إدمان المراهقين للهواتف الذكية... يضر بالأحاسيس والعواطف

خطوات لتأمين التوظيف المناسب للتقنيات الإلكترونية

إدمان المراهقين للهواتف الذكية... يضر بالأحاسيس والعواطف
TT

إدمان المراهقين للهواتف الذكية... يضر بالأحاسيس والعواطف

إدمان المراهقين للهواتف الذكية... يضر بالأحاسيس والعواطف

أوضح استطلاع رأي أجرته مؤسسة «كومون سينس ميديا» نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، أن 59 في المائة من الآباء يرون أن أبناءهم المراهقين مدمنون للأجهزة المحمولة. وليس هذا أمراً مفاجئاً، لكن الصادم في الأمر هو اعتراف 50 في المائة من المراهقين أنفسهم بإدمانهم لها. وفي الوقت الذي يشعر فيه الآباء بعدم الارتياح من تعلق أبنائهم الكبير بالأجهزة، لا يعلم أكثرهم الضرر الحقيقي الذي قد يلحق بأبنائهم المراهقين من جرّاء هذا الأمر.
أضرار الأحاسيس والعواطف
وقد تبين للخبراء أن الإدمان يتسبب في حدوث كثير من الآثار السلبية من بينها:
> فقدان التعاطف. التعاطف هو القدرة على فهم وتقدير مشاعر الآخرين؛ وهي صفة ضرورية لسعادة المجتمع. التعاطف هو السبب وراء العلاقات الطيبة بين الناس وبعضهم البعض، والتبرع لقضايا إنسانية، والامتناع عن إيذاء الآخرين، أو الإضرار بممتلكاتهم. حين يتراجع الشعور بالتعاطف أو يصبح منعدماً، يحدث العكس تماماً، وينتشر السلوك الإجرامي.
حين تم حرمان الأطفال، الذين في مرحلة ما قبل المراهقة، من الأجهزة ذات الشاشة لمدة خمسة أيام تحسنت مهاراتهم الخاصة بقراءة مشاعر الآخرين، وهي من المهارات غير اللفظية، مقارنة بالأطفال الذين واصلوا استخدام الشاشات بحسب دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا. وينمي التعاطف القدرة على قراءة مشاعر شخص آخر بشكل صحيح.
ومن دون وجود تعاطف وتواصل بين البشر، يمكن أن يصبح الشباب باردي الحسّ، ويتصرفون بقسوة مع الآخرين. لذا وعندما يتلقون استجابات باردة وقاسية من شباب آخرين، فإن هذه الدائرة تعزز نفسها وتتسع.
> نجاح مهني محدود. تستدعي الهواتف الذكية المعلومات، وتوفر الترفيه عند الطلب، لذا يصبح تحقيق الرغبات الفوري أمراً متوقعاً طوال الوقت سواء على الإنترنت أو بعيداً عنه.
وقد لاحظ تيم لينش، الرئيس التنفيذي لـ«سايكسوفت بي سي»، والحاصل على شهادة الدكتوراه في علم نفس أجهزة الكومبيوتر والآلات الذكية أن «الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر تدخلنا في نمط اجتماعي من التواصل يستمر ويمتد إلى حياتنا اليومية الحقيقية وما بها من تواصل غير تكنولوجي». وصرح لمجلة «تيك نيوز وورلد» قائلاً: «إننا نتوقع الحصول على إجابات فورية، فقد أصبحنا عجولين، ونستخدم جملاً أقصر، ونصل إلى مقصدنا، بدلاً من الانخراط في الأحاديث في الأمور العادية البسيطة، ويمكننا تجاهل مشاعر الآخرين عند التعبير عن أنفسنا».
ويمكن أن يؤثر فقدان تلك المهارات الناعمة، التي تشمل مهارات التواصل والتفكير النقدي، على الحصول على وظيفة أو ترقية.
> الاكتئاب وتدني تقدير الذات. توفر الهواتف الذكية للشباب فرصة أكبر للدخول إلى العالم، لكنها في الوقت نفسه تزيد ما يقدمه العالم للشباب. ودون وجود مرشحات أو قيود، يمكن أن يتأثر المراهقون ومن هم دونهم في السن، بشكل سلبي للغاية.
ذكر الباحثون وجود علاقة قوية بين الاستخدام المكثف للإنترنت، والإصابة بالاكتئاب، وذلك في دراسة أجراها المعهد الوطني للصحة العقلية. كذلك لاحظوا وجود صلة بين كثافة استخدام الـ«فيسبوك»، وأعراض مسببات الاكتئاب بما في ذلك ضعف تقدير الذات.
وليست المنشورات، والنصوص، والرسائل المتبادلة، ولا الممارسات المتنمرة على الهواتف الذكية هي التي يمكن أن يكون لها فقط تأثير سلبي على الصحة العقلية للشباب، حيث توجد حالياً مساحة إعلانية على موقع الـ«فيسبوك»، ولهذا تأثير على الحشود؛ والمراهقون هم الأكثر عرضة للتأثر بهذه الحملات التسويقية، على حد قول الأخصائي النفسي ديفيد ميتروف، مؤسس «بيدمونت أفينيو كونسالتينغ» للاستشارات النفسية.
التغلب على الإدمان
ينصح أكثر الخبراء الآباء بِحَثّ أبنائهم على تحديد وقت استخدام الإنترنت، فقد أصبحت عبارة «ضع الهاتف جانباً» البديل الحديث لعبارة «اذهب للعب في الخارج». والهدف الرئيسي هو مساعدة الأطفال على تحقيق التوازن بين أنشطتهم المختلفة.
هناك خطوات محددة يمكن للآباء اتخاذها لتحقيق هذا التوازن كما توضح لينيت أوينز، مديرة «إنترنت سيفيتي فور كيدز أند فاميليز».
- تحدث عن هذا الأمر. لا تضع قواعد، بل ناقش أمر استخدام الهواتف الذكية مع الأطفال، واشرح لهم سبب حاجتهم إلى السعي وراء التوازن والقيام بأمور أخرى.
- ضع الحدود. كن ذكياً وعملياً. تقول أوينز: «لا تتساوى كل الأوقات التي يتم قضاؤها على الإنترنت؛ فأحياناً يكون على الأطفال الاتصال بالإنترنت لأداء أعمال مدرسية، وأحياناً يكون ذلك من أجل المرح. والغرض الأخير هو الذي يحتاج إلى بعض الضوابط والقيود».
- قدم نموذجاً جيداً. ضع كل أجهزتك جانباً لتكن النموذج والمثال الذي يمكن أن يتطلع إليه الأطفال. وقد يفيدك ذلك أيضاً.
- ساعدهم في تحقيق التوازن. قدم بدائل، أو اقترح أنشطة أخرى. ابحث عن بعض الأنشطة التي يمكنهم القيام بها وحدهم، وأنشطة يمكنهم القيام بها مع أصدقائهم، وأنشطة أخرى يمكنهم القيام بها مع آبائهم؛ فكلمة السر هي «التوازن».
التكنولوجيا لن تختفي، بل قد تزداد انتشاراً. المهم في الأمر هو ضمان أن تظل التكنولوجيا أداة، وخادماً لا سيداً. يمكنك من خلال الوعي بأنماط استخدامك، واستخدام أبنائك للتكنولوجيا، الإبقاء على هذه الوسائل التكنولوجية في وضعها الصحيح.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)