وجه جديد لفندق تاريخي في باريس

يتميز مبناه بتاريخ مثير يعود إلى القرن الـ18

فندق «كريون» في باريس وتاريخ عريق يعود للقرن الـ18 (نيويورك تايمز) - جناح بـ«الكريون» من تصميم المصمم العالمي كارل لاغرفيلد (نيويورك تايمز)
فندق «كريون» في باريس وتاريخ عريق يعود للقرن الـ18 (نيويورك تايمز) - جناح بـ«الكريون» من تصميم المصمم العالمي كارل لاغرفيلد (نيويورك تايمز)
TT

وجه جديد لفندق تاريخي في باريس

فندق «كريون» في باريس وتاريخ عريق يعود للقرن الـ18 (نيويورك تايمز) - جناح بـ«الكريون» من تصميم المصمم العالمي كارل لاغرفيلد (نيويورك تايمز)
فندق «كريون» في باريس وتاريخ عريق يعود للقرن الـ18 (نيويورك تايمز) - جناح بـ«الكريون» من تصميم المصمم العالمي كارل لاغرفيلد (نيويورك تايمز)

داخل أوتيل دي كريون في باريس، كتب الموسيقار الفرنسي الكاريبي الشهير هنري سالفادور في سجل ضيوف الفندق عام 1984: «فرنسا قلبي، لذا فإن أوتيل دي كريون قلبي».
التساؤل الآن: كيف كان سالفادور، الذي كان ضيفا دائما في أوتيل دي كريون، سينظر إلى فندقه المحبوب اليوم؟ كان الفندق قد خضع لعملية تجديد أجبرته على إغلاق أبوابه منذ مارس (آذار) 2013، وقد فتح الفندق أبوابه في الخامس من الشهر الحالي بعد أكثر من 98 عاما على افتتاحه الأصلي في 12 مارس 1909.
يحتل الفندق ثلاثة مبان على ناصية بلاس دي لا كونكورد، الميدان الملاصق لشارع الشانزليزيه. ومثلما الحال مع معظم الفنادق، يتميز المبنى بتاريخ مثير يعود إلى القرن الـ18.
عام 1755، أصدر الملك لويس الخامس عشر أوامره إلى المعماري جاك آنج غابرييل ببناء واجهتين تشبهان القصور، وشكلتا البنايتان نهاية الأمر الجزء الخارجي من «كريون» المطل على بلاس دي لا كونكورد. وجرى الانتهاء من هذين المبنيين المزدانين بالزخارف عام 1758، ويعتبران بمثابة ذروة التفوق المعماري في القرن الـ18. ومع هذا، ظلت البنايتان عبارة عن واجهة فحسب حتى جاء مهندس معماري آخر، لويس فرنسوا تروار، واشترى الأرض الواقعة خلفهما عبر مزاد علني وبنى قصر خاص فخم.
عام 1788، اشترى كونت كريون القصر وعاش فيه أحفاده معظم الوقت حتى عام 1904، إلا أنه قبل أن يظهر آل كريون في الصورة، اعتادت الملكة ماري أنطوانيت ارتياد القصر لتلقي دروسا في البيانو، حتى عام 1793، عندما أعدمت بالمقصلة على مقربة من القصر في بلاس دي لا كونكورد.
بمرور الوقت تحولت البناية من قصر ضخم إلى فندق فخم، وبدأت حياة المبنى تحت اسم كريون عام 1906 عندما أقدمت مجموعة للفنادق الفاخرة تعرف باسم «سويتيه دي غراند ماغازان إيه دي أوتيل دو لوفر» على شراء القصر واثنين من المباني المجاورة له بهدف بناء أكبر فندق فخم على مستوى باريس بأكملها، بهدف تلبية الطلب المتنامي من جانب أفراد النخبة العالمية.
ومن جانبه، قال برايس بايرن، المؤرخ المعني بباريس والذي جرت استشارته في مشروع ترميم المبنى وتجديده، إنه عندما افتتح «كريون» أبوابه عام 1909 كان يتميز بوجود الكهرباء ومياه ساخنة ومصعد وصالون لتصفيف للشعر. ورغم وجود فنادق فاخرة بالفعل في باريس، مثل «ماجستيك» و«أستوريا» و«ريتز باريس»، فإن «كريون» ربما كان صاحب الطابع الرسمي الأكبر بينها، حسبما قال بايرن. وأضاف: «كانت الديكورات متماشية تماما مع الأساليب المميزة للقرن الـ18. كما أن مستوى الخدمة كان رفيعا للغاية».
عام 1918، استقبل الفندق جنرال جون جيه بيرشينغ من الجيش الأميركي وفرنكلين دي روزفلت، مساعد وزير شؤون الأسطول الأميركي. أيضاً، نزل الرئيس وودرو ويلسون بالفندق أثناء مشاركته بمؤتمر باريس للسلام عام 1919. كما عقد داخله كل من الرئيس ويلسون ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج وعدد من الوفود الأجنبية عدة اجتماعات على فترات مختلفة مطلع عام 1919، وداخل جدرانه صاغوا ميثاق «عصبة الأمم».
وتضمنت قائمة الضيوف المميزين للفندق خلال السنوات التالية تشارلي تشابلن وشاه إيران محمد رضا بهلوي وصوفيا ملكة إسبانيا وأورسن ويلز وصوفيا لورين والملحن ليونارد برنستاين الذي كان ضيفا منتظما بالفندق، وكتب في سجل ضيوف الفندق عام 1989: «يا لها من متعة أن أقف مرة أخرى في شرفتي المفضلة المطلة على بلاس دي لا كونكورد».
ومع ذلك، فإنه حتى الفنادق الفاخرة تتقدم في العمر بمرور الزمن، وبات «كريون» بحاجة إلى ما يشبه عملية «شد وجه»، حسبما أوضح مارك رافري، المدير الإداري للفندق.
وشرح رافري أن المبنى افتقر إلى نظام تكييف مركزي، ما اضطر النزلاء لتلطيف الجو من خلال فتح النوافذ أو استخدام المراوح. وقال المعماري المسؤول عن عملية التجديد ريتشارد مارتينيه، والذي يعيش في باريس وزار «كريون» عدة مرات على امتداد سنوات كثيرة، إن الفندق كان يبدو قديماً، مضيفاً: «بدأ الفندق مظلما وعتيق الطراز بعض الشيء».
أما «كريون» بوجهه الجديد، الذي يحظى الآن بتكييف مركزي كامل، فيسعى لأن يظهر في صورة بعيدة تماما عن التعقيد، حسبما أكد رافراي الذي أضاف: «نرغب في أن نكون متواضعين وقريبين من الناس ولا نثير في نفوسهم رهبة. وبدلا عن التحلي بطابع عام رسمي، سيحرص العاملون لدينا على تحية الجميع بدفء ومودة كما الأصدقاء».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».