها من وجهات نظر مختلفة على الرغم من مرور الزمن.
تحكي أوبرا عايدة، وهي أميرة حبشية أسرها الجيش المصري، فأحبت قائده وأحبها، وهو الذي كانت تحبه المدللة أمنيرس ابنة الفرعون التي شعرت بما يجمع من حب بين عايدة والقائد راداميس الذي كانت تخطّط بالزواج به.
لمزيد من التعقيد والدراما طلب والد عايدة من ابنته بعد أن عرف حقيقة حبها، أن تتجسس على حبيبها لكشف خطته الحربية رغم أنّ الحبيب كان يسعى للنصر لتحرير عايدة حتى يتزوجها كهدية مقابل ما سيحقق من انتصارات.
بمؤامرة بين رئيس الكهنة وابنة الفرعون، اقتنع والدها أنّ قائده خائن، ويحاول الهرب مع عايدة، فأمر بإعدامه، وتجسيدا للحب القوي الذي جمع بينهما، تسبقه عايدة إلى القبر.
من جانبها أشارت المخرجة الأميركية إيرانية الأصل، شيرين نشأت، التي وقع عليها الاختيار لإخراج الأوبرا، إلى المشاعر التي غمرتها وهي تدرس العمل لا سيما أنّها شخصيا جرّبت حياة المنفى وتفهم أحاسيس ومشاعر عايدة، كما صورها فيردي مقسمة ومتضاربة بين حبها للحبيب ولوالدها ولبلادها، ومشقة التكيّف مع الظروف ومعاناة الحنين والغضب وأمل العودة ليس وحيدة وإنّما برفقة حبيبها. كانت شيرين قد قالت في تصريحات صحافية: «تكون الحدود أحياناً، ما بين عايدة ونفسي غير واضحة». موضحة اهتمامها بتحقيق توازن بين قوة العمل أوبراليا وقوة القصة، ورؤيتها الخاصة ضمن تلك الحدود التي لا تسمح بتغيير المجريات، وأن تسمح بقراءة خاصة، مؤكدة على أنّها لم تُغفل مطلقاً افتراضات البعض أنّ الأوبرا في بعض ملامحها «عنصرية». وفي ذلك تقول: «حاولت تحليل العلاقات، ووقفت على اختلاف الثقافات وركزت عند واقعة الإعدام على ما يلعبه المتعصبون والغوغائيين من أدوار خطيرة وما يمكن أن يرتكبوه من عنف».
تبدأ عروض أوبرا عايدة في المهرجان، منتصف الشهر الجاري، ويسبقها عرض آخر لانا نيتربكو بمشاركة زوجها ألتينور الأذربيجاني الأصل يوسف ايفاروف، في أوبرا(مانون ليسكو) التي كتبها جاكومو بوتشيني، وهي بدورها انتهت نهاية مأساوية بعد رحلة داخل تناقضات وشرور النفوس البشرية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».