«جمرة القيظ» تلهب معظم الدول العربية... ودرجات الحرارة تتجاوز الـ50

الأحساء تسجل أعلى معدل درجة حرارة عظمى في الثلاثين عاماً الماضية

ارتفاع درجات الحرارة دفعت المواطنين إلى التوجه للبحر
ارتفاع درجات الحرارة دفعت المواطنين إلى التوجه للبحر
TT

«جمرة القيظ» تلهب معظم الدول العربية... ودرجات الحرارة تتجاوز الـ50

ارتفاع درجات الحرارة دفعت المواطنين إلى التوجه للبحر
ارتفاع درجات الحرارة دفعت المواطنين إلى التوجه للبحر

قد يطلق عليه السعوديون اسم «طباخ التمر» وهو اسم لطيف قد لا يدل عما يحمله هذا الموسم الحار من معاناة، وبخاصة أن درجات الحرارة تجاوزت الخمسين درجة مئوية في معظم الدول العربية، وأدت أشعة الشمس الحارقة إلى شل الحركة في ساعات الظهيرة. و«طباخ التمر» هو أحد مسميات هذا الموسم، ولأهل الخليج العربي مسميات أخرى مثل «جمرة القيظ» و«طباخ اللون» وهو تعبير يرتبط بموسم نضج التمر.
من جانبها، أكدت الهيئة العامة للأرصاد السعودية حدوث حالات «شذوذ مناخي» خلال فصل الصيف الحالي، من أبرزها ارتفاع في درجات الحرارة عن معدلاتها العظمى بفارق كبير، والتي تسمى الحالات المتطرفة التي يمكن التنبؤ بها من خلال التوقعات قصيرة المدى، في إشارة إلى أن درجات الحرارة العظمى ستتجاوز 50 درجة مئوية تحت الظل في العام الحالي.
وأكد الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، ارتباط موسم «طباخ التمر»، في السعودية خاصة وعموم دول الجزيرة العربية، بمنخفض الهند الموسمي، الذي يؤثر بشكل مباشر على أجواء الجزيرة العربية خلال فصل الصيف كل عام من 21 يونيو (حزيران) إلى 22 سبتمبر (أيلول) من كل عام.
وبحسب الاتحاد العربي، يبدأ تأثير موسم «طباخ التمر» تدريجياً من الجنوب باتجاه الشمال، وتبدأ التمور في الجزيرة العربية بالتلون والنضج عند اشتداد الحر، وخصوصاً خلال الفترة من 15 يوليو (تموز) الحالي حتى 15 أغسطس (آب) المقبل.
ويختلف الموسم من منطقة إلى أخرى، فهو يبدأ في الجنوب مبكراً، أما في الشمال فيتأخر قليلاً، وعند ظهور منزلة الذراع 29 يوليو التي يطلق عليها «المرزم» وتبلغ عدد أيامها 13 يوماً تكون هي الفترة الأشد حراً، وهي ذروة موسم «طباخ التمر».
* معدلات قياسية في السعودية
إن موجة الحر الجاف التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط تشتد من منتصف شهر يوليو من كل عام، وتستمر حتى نهاية شهر أغسطس سنوياً، وفقا للدكتور أيمن غلام، نائب رئيس هيئة الأرصاد والبيئة السعودية. وقال: إنه في ظل طبيعة المنطقة العربية والموقع الجغرافي للسعودية تحديداً، ستستمر هذه الموجة الحارة حتى بداية شهر سبتمبر المقبل، لكن بحدة أخف مما هي عليه في الفترة الحالية.
وجرى تسجيل أعلى معدل درجة حرارة عظمى خلال فصل الصيف في الثلاثين عاماً الماضية في مدينة الأحساء التي بلغت درجة الحرارة فيها في شهر يوليو الحالي 46 درجة مئوية، بينما سجلت مدينة أبها أقل معدل درجة حرارة صغرى خلال الفترة نفسها، والتي وصلت درجة الحرارة فيها إلى 17 درجة مئوية.
