افتتح قصر هامبتون كورت في بريطانيا أمس، معرضه السنوي للزهور، برعاية الجمعية الملكية للبستنة، ويستمر حتى 9 يوليو (تموز) الجاري، ليقدم لزواره من خلال تصاميم حدائقه من ابتكار مصممين بريطانيين ومن حول العالم، رسائل تطرح في غالبيتها علاقة الإنسان بالطبيعة، وما تخلّفه هذه العلاقة من آثار سلبية على ثرواتها الطبيعية وكائناتها وعلى مستقبل الأرض.
يتخلل المعرض عروض فنية ونشاطات كثيرة للكبار والصغار، يتعرف من يرغب في زيارته على أوقاتها من خلال زيارة موقع «الجمعية الملكية للبستنة» (RHS Hampton Court Palace Flower Show 2017).
زارت «الشرق الأوسط» المعرض، لتقدّم لقرائها بعض الرسائل التي أراد المعرض إيصالها بكلمات وردية ملونة، وما وراءها من نصائح، على الرغم من تحذيراتها فإنها تفوح بعبق الورود.
«حديقة ليست للبيع»
دائرة تحت هذا العنوان، ترتفع فيها مجسمات لأنياب فيلة بأحجام صغيرة وكبيرة، تستقبلك لدى دخولك لزيارته. قد تتساءل: أين ألوان الحياة في هذا المعرض؟ وأنت لا ترى في هذه الزاوية سوى أقواس خشبية باهتة اللون مصنوعة من خشب شجرة الـ«أكاسيا كارو» الأفريقية، وبقايا هياكل عظمية وجماجم لفيلة ترقد قرب بحيرة جفّت مياهها، لترى نفسك أمام تصوير حي لحديقة مستوحاة من السافانا الأفريقية، بعشب أصفر مائل للبني ونباتات خجولة خضراء، تحكي استمرار محنة التجارة المروعة للعاج التي لا تزال تنتشر في جميع أنحاء العالم. وتبدأ الرحلة بعبور هذا الممر الذي يلقي الضوء على متوسط عدد الفيلة التي يقتلها كل يوم صيادو الفيلة في أفريقيا. حقيقة مرعبة لمستقبل الحياة البرية في المستقبل القريب، إن لم تُتّخذ إجراءات فعلية للقضاء عليها.
عناصر الحياة
من بين نماذج الحدائق المنتشرة اللافتة للزائر، يتوسط المعرض مجسم من ابتكار المصمم السويدي ويليام وايلدر الذي دمج عمله بأضواء LED في قاعدة التثبيت، ليجعلها تتوهج في الظلام مستخدما شجرة رمان معمرة، وفي مستوى الأرض مرج من الزهور البرية وشجرة فاكهة واحدة مزهرة. هذه الحديقة المفاهيمية تأخذ الزائر في رحلة استكشاف إلى ما تحت الأرض للتعرف على جذور النباتات والتركيبة العلمية للتربة، لتصوير فهم أفضل لأهمية التربة والمحافظة عليها. وقد نقش المصمم على قاعدة المجسّم المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، جميع عناصر الطبيعة، يعلوها مكعب خزان كبير وشفاف مليء بالمياه، بحركة الفقاعات داخله التي ترمز للحياة، لتمثّل تبادل العناصر مع جذور وحركة الفقاعات داخله. وهذه العناصر تمثّل عملية التناضح التي تستخدمها النباتات لرسم المياه وحياة النباتات التي تنبت فوق الأرض وتظهر جذورها مرئية.
التحوّل
تشجّع هذه الحديقة من صنع مارتن ميلسون، في استخلاص الجمال من بين المناظر الطبيعية الحضرية المهجورة، فقد ضمّنها المصمم مجسمين من الخرسانة التي أعيد تدويرها والإفادة منها للجلوس في الطبيعة، وتشير إلى الأماكن الصناعية وهي شائعة جدا اليوم في المدن والأماكن المليئة بالعمارة. كما اختار المصمم ويلسون مزيجا من النباتات الجافة التي من المرجح أنها طبيعية وتعيش في بيئة حضرية، مثل أشجار البتولا، والشمر، والأعشاب، وزهور أخرى مختلفة.
استوحى المصمم عمله من حديقة لاندشافتسبارك في ألمانيا التي صممت عام 1991، وترتبط ارتباطا وثيقا بالاستخدام السابق لموقعها، حيث بني مصنع لإنتاج الفحم والفولاذ، وبسبب التلوّث البيئي أقفل عام 1985. وتتحدّث عن تحويل الأماكن الصناعية وإجراء تغييرات عليها لتجديدها وإضفاء لمسة جمال على المكان. في الحديقة سلسلة من الهياكل الفولاذية المتجانسة التي تشير إلى الصناعات التحويلية في العصر الصناعي، وتستخدم أنقاضها في عمليات التجديد، ويوفر هذا التحول الطبيعي فرصا للحياة البرية في قلب المناطق الحضرية.
الحديقة السرية
وإن كنت من بلد تنتشر فيه زراعة بساتين العنب، سترى روحك وحنينك يأخذك لتقف وقتا لا يستهان به أمام حديقة تحتضن بركة ماء صغيرة تطفو على وجهها زهرة الكاميليا الجافة تساقطت من شجرة تنتصب قربها، وعريشة عنب تضع ظلالها على حديقة متواضعة أمام منزل مبني من الحجر، واستراحة صغيرة بمقعد مستطيل من الحجر تقابله طاولة صخرية. استوحت مبتكرتها المشهد من شمال إسبانيا. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» قالت: «للمشاهد أن يتصور ما يشاء. بعد يوم طويل في العمل أو علاقة حب فاشلة، بعد حزن أو فرح، حديقتي هي عبارة عن مسكن كل إنسان يعود إلى منزله ليجالس نفسه، مستريحا ساكنا يراجع ما قد مرّ في يومه وحياته. في هذه الزاوية ينفرد المرء ليخرج ما يختلج في قلبه من مشاعر، وله أن يتصور ما يشاء»، وأضافت: «بلمسة شعرية صممت المكان، وكثيرون لم يفهموا ما أردت أن أوصله لهم». وتعجبت عندما نظرت إليها لأقول لها إنّ هذه الزاوية أثّرت بي وأعادتني إلى وطني الأم حيث تنتشر بيوت الحجر في قراه مزدانة بـ«عرائش العنب».
يضمّ المعرض حدائق كثيرة طبيعية وأخرى عصرية تجاري الزمن والتطور التكنولوجي، ويقدّم لزواره من محبي الطبيعة فرصة اكتشافها بجميع حواسهم، وارتباطهم الوثيق بالأرض وأهميتها في استمرار الحياة، منذرا بمخاطر مستقبلية تهدّد ثرواتها. كما يعرض أجمل تصاميم لمفروشات الحدائق.
لمن يزور المعرض لأوّل مرّة، قد لا يرى أنواعا كثيرة خلابة من الزهور فرحة منتشرة في تصاميم كثيرين، ربما لأنهم أرادوا إرسال رسالة لابن الإنسان بأنه في يوم ما قد لا ينفع الندم، بسبب الدمار الذي يلحقه بالطبيعة.