تشكيليو «أصيلة» يزينون معارضها وجدارياتها

أجواء المدينة الفنية وتوافد فنانين عالميين عليها حفزهم على المضي في طريق الفن

تشكيليو «أصيلة» يزينون معارضها وجدارياتها
TT

تشكيليو «أصيلة» يزينون معارضها وجدارياتها

تشكيليو «أصيلة» يزينون معارضها وجدارياتها

أصيلة مدينة الفن التشكيلي بامتياز، وهي تجربة رائدة في تلقين الفن والجمال لمواطنيها وزائريها من خلال كل زاوية وزقاق عن طريق جداريات لألمع التشكيليين في المغرب والعالم، لكن الأهم من ذلك أن هذا العمل أعطى ثماره من خلال تكوين ثلة من التشكيليين اللامعين الذين كانوا ثمرة مجهود مواسم أصيلة التشكيلية منذ سنوات، وهم اليوم يزينون معارضها وجدرانها بأعمال تتلقى الإعجاب والتقدير من طرف الزائر العادي والمتخصص الناقد.
ومن بين الفنانين الذين ترعرعوا في هذه الأجواء الفنية بامتياز عبد القادر المليحي، وهو فنان تشكيلي من مواليد مدينة أصيلة كان من بين الأطفال الذين عايشوا تجربة موسم أصيلة منذ الصغر، واشتغل في ورشاته الصيفية والتقى بتشكيليين عالميين مروا منها وتغذى الفن والتشكيل في أزقتها من خلال جدارياتها الشهيرة.
هذا العام كان المليحي من بين التشكيليين الذين اشتغلوا على معرض «ربيعيات» الذي حرص على جمع ثلة من الفنانين التشكيليين الذين ينتمون إلى أصيلة إلى جانب فنانين من مدن مغربية أخرى ودول أخرى.
يحكي المليحي قصته لـ«الشرق الأوسط» مع الفن والمدينة، ويقول: إن معارض وجداريات الموسم كانت ولا تزال بمثابة مدرسة تدرب العين على رؤية الفن والجمال والتواصل مع الناس، ولها أيضا جانب تربوي وتوعوي، وكانت مختبرا حقيقيا للتعامل مع الفن والصباغة والحفر والألوان، وكذلك كانت بالنسبة للمليحي الطفل الذي لم يتردد في تحويل إعجابه وخربشاته الأولى إلى شغف قاده إلى دراسة الفنون الجميلة بمدينة تطوان (شمال المغرب) ثم إلى فرنسا لينطلق في عالم التشكيل بعد ذلك واحدا من الفنانين المغاربة المتميزين في هذا المجال.
أعمال المليحي تتعلق بالإنسان وتاريخ الإنسان، ويرى أن له طريقة كونية في التعامل مع اللوحات، فرغم أن مدينة أصيلة التي ترعرع فيها حاضرة في كل أعماله سواء كانت ظاهرة أو خفية، إلا أنه يحرص على أن يتعامل في رسوماته مع الإنسان كأنه في كون واحد ولا توجد بينه فروق، فهو يختلف وفي الوقت نفسه يجمعه كون واحد، كما أن العمل في نظره هو تواصل للرسالات التي يتوارثها الإنسان من القدم ويتم تحويلها إلى عمل فني في المعارض، وهذا ما يصفه المليحي بالفضول الذي يعرب عنه أحيانا من خلال كتابات شخصية يمكن أن تكون رسائل تتخذ شكل حروف أو رموز أو أشكال.
بدرية الحساني أيضا مرت من مرسم موسم أصيلة للتشكيل طفلة، حيث تعلمت أساسيات التشكيل ثم عادت بعد سنوات لتؤطر ورشات الأطفال الصغار، وبعد سنوات أخرى عادت لتعمل في ورشة الحفريات، وهي نموذج للفنانة التي ترعرعت مع تجربة ورشات موسم أصيلة في كل مراحله، وتعمل الآن في مجال السينوغرافيا، حيث تعمل على تشكيل ديكورات المسرح والأفلام.
لكن تأثير أصيلة على الحساني ليس مباشرا، برأيها، فيمكن رؤيته من خلال الضوء أو اللون أو الفضاء، وهي أساس اللوحة سواء كانت لوحة مرئية أم بالصباغة أم فوتوغرافية، وعندما تقوم بتنسيق الألوان والشكل في فضاء معين تصبح اللوحة موجودة، فهي تصر على أن تجعل من اللوحة تتكلم وتصف إحساسا معينا يجول بخاطرها وتشاركه مع الناس عن طريق الضوء والظلال أو غيرها من التقنيات.
أما محمد العنزاوي، فهو نموذج للفنان التشكيلي العصامي؛ فرغم أنه اختار إتمام دراسته في التاريخ بعيدا عن الفن والتشكيل، فإن مدينة أصيلة غرست فيه وهو طفل رهافة وإحساس الفنان، فعايش كل عام أجواءها التشكيلية مع إقبال فصل الصيف، وقدوم فنانين من كل أقطاب العالم لرسم الجداريات، فنمت بداخله دائما أسئلة حول ماذا يفعلون؟ ويراقب تقنياتهم في العمل، وينتظر بشغف رؤية العمل النهائي، ثم عزز فضوله بعد ذلك في العمل التطبيقي في المخيمات، حيث كانت ورشة الرسم المفضلة لديه خاصة بعد حلوله في المركز الأول لهذه الورشة.
وعن تأثير أصيلة المدينة في أعمال العنزاوي، يقول هذا الأخير إنها «موجودة في كل شيء»؛ فترعرعه في المدينة وفضائها حيث البحر الذي كان ملاذهم الأول للعب من الصباح إلى غروب الشمس، أدى إلى حضور البحر وألوان المدينة في الأعمال الفنية للعنزاوي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».