بدوره، بيّن غلام لـ«الشرق الأوسط»، أن أعلى درجات حرارة متوقعة في هذه الفترة ستسجلها المنطقة الشرقية والمناطق الشمالية الشرقية من السعودية بواقع 53 درجة مئوية في الظل، لافتاً إلى أن شهر أغسطس المقبل، ستزيد فيه نسبة الرطوبة على المناطق الغربية والسواحل، وهو ما سيزيد تأثير الإجهاد على الأشخاص جراء الحر والرطوبة.
ورفض غلام، أن تكون موجة الحر التي تشهدها المنطقة العربية ناتجة من ظاهرة الانحباس الحراري، مبيناً أن هذه الموجة تأتي ضمن دورات مناخية تتابعية من كل عام في فصل الصيف، رغم أنها تشهد تسجيل ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في السنوات الأخيرة.
وأرجع أسباب ارتفاع درجات الحرارة في السنوات الثلاث الأخيرة الذي تسبب في ظاهرة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، إلى الثورة الصناعية وتغيير جغرافية الأراضي من أراضٍ زراعية إلى مناطق عمرانية.
ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع درجات الحرارة على معظم دول الخليج العربي مع استمرار العواصف الرملية على الكويت وجنوب العراق، والإمارات، في حين تكون الرياح شمالية إلى شمالية شرقية نشطة السرعة ترافقها هبات قوية للرياح، تعمل على إثارة الغبار وتدني مستوى الرؤية.
* غزة بين لهيب الشمس والحصار
أثرت موجة الحر على سكان فلسطين، حيث لا يستطيع الكثير من سكان الضفة الغربية الهرب من الحرارة الشديدة إلى الشواطئ، بحكم القوة العسكرية للاحتلال الذي لا يمنحهم تصاريح خاصة من أجل العبور إلى الداخل، لكنهم مع ذلك يستطيعون التأقلم مع الارتفاع المجنون للحرارة، من خلال أجهزة التكييف التي غزت البيوت في السنوات القليلة الماضية، وهو ما يساعدهم على تجاوز ساعات النهار بانتظار الليل الذي عادة ما يكون لطيفا.
أما الذين لا يريدون البقاء في المنازل، فإن أمامهم خيارات كثيرة، وإن بدت مكلفة، السفر إلى بلدان البحار في الخارج، أو التوجه إلى شاليهات وفنادق توفر لهم بِركا داخلية خاصة، وهي منتشرة بكثرة في الأراضي الفلسطينية. لكنهم جميعا في النهاية يحمدون الله على نعمة الكهرباء المتوفرة باستمرار مقارنة مع سكان قطاع غزة. ويحرم الفلسطينيون في غزة من الكهرباء نحو 20 ساعة يوميا؛ وهو ما يجعل موجات الحرارة الشديدة أشبه بجحيم لا يطاق. وزاد من معاناة الغزيين أنهم فقدوا كذلك البحر، بسبب التلوث الكبير الناتج من تصريف المياه العادمة.
ووجهت السلطات في غزة بعدم السباحة في بحر القطاع بسبب التلوث العالي. وحسب إحصاءات رسمية، فإن أكثر من 73 في المائة من شواطئ غزة، ملوثة، بفعل عدم قدرة الجهات المختصة تصريف المياه العادمة إلى محطات خاصة نتيجة نقص الوقود فيها وعدم إيجاد حلول أخرى. وحرم هذا غالبية السكان من السباحة هذا الصيف في البحر؛ وهو ما جعلهم من دون خيارات مع انقطاع الكهرباء والماء.
* أزمة الكهرباء في العراق تضاعف المعاناة
سجلت درجات الحرارة في العراق هذه الأيام أرقاما بلغت 50 درجة مئوية، في حين تشير التوقعات إلى ارتفاعها لمستويات أعلى في بلد يعيش نقصا حادا في إنتاج الطاقة الكهربائية رغم الميزانيات الهائلة التي تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات المخصصة لقطاع الكهرباء منذ عام 2003 وحتى الآن.
