«المواطن كليم» لجون بيو تحصد «جائزة أورويل» للكتابة السياسية

سيرة زعيم عمالي رسم ملامح بريطانيا الحديثة

كليمنت أتيلي
كليمنت أتيلي
TT

«المواطن كليم» لجون بيو تحصد «جائزة أورويل» للكتابة السياسية

كليمنت أتيلي
كليمنت أتيلي

على الرغم من قيمتها المالية الرمزية (3 آلاف جنيه إسترليني)، فإن جائزة أورويل تحولت إلى أهم جوائز بريطانيا والغرب فيما يتعلق بالكتابة السياسية الموجهة لغير المتخصصين، وقد اكتسبت هذا العام بالذات متابعة غير مسبوقة بعد أن فرضت الأجواء السياسية المأزومة على جانبي الأطلسي استعادة لديستوبيا جورج أورويل الأشهر (1984)، ونقلتها من حيز الكلاسيكيات المهملة إلى قلب الجدل السياسي والثقافي، وعلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً من جديد.
جائزة هذا العام مُنحت الخميس الماضي، في لندن، لكتاب «المُواطن كليم» للأكاديمي والمؤرخ البريطاني جون بيو، لما وصف بأنه «سيرة استثنائية عن رجل استثنائي»، وأهم ما صدر حتى الآن عن حياة وسياسة وأفكار كليمنت أتيلي (1883 – 1967)، زعيم حزب العمال البريطاني خلال الربع الثاني من القرن العشرين، وشريك وينستون تشرشل في حكومة الوحدة الوطنية التي أدارت المملكة المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، ورئيس وزراء بريطانيا لحكومتين متتابعتين خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ومع أن قراءة هذه السيرة بتمعن تكشف عن نظرة يمينية تحكم السرد، بحكم انتماء كاتبها، فإنها مساهمة جد هامة لتقليل كمية الظلال الداكنة التي فرضتها المؤسسة الثقافية والإعلامية الرسمية البريطانية على مساهمات حكومات أتيلي العمالية في صياغة وتشكيل بريطانيا الحديثة، كما نعرفها في وقتنا الراهن، ودائماً لمصلحة الرواية المنحازة لشخصية رئيس الوزراء المحافظ وينستون تشرشل، الذي قاد حكومة المملكة المتحدة إبان الحرب، وتوافقت «المؤسسة» على تتويجه أفضل رئيس وزراء بريطاني في القرن العشرين. لكن الحقيقة أن أي محاولة لفهم انتقال بريطانيا من العهد الفيكتوري، وأيام الإمبراطورية العظمى، إلى دولة الرفاه البريطانية الحديثة، ذات النظام الاجتماعي المتماسك، عضو الناتو، إحدى القوى النووية، زعيمة الكومنولث، ستكون عبثاً خالصاً دون التعريج على سيرة القائد العمالي الأهم، وإنجازات حكومتيه خلال الأعوام 1945 - 1951.
كانت مدافع الحرب العالمية الثانية قد صمتت لتوها عام 1945، عندما دعي لانتخابات عامة في البلاد، ترشح لها وينستون تشرشل عن قيادة المحافظين، وكليمنت أتيلي عن قيادة حزب العمّال. ومع أن أحداً لم يشك وقتها في أن كاريزما تشرشل، القائد الذي أوصل بريطانيا إلى النصر على النازية مع بقية الحلفاء، ستكون حتماً العامل الحاسم للتمديد للزعيم في مرحلة ما بعد الحرب، لا سيما في مواجهة أتيلي الخجول الاشتراكي الذي يشبه فلاديمير لينين شكلاً، وفق صحف يمين تلك الأيام التي كانت تعيش أجواء استقطاب بدايات الحرب الباردة المعادية للاتحاد السوفياتي وللمنظومة الاشتراكية، فإن حكماء النخبة البريطانية كانوا قد أحسوا بالخطر الذي يتهدد هيمنتهم على البلاد بعد الحرب، إذ كان الاقتصاد البريطاني شبه مدمر، وعاد مئات الآلاف من الجنود للبطالة بعد أن حملوا السلاح واعتادوا عليه، وأحس المواطنون العاديون على نحو متزايد بالغبن مقابل التضحيات الباهظة التي قدموها زمن الحرب.
كانت تلك وصفة انقلاب تام إلى اليسار، جاهز للتنفيذ في أية لحظة. ومما فاقم من مخاوف النخبة وقتها تقدم اليسار الأوروبي، الذي كان قلب المقاومة الفرنسية والإيطالية ضد النازية في الحرب، وأصبح بعد الحرب كثير الثقة بنفسه للتقدم نحو استلام السلطة، أو أقله المشاركة الفعالة في تحالفات الحكم، ومن ثم تنفيذ سياسات اشتراكية الطابع لرفع سوية حياة الطبقة العاملة، والتخفيف من معاناتها. وكان أتيلي وقتها - رغم يساريته المفترضة - قد فرض احترامه كرجل دولة وطني خلال فترة الحرب، عندما تناسى الخلافات الحزبية التقليدية بين المحافظين والعمال، وقَبِلَ بالمشاركة في حكومة إجماع وطني بين الحزبين، خدم فيها لدى تشرشل نائباً لرئيس الوزراء، لا سيما أنه قاتل قبلها في جبهات بريطانية عدة خلال الحرب العالمية الأولى، وأصيب 3 مرات قبل أن يرفع إلى رتبة ميجور بالجيش البريطاني. وهكذا تحالفت النخبة والظروف الداخلية وإيقاعات السياسة في المحيط الأوروبي مع أشواق الطبقة العاملة البريطانية، التواقة للكرامة في ترفيع زعيم حزب العمال الذي خبروه عن قرب إلى السلطة، رئيساً للوزراء.
