طهاة لندن ومطاعم المدينة يقدمون العون للناجين من الحريق

من بينهم متطوعون عرب أمنوا الأكل والإفطار

الشيف خالد دهبي في إحدى نقاط تجمع الناجين من  الحريق - جليلة المستوكي تساعد في تحضير الإفطار - الشيف خالد دهبي في مطبخه يحضر وجبات الإفطار
الشيف خالد دهبي في إحدى نقاط تجمع الناجين من الحريق - جليلة المستوكي تساعد في تحضير الإفطار - الشيف خالد دهبي في مطبخه يحضر وجبات الإفطار
TT

طهاة لندن ومطاعم المدينة يقدمون العون للناجين من الحريق

الشيف خالد دهبي في إحدى نقاط تجمع الناجين من  الحريق - جليلة المستوكي تساعد في تحضير الإفطار - الشيف خالد دهبي في مطبخه يحضر وجبات الإفطار
الشيف خالد دهبي في إحدى نقاط تجمع الناجين من الحريق - جليلة المستوكي تساعد في تحضير الإفطار - الشيف خالد دهبي في مطبخه يحضر وجبات الإفطار

نجا بعض سكان مبنى «غرينفيل تاور» بلندن من الحريق الهائل الذي دمره بالكامل فجر الخميس الماضي ولكنهم لم ينجوا من التشرد والجوع لا سيما في شهر رمضان الكريم، خاصة أن ثمانين في المائة من سكان المبنى هم من جنسيات عربية مختلفة ومسلمين.
غير أن أصحاب القلوب الطيبة والمعطاءة من المتطوعين لم تغف لهم عين قبل أن اطمأنوا على هؤلاء الناس الذين استيقظوا على رائحة الحريق ومشهد الدخان الأسود وصراخ الفارين من ألسنة النار.
وسارعت مطاعم لندن لمساعدة الناجين الذين وجدوا أنفسهم دون مأوى ودون طعام، فقام الشيف البريطاني جيمي أوليفر بكتابة تغريدة على حسابه الخاص على «تويتر» دعا فيها جميع المتضررين والناجين من حريق المبنى للتوجه إلى أحد فروع إمبراطوريته «جايمي إيطاليان» في مركز ويستفيلد التجاري القريب من المبنى والتعريف عن أنفسهم للحصول على طعام وشراب مجانا، ولم يكن أوليفر الوحيد الذي لم يستطع أن يجلس دون أن يتحرك له ساكن، فدعا سايمون كاول الذي يقف وراء إنتاج معظم برامج المسابقات الموسيقية مثل «بريتينز غوت تالنت» و«إكس فاكتور» الفنانين الكبار أمثال أديل وغيرها إلى تسجيل أغنية يذهب ثمن مبيعاتها للناجين من الحريق.
وقدمت سلسلة مطاعم «تشوبسيتكس» في لندن يوميا منذ اندلاع الحريق وجبات ساخنة للناجين في مواقع تجمعهم في وسط لندن، وأعلن مطعم «كوتشينا» الإيطالي في لندن عن أنه غدا الاثنين سيقدم مائة في المائة مما يجنيه فترة العشاء للمتضررين من الحريق.
وجاء المتطوعون من كل المناطق في بريطانيا لتقديم يد العون، فبعضهم قام بتنظيم حملات على وسائل التواصل الاجتماعي يحثون فيها اللندنيين على التبرع بالثياب، والبعض الآخر قام بحملات لإيجاد مساكن لهم، وكان من بين المتطوعين سيدة الأعمال المغربية جليلة المستوكي التي نظمت حملة خاصة للتبرع بالأكل وتنظيم الإفطار للناجين، ليس فقط للمسلمين وإنما لجميع الناجين، وفي اتصال مع «الشرق الأوسط» قالت المستوكي إنها تجد راحة غير عادية عندما تقوم بحملات خيرية، وهذه ليست المرة الأولى التي تجد نفسها مندفعة لفعل عمل إنساني، وقالت: «سارعت لمساعدة الناجين من حريق المبنى في لندن لأن غالبيتهم من الجنسية العربية والمغربية، وكان لا بد من فعل أي شيء فقمت بحملة على فيسبوك طلبت فيها من معارفي المساعدة في تقديم الطعام، وكانت المسألة معقدة في اليوم الأول لأن البلدية في المنطقة التي حصلت فيها الحادثة لم تكن متجاوبة وكان اعتمادها الوحيد على هبات الصليب الأحمر، ولكني استطعت بأن أقنع القائمين فيها بأنه من المهم تقديم الوجبات الساخنة واللحم الحلال للمسلمين وتقديم الإفطار للصائمين، وبعد يومين حصلت على موافقة البلدية وقمت بالاتصال بأشخاص لم يترددوا في المساعدة على الإطلاق».
وتقول المستوكي إنها قامت بحملة مماثلة عندما حصلت فيضانات مدمرة في جنوب المغرب، فقامت بحملات للتبرع على شبكات التواصل الاجتماعي واستطاعت الحصول على مبالغ مادية طائلة خولتها بناء 5 منازل لأكثر المتضررين في المغرب.
وفي بادئ الأمر، جرى تقديم الطعام في مسجد المنار، ولكن المستوكي تقول إنه لم يكن الصائمون في المسجد بحاجة لهذا الطعام بقدر ما كان بحاجة إليه الناجون من الحريق الذين توزعوا في مناطق «ايرلز كورت» و«هاميرسميث» و«لاتيمير ستريت» و«الكوم فيلادج».
واتصلت «الشرق الأوسط» أيضا بالطاهي المغربي خالد دهبي الذي قدم الطعام والإفطار للناجين، وقال: «تألمت كثيرا عندما رأيت المبنى، فرؤيته عبر التلفاز لا يمكن أن تقارن برؤيته في الحقيقة، المشهد محزن جدا، وكان لا بد من فعل شيء لمساعدة هؤلاء المساكين، وبما أني أعمل في المطبخ طوال اليوم لم أستطع الطهي ورؤية الأكل الفائض في حين أن هناك من يشعر بالجوع، لا سيما في شهر رمضان الكريم، فقمت بمساعدة جليلة المستوكي بطهي الطعام الصحي والساخن للناجين، وسعدت جدا عندما حضرنا الموائد».
وقال دهبي إن العملية كانت معقدة في البداية لأن البلدية لم ترد أن تبدو مقصرة ولكنه كان لا بد من فعل شيء لمساعدة هؤلاء المتضررين من الحريق الذين خسروا كل شيء.
وعمم الشيف دهبي رسالته لمساعدة المحتاجين عبر صحيفة «إيفننغ ستاندرد» التي توزع يوميا ومجانا، معبرا عن رغبته في تقديم الطعام لجميع المتضررين من الحريق من خلال مقابلة أجرتها معه الصحيفة لمعرفة كيفية سير الأمور ولتسهيل توصيل المعونات لمن هم بحاجة إليها.
وختم دهبي كلامه مع «الشرق الأوسط» قائلا: «كان لا بد من أن أقدم شيئا، الجميع قدم الملابس، ولكن بما أني طاه فكان لا بد أن أقدم طعاما جيدا وصحيا لأناس يستحقون المساعدة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».