ويعيش العراقيون أوضاعا صعبة من جراء الارتفاع المفرط لدرجات الحرارة مقابل تدنٍ كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية، حيث يحصل العراقيون على نحو 14ساعة تجهيز يوميا، ويعتمد على الباقي من خلال شرائها من القطاع الخاص وبأسعار كبيرة في حين يعيش مئات آلاف من النازحين أوضاعا مأساوية في مخيمات اللاجئين أو الذين عادوا إلى منازلهم المدمرة في المدن التي تم تحريرها من سيطرة تنظيم داعش في الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى.
وتقول هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزلي: إن معدلات درجات الحرارة في مناطق وسط وجنوبي العراق بلغت 50 درجة مئوية في بعض المناطق، وفق ما نقلت عنها وكالة الأنباء الألمانية. ويسعى العراقيون إلى البحث عن ملاذات آمنة للفرار من ارتفاع درجات الحرارة ويحاولون الاستمتاع بمياه نهر دجلة والفرات رغم ما يحف ذلك من مخاطر بسبب عدم توفر مناطق أمان للسباحة، في حين وضع آخرون مراوح تضخ الهواء والمياه معا عند بوابات مطاعم الدرجة الأولى وفي محال بيع المرطبات والمقاهي، في حين تبرع آخرون بنصب مرشاة مياه في الشوارع، حيث يمكن لأي شخص الوقوف تحتها لدقائق للاستمتاع وإطفاء الحرارة العالية.
ولا تزال الإجراءات الحكومية بعيدة عن إيجاد حل لإنهاء معاناة العراقيين خلال هذه الأيام من خلال تقليص ساعات الدوام الرسمي ومنع استمرار عمال البناء، وبخاصة في ساعات الذروة عند منتصف النهار لما يسببه من أمراض خطيرة، وبخاصة ضربة الشمس التي تؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة.
* اللبنانيون يهربون من الجبل إلى الساحل
احتار اللبنانيون كيف يواجهون موجة الحرّ التي تجتاح بلادهم منذ أوائل هذا الشهر حتى اليوم. فالذين يسكنون الجبال نزلوا الساحل؛ كون نسبة الرطوبة فيه تخفّف من قسوة الجفاف الذي يسود الجبل. في حين وجدت شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين بشاطئ البحر خير ملاذ لهم ليطفئوا بمياهه الباردة (23 درجة) نار الحرّ المحيطة بهم.
«لا يمكننا أن نصف ما نعيشه اليوم في لبنان بالأمر غير الاعتيادي، فلطالما رافق فصل الصيف في بلدنا درجات حرارة مرتفعة تصل إلى 34 درجة». يقول مارك وهيبة، رئيس مصلحة الرصد الجوي في مطار بيروت، لـ«الشرق الأوسط». ويعزو وهيبة شعور اللبنانيين بوطأة الحرّ إلى عوامل بيئية أخرى ترتبط ارتباطا مباشرا، كما ذكر لنا، بأسلوب العيش الذي يتّبعونه. ففي غياب المساحات الخضراء من ناحية وتمضيتنا أوقاتا طويلة على الطرقات، بفعل زحمة السير، داخل سياراتنا وانتشار الأبنية بشكل كثيف في مناطقنا من ناحية ثانية، شكّلت كلها مجتمعة، عناصر حيوية لازدياد شعورنا بالحرّ. «في الماضي كان ساحلنا يتنفس من خلال مساحاته الخضراء، بساتين البرتقال وأشجار الزيتون، فتمتص أشعة الشمس لتحوّلها إلى متفاعلات كيميائية تخفّف من شعورنا بالحرّ. اليوم وبعد أن استبدلت بمساحات إسمنتية نافرة للعين غاب تماما تأثير الشجر وأوراقها الملطف، على دورة الحياة؛ إذ كانت تمتص المياه من الأرض فتساهم بتبريد الأجواء». ما نعيشه اليوم من موجة حرّ ليس مشهدا استثنائيا، يؤكد وهيبة الذي أشار بأن لبنان عاش منذ سنوات قليلة موجة حرّ أكثر قساوة بحيث وصلت إلى 39 درجة مئوية في مثل هذا الوقت من السنة واستمرت لنحو أسبوعين. ويتأثّر لبنان حاليا بكتل هوائية حارة تصله من ناحية الشرق، وبالتحديد من سوريا والسعودية والعراق.
* الموجة تشل مترو مصر
شهدت مصر طقسا حارا على مدار الأسبوع الماضي، كانت ذروته يومي الجمعة والسبت الماضيين، وأدى ارتفاع درجة الحرارة إلى 45 درجة في بعض المحافظات مع ارتفاع نسبة الرطوبة إلى هرب المصريين إلى شواطئ وقرى وفنادق الساحل الشمالي والإسكندرية التي كانت بها درجات الحرارة أقل من باقي المدن والسواحل المصرية.
ومن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة، تخفيض سرعة مترو الأنفاق، حيث قال أحمد عبد الهادي، المتحدث باسم شركة مترو الأنفاق: إن هذا الإجراء تم بناء على تعليمات من إدارة هندسة السكة، بتخفيض السرعة إلى 60 كم، بدلًا من 80 كم، خارج النفق خط أول وثاني؛ نظرا لارتفاع درجة الحرارة، لتستغرق الرحلة بالخط الأول 90 دقيقة، بدلًا من 75 دقيقة. كما توقفت حركة المترو في بعض المحطات نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ.
من جانبه، صرح الدكتور أحمد عبد العال، رئيس هيئة الأرصاد الجوية، لـ«الشرق الأوسط» بأن هذا الأسبوع سوف يشهد استمرار الموجات الحرارية المتتالية وارتفاع الرطوبة ودرجات الحرارة، وهو أمر طبيعي في فصل الصيف، إلا أن التغير المناخي إثر بشكل كبير في ارتفاع درجات الحرارة عن الأعوام الماضية.
كما أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تعطل عدد من محولات الكهرباء الرئيسية في عدد من المدن المصرية مثل: السويس وطنطا وشبين الكوم، وقال الدكتور أيمن حمزة، المتحدث باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة أول من أمس: إن قطاع الكهرباء يواجه بكل قوة الأعطال الناتجة من الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، في إطار موجة الحر الحالية.
وحرص المواطنون على استخدام المظلات الواقية من الشمس في حين بدت الميادين والكباري أقل ازدحاما بسبب عزوف المواطنين عن الخروج في فترات القيظ الشديدة.
* المغاربة يتأقلمون مع الحر المفاجئ
وكحال الدول العربية الأخرى، يعيش المغرب على وقع موجة حرارة مرتفعة لم يتعود عليها المغاربة منذ سنوات، حيث كان الطقس يظل معتدلا حتى خلال فصل الصيف.
ولوحظ إقبال كبير على الشواطئ في المغرب، ولا سيما أن موجة الحرارة تزامنت مع بداية العطل الصيفية السنوية، وللتخفيف من الحر أيضا لوحظ إقبال كبير على المشروبات الباردة والآيس كريم من قبل الكبار والصغار، كما أن الكثير من السكان فضلوا قضاء فترة طويلة من الليل خارج منازلهم، ولا سيما في الشقق التي لا تتوفر على مكيفات.
وساهم ارتفاع موجات الحر في ترويج كبير لمنتجات الوقاية من الشمس، ولا سيما من قبل النساء، اللواتي أصبحن أكثر وعيا بخطورة الشمس على بشرتهن. ويتبعن أكثر نصائح أطباء الجلد الذين تستضيفهم القنوات الإذاعية والتلفزيونية في هذه الفترة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».