بوابة في بكين تأخذك إلى العصر الذهبي بهوليوود

سينما {سينكر} كالكهف المجوّف فيها شاشات عرض سينمائي متعددة

سينما سينكر في العاصمة الصينية بكين
سينما سينكر في العاصمة الصينية بكين
TT

بوابة في بكين تأخذك إلى العصر الذهبي بهوليوود

سينما سينكر في العاصمة الصينية بكين
سينما سينكر في العاصمة الصينية بكين

توفر دور السينما الصغيرة، 30 مقعدا فقط من الجلد الفاخر، وهي مكان مثالي للاسترخاء. وهناك طاولات جانبية حيث يمكن للزبائن وضع أقداح المشروبات أو العصائر، وتناول بعض من المحار والكافيار. الشاشة قريبة والسقف قريب، والمناخ العام دافئ وأنيق.
دار سينما (سينكر)، ليست من دور السينما النموذجية في العاصمة الصينية بكين، فهي كالكهف المجوّف، تنتشر بها شاشات العرض السينمائي المتعددة التي تعرض الأفلام الأميركية من هوليوود، ذات الجودة الصوتية الرائعة ومشاهد المعارك المتقنة ومطاردات السيارات الساخنة. ويفضل مستوردو الحكومة الصينية والجهات الرقابية تخصيص دور السينما هذه، لصالح الأفلام الأجنبية الـ34 المسموح بعرضها في البلاد كل عام.
وتقع دار سينكر للسينما في الطابق الثالث من أحد المباني في أحد الأحياء الراقية من العاصمة الصينية. وتصور الشركاء الثلاثة المالكين لها، أن تكون محلا لعشاق الأفلام الذين يرغبون بمشاهدة كلاسيكيات هوليوود القديمة، وأفلام الفنون الأوروبية المختلفة، وأفضل الأفلام الصينية القديمة.
من بين العروض الأخيرة: فيلم «الأب الروحي»، و»الرومانسية على جبل لوشان»، إلى جانب الأفلام الأولى للمخرج وودي آلان وأغنيس فاردا.
ومن الديكورات الجذابة في السينما نجد ذلك البار النحاسي الطويل على طراز الثلاثينات والمستخدم في طلب المشروبات الفاخرة أثناء أو بعد انتهاء عرض الأفلام.
وتتواجد أماندا تشانغ، المحامية الجنائية السابقة وإحدى الشركاء في مشروع السينما الجديدة، باستمرار في أغلب الليالي، تتبادل الأحاديث الودية مع الرواد المعتادين في المطعم المميز، وتقف على رأس البار النحاسي الفاخر.
تحاول السيدة تشانغ أن تستعيد روعة العصر الذهبي لهوليوود الأميركية، فتراها أحينا ترتدي رداء حريريا من اللون الأحمر الزاهي ومرصعا بالورود الأنيقة، أو سترة نسائية مسائية جميلة، أو فستانا لونه أخضر زمردي، وتنتعل الحذاء ذي الكعب العالي.
افتُتحت دار سينكر للسينما قبل ستة شهور، وهي من التجارب الرائدة في تقديم البديل الأفضل للمسارح التجارية التقليدية في بكين، إلى جانب غرفتي عرض سينمائي جديدتين تماما لعرض الأفلام القديمة. ولقد استحدث أصحاب المشروع اسم سينكر اختصارا لمسمى «صناع السينما».
يقول يان يي شين، مؤسس المشروع: «ليست لدينا دار سينما مستقلة في الصين. وفكرنا، كيف يمكننا الحصول على السينما المستقلة في البلاد؟». مضيفا أنّ المكان الذي يتضمن جدولا زمنيا انتقائيا (حسب المعايير الصينية)، والمناخ الجذاب، تُعتبر بداياته جيدة. لطالما اعتُبرت مدينة شنغهاي موطن أفلام السينما في الصين، حيث افتتحت استوديوهات الإنتاج الكبيرة أعمالها هناك منذ عام 1949، ولا يزال معظمها يعمل. وكان افتتاح دار فاخرة للسينما في العاصمة السياسية، من الخطوات الجريئة للغاية، وتحدٍّ للنمط التقليدي الذي تمثله شنغهاي كمركز للأناقة والرقي.
تعتبر دار سينكر، تطورا عصريا لقاعات العرض في القرن الحادي والعشرين، الذي تمثله دار (الكتريك) للعرض السينمائي في حي نوتينغ هيل في لندن، حيث يجلس المشاهدون على أرائك فخمة وكراس بذراعين، وحتى على الأسرّة، في حين تعرض الأفلام على الجزء الأمامي من خشبة المسرح المزخرف بالذهب.
ويتذكر يان زيارة دار (الكتريك) للعرض السينمائي برفقة خطيبته: «إنّها سينما عتيقة. ويمكنك الاستلقاء على الأريكة، وتناول مشروبك المفضل من البار، ومشاهدة الفيلم في نفس الوقت. يا لها من تجربة مثيرة ورائعة».
وعلى غرار حي نوتينغ هيل في لندن، فقد اختاروا منطقة راقية مماثلة لها في بكين، تدعى سانليتون، كانت في فترة الثمانينات والتسعينات من مناطق الحانات المتواضعة، وفيها عشرات من مباني السفارات الأجنبية المتناثرة هنا وهناك. ثم استأجر الفنانون مساحات صغيرة للغاية فيها، لكي يكونوا بالقرب من الدبلوماسيين الذين يستطيعون شراء لوحاتهم الفنية، وفي بدايات القرن العشرين، وضع المخرج العالمي كوينتن تارانتينو، نكهته الخاصة في المكان حين وقف في إحدى الحانات الليلية واسمها فوغ، وعمل على تصوير أول أفلام الحركة من إخراجه تحت عنوان «اقتل بيل» خلال النهار.
كان لدى مخططي المدن في بكين أفكارا أخرى بدلاً من السماح باستئجار العقارات المركزية القيمة، من جانب ذوي الأجور المنخفضة. ففي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أُفسح المجال لافتتاح أول متجر لبيع منتجات شركة أبل في الصين، ثم لمتاجر الموضة والأزياء، والآن، وبعد مرور 10 كاملة، هناك صالة عرض لسيارات شركة مرسيدس الألمانية التي تعرض أغلى الموديلات، أسفل أحد الأبراج الفاخرة التي تكسوها شاشات الفيديو العملاقة مع المقاهي الراقية في الجوار.
ومن خلال تحديد المكان في سانليتون، يلبي السيد يان والسيدة تشانغ، إلى جانب لين فانغ، مالك أحد مطاعم بكين الرائعة ومنتج الأفلام الصينية المعروف، نداء المحور الراقي من المدينة وثقافتها الاستهلاكية المتنامية. كما أنّهم يحاولون استغلال التغييرات المشهودة في عادات زيارة دور السينما في البلاد.
هبطت عائدات شباك التذاكر لأفلام هوليوود في الصين خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بعد سنوات عديدة من النمو والازدهار. على سبيل المثال، حقق فيلم «المتحولون: الفارس الأخير»، إيرادات أقل من المتوقع، بينما حقق فيلم «دانغال» الهندي الأخير إيرادات أعلى بكثير. لقد أصبح المشاهدون أكثر تطورا عن ذي قبل، وأكثر تقلبا كذلك. وفي الصين، كما هو الحال في أماكن أخرى من العالم، فإن رواد الأفلام يشاهدون مقاطع الفيديو التي تقدمها خدمات البث عبر الانترنت.
ومع تفرق رواد مشاهدة الأفلام، تقف دار سينما سينكر، لمناشدة جمهور الأفلام الكلاسيكية، ومجموعة واسعة كذلك من الناس الذين يعشقون الممثلين الأجانب من الذين ذاعت شهرتهم عبر مختلف المسلسلات التلفزيونية الشهيرة.
ومن المفاجآت المذهلة، كما تقول السيدة تشانغ، أنّ مسلسلات المسرح الوطني البريطاني المباشرة مع ممثلين أمثال بنديكت كومبرباتش الذي ظهر في مسلسل شيرلوك البريطاني المشوق الذي أذاعه التلفزيون الصيني، كان من أكبر عوامل الجذب بالنسبة لهم.
افتتحت دار سينما سينكر مع عرض لفيلم «فندق بودابست الكبير»، من إخراج ويزلي اندرسون لعام 2014، وهو من الأفلام المفضلة لأصحاب دور العرض الثلاثة. وتعود الديكورات الداخلية في السينما ولاسيما في البار والمطعم، من حيث الإضاءة والجدران والستائر الحمراء الفخمة، إلى الديكورات الداخلية في الفيلم.
يقول السيد لين، «كثيرون من رواد السينما يحبون مشاهدة الأفلام التي لا تتصدر شباك التذاكر على الدوام. ولم تكن هناك عروض تجارية لأفلام المخرج وودي آلان أو لفيلم الأب الروحي، وكانت متاحة على اسطوانات الفيديو الرقمية».
وعلى الرغم من ذلك، فإن المصنفات الفنية المتاحة لدار سينما سينكر محدودة من قبل مجموعة شنغهاي الإعلامية الشاملة، وهي المجموعة القوية النافذة التي تُشرف على توزيع الأفلام في البلاد، والتي يجب أن تمتثل لضوابط الجهات الرقابية. وعلى غرار كافة الأفلام، فهي تخضع للفحص من قبل المراقبين، كما حصل مع فيلم تيتانيك، الذي عرض على نطاق واسع، وقد كُلّف أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم، بمشاهدته، وهو أحد الأفلام التي انتجت في عام 1997، للحصول على دروس في الشجاعة، وكيف أن صانع الأفلام الرأسمالي يمكن أن يروي قصة فتى فقير يقع في حب فتاة غنية.
يقول السيد يان، إنّ المكتبة تضمّ حوالى 4 آلاف فيلم في المجموعة الإعلامية، وهناك حوالى 20 في المائة منها مناسب للعرض في دار سينما سينكر الراقية، وأفلام هوليوود تأتي في الغالب من هذه القائمة.
كان فيلم الأب الروحي أسرع الأفلام مبيعا، وساعد في ذلك عرض الفيلم مع العشاء الإيطالي الفاخر إلى جانب تذكرة السينما. وقد شجّع رعاة دار السينما ذلك في الظهور بملابس تشبه الملابس المصورة في الفيلم، وحضر البعض منهم بالفساتين الأنيقة وسترات السهرة الرسمية.
يجري التوّسع على قدم وساق. فقد افتتحت الأسبوع الماضي، دار للعرض السينمائي على السطح في الهواء الطلق، مزينة بالنباتات الخضراء المورقة والأغصان الصغيرة الجميلة. ومن المنتظر في الفترة المقبلة، افتتاح فرع لدار سينما سينكر في شنغهاي. والتطلع إلى المستقبل لتنظيم جوائز سينكر للأفلام السينمائية في البلاد.

* خدمة {نيويورك تايمز}



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».