كان أتيلي الرجل المناسب في الوقت المناسب. فهو، وإن لم يكن عبقري سياسة أو اقتصاد، قد أدار بفعالية غير مسبوقة في 10 داوننغ ستريت - مقر رئاسة الوزراء بلندن - فريقاً عبقرياً من الوزراء النجوم: إيرنست بيفين، وهيربرت موريسون، وني بيفان، وغيرهم من الذين قدموا أفكاراً، ونظموا مشاريع، وأنجزوا تحت قيادة أتيلي لبريطانيا، وفي مدى سنوات قليلة، كل مؤسساتها الاجتماعية ونظمها المعاصرة، من الهيئة القومية للصحة (NHS) إلى أنظمة الرعاية والتقدمات الاجتماعية والتقاعد، وتأميم بنك إنجلترا المركزي ومناجم الفحم، وخدمة القطارات، والكهرباء وإمداد الغاز، والنقل الجماعي والطرق، وتحسين الأنظمة التعليمية في البلد. تلك الثورة الاجتماعية الكاملة رافقتها في الوقت ذاته إنجازات حاسمة لمستقبل البلاد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، إذ أدارت تلك الحكومة استقلال الهند، وإنهاء الانتداب على فلسطين، وأنجزت بعد مأساة هيروشيما تحول بريطانيا إلى دولة نووية بتقنيات محلية، وإن بتكاليف باهظة بعد أن رفض الأميركيون تمرير تكنولوجيا القنبلة للندن، وكانت كذلك وراء عضوية بريطانيا الدائمة في حلف الناتو، كوسيلة لاستيعاب التنافس غير الواقعي مع الإمبراطورية الأميركية الصاعدة.
ولا يكتفي «المواطن كليم» بسرد حياة الرجل، ومسيرة صعوده في أجواء السياسة البريطانية من مجرد نائب لحزب العمال عن مقاطعة صغيرة، حصل على مقعدها بفارق لا يتجاوز 750 صوتاً، إلى زعيم حزب العمال المعارض، قبل أن يصبح نائباً لرئيس الوزراء أثناء الحرب، ورئيساً لحكومتين عماليتين تولتا إدارة البلاد المنهكة بعد الحرب، فهو يلقي بالضوء على المنطلقات الفكرية للرجل الذي كان بالمقاييس الطبقية برجوازياً من أسرة ثرية، لكنه انحاز للمواطن البريطاني العادي، ولم يكتف برطانة اليسار الكلاسيكي، بل فاوض المنظومة البريطانية على تنازلات عملية حاسمة لمصلحة المجتمع عموماً، مستفيداً من أفكار الليبراليين أكثر ربما من نظريات الماركسيين، وقدم نموذجاً عالمياً لاشتراكية محلية الجذور (يدعوها المؤلف بالمواطنة. ومن هنا، جاء وصف «المواطن كليم»، كما في عنوان الكتاب) أنقذت السلم الأهلي والنظام القائم، رغم شهية اليسار لتغيير البلاد باتجاه جمهورية يوتوبيا فاضلة. ويذهب بيو في الكتاب إلى خلاصة مفادها أن تحول ذلك البرجوازي الأنيق، خريج التاريخ الحديث من جامعة أكسفورد النخبوية، نحو الأفكار الاشتراكية لم يحدث في أروقة الجامعة، ولا في ثرثرات أصدقائه يساريي الجمعية الفابية، بل من خلال مشاهداته الشخصية لأوضاع فقراء شرق لندن، في أثناء فترة تطوعية قضاها هناك. لقد صاغت تلك التجربة - دون شك ضمن مؤثرات أخرى - إحساسه بعبثية تقديم المساعدات للفقراء، وضرورة تولي الحكومات مسؤوليتها لخلق الأنظمة التي تحمي الإنسان من شرور الحياة: الفقر، والجهل، والمرض، وذل الحاجة.
لعل واحدة من أعمق العبر التي تُستخلص من حياة هذا الزعيم الاستثنائي هي قدرته القيادية الهائلة التي سمحت له بتجاوز أوجه القصور الذاتية في شخصيته، وذلك الصلف الذي يَسِم معظم شخصيات السياسيين المنتفخة، ليخلق الأجواء، ويوفر الدعم والتفويض لفريق مهندسين نجوم، ليبدعوا تحت إدارته الفذة كل هذا التغيير.
ورغم وجود رطانة في بعض أجزاء الكتاب، لا سيما مقدمات الفصول، وإهمال يكاد يكون مقصوداً لدور اليسار الشيوعي الأوروبي والبريطاني، وتجاهل يبدو غير مقبول لتأثير الأفكار الكينزية الليبرالية على طريقة تفكير أتيلي وفريقه لدى استلامهم للسلطة، فيما يخص دعم التدخل الحكومي لكبح جموح الرأسمالية بعد الكساد العظيم، فإن «المواطن كليم» يمثل خطوة مستحقة لإعادة الاعتبار لهذا الرجل الكبير، الذي يقارنه كثيرون بزعيم حزب العمال الحالي جيريمي كوربن، ولدور حزب العمال في تكوين ملامح بريطانيا ما بعد الحرب، ويقدم أفكاراً قد تساعد المعنيين برفاه المجتمع البريطاني في تقديم أداء أفضل بشأن إدارة تحديات المرحلة الحالية: الضغوط الاجتماعية، والجدل بشأن الخدمات الصحية، وعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ومكانتها العالمية، ويقدم للسياسيين درساً بليغاً من تاريخ البلاد المعاصر حول ضرورة تجاوز السياسات القبائلية لمصلحة إجماع وطني فوق الحزبية في مواجهة التحديات الوجودية.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.