10 آلاف متفرج تابعوا عرض «الزيارة»

ضمن مهرجان بنزرت الدولي في تونس

جانب من عرض الزيارة
جانب من عرض الزيارة
TT

10 آلاف متفرج تابعوا عرض «الزيارة»

جانب من عرض الزيارة
جانب من عرض الزيارة

أكثر من 10 آلاف متفرج تابعوا عرض «الزيارة» الذي قدمه مهرجان بنزرت الدولي في دورته الـ35 وهو من المرات القلائل التي يسجل فيها هذا العدد من الجماهير في سهرة فنية واحدة.
نجحت السهرة بجذب انتباه آلاف المتفرجين وهذه ليست المرة الأولى التي تلقى فيها «الزيارة» هذه الحفاوة، حتى إنّ هيئة تنظيم المهرجان فكرت في برمجة سهرة ثانية للعرض نفسه الذي احتضنه الليلة قبل الماضية، مسرح الهواء الطلق بمدينة بنزرت (60 كلم شمال العاصمة التونسية).
ومع عودة العروض الفنية المعتمدة على الجوانب الصوفية والروحانية، وازديادها بقوة في المسارح التونسية خلال السنوات الأخيرة بدءا بعرض «الحضرة» و«المدحة» الذي عرض بمهرجان قرطاج الدولي، فإنّ كل عرض فني منها استمد قوته من ميزات قلّما تتوفر في غيره من العروض.
استمد عرض «الزيارة» ميزته من أنفاسه الروحانية وقبساته الصوفية المتأتية من عادات المريدين في زياراتهم لأولياء الله الصالحين، وما يصاحب ذلك من ذكر لله ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرها من عادات التونسيين التي تعود لقرون زمنية مضت. ويردد التونسيون عند زيارة مقامات أولياء الصالحين ممن عرفوا بورعهم وتقواهم وتقربهم إلى الله عبارة «زيارة ونيارة» في إشارة إلى النور الذي يصاحب من يذكر الله من خلال زيارة أوليائه الصالحين والترحم عليهم.
وظهرت تخميرة العادة على وجوه بعض الحاضرين ممن أثرت فيهم الموسيقى الصوفية وجعلت تفاعلهم كبيرا خلال مختلف ردهات السهرة. فيما اعتمد الفنان التونسي سامي اللجمي صاحب عرض «الزيارة» على الموروث الموسيقي لعدة طرق صوفية معروفة في تونس من بينها «العيساوية»، نسبة إلى الشيخ محمد بن عيسى المعروف باسم والي مكناس والشيخ الكامل، و«العامرية» لصاحبها ومؤسسها الشيخ عامر المزوغي القرشي. وقدّم اللجمي خلال السهرة الطريقة «الشاذلية» (نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي) وجاب عوالم أقطاب تونس في المجال الروحي مثل السيدة المنوبية وسيدي أبو علي النفطي السنّي وأم الزين الجمالية وغيرهم من أعلام التصوّف التونسي.
وقدم اللجمي في عرض «الزيارة» أناشيد ولوحات تجسد حلقات الذكر واجتماع المريدين حول شيوخهم مصدر راحتهم النفسية، ونجح بذلك في المزج بين التراث الصوفي الأصيل ومكونات العرض الموسيقي العصري بكامل ميزاته. وطغت الأزياء الجديدة على العرض واعتمد اللجمي على توزيع موسيقي جديد لمعظم الأغاني الصوفية التي قدمها.
وبرزت ثلاث عناصر أساسية في عرض «الزيارة» لتمثل أسباب نجاح هذا العرض الذي يتواصل في عدة مهرجانات تونسية، أوّلها التنفيذ الموسيقي المحكم، وحسن استغلال الفضاء من حيث التوظيف الركحي وتوزيع الأضواء والمؤثرات الركحية، وهو ما يضفي أجواء روحانية صافية على العرض، إلى جانب حسن اختيار الأصوات المؤدية للأغاني الصوفية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».