الأم الأميركية بين القلق والامتنان

70 في المائة يؤدين كل أو أغلبية الواجبات المنزلية

الأم الأميركية بين القلق والامتنان
TT

الأم الأميركية بين القلق والامتنان

الأم الأميركية بين القلق والامتنان

بمناسبة عيد الأم السنوي في الولايات المتحدة، وهذا هو العيد رقم مائة، نشرت مجلة «باريد» العائلية الأميركية تقريرا عن «وضع الأم الأميركية بعد مائة عام». وجاء فيه أنها خليط من الكلمات الآتية، في جانب: «عبء. عجلة، قلق». وفي الجانب الآخر: «فخر. إنجاز. امتنان».
لكن، مع بداية القرن الماضي، كان التركيز أكثر على كلمة «امتنان». بينما، مع بداية القرن الحادي والعشرين، صار التركيز أكثر على كلمة «قلق».
الآن، حسب التقرير، قالت نسبة سبعين في المائة من الأمهات الأميركيات أنهن يؤدين كل، أو أغلبية، الواجبات المنزلية (من دون مساهمة من جانب الآباء). وقالت نسبة ستين في المائة بأنهن يقمن بكل، أو أغلبية، تربية الأولاد والبنات. وقالت نسبة خمسين في المائة بأنهن يساعدن أولادهن وبناتهن في واجباتهم المدرسية. وقالت نسبة ثلاثين في المائة بأنهن يعملن في وظيفتين أو أكثر.
وعن ترابط العائلة الأميركية، قالت نسبة ثمانين في المائة من الأمهات الأميركيات بأن العائلة تجتمع حول وجبة العشاء كل ليلة في أغلبية أيام الأسبوع. ويشكل هذا جزءا كبيرا من «الامتنان». وقالت نسبة عشرين في المائة بأنهن يشعرن بوجود «امتنان» لأنهن يعشن في منزل واحد مع أم، أو أب، أو قريب (بالإضافة إلى الأولاد والبنات صغار السن). لكن، يعني هذا أن أغلبية عملاقة (ثمانين في المائة) من الأمهات الأميركيات يعشن منفصلات عن الآباء، والأمهات، والإخوان، والأخوات، والبالغين من أولادهن وبناتهن.
وعن الخيارات في الحياة، قالت نسبة سبعين في المائة من الأمهات الأميركيات بأنهن يتمنين لو عرفن في الماضي أكثر عن هذه الخيارات. وخاصة عن تكاليف المعيشة، والمصروفات، والدخول. وقالت نسبة ستين في المائة بأنهن يتمنين لو عرفن في الماضي أكثر عن المحافظة على صحة ممتازة، أو طيبة. ونفس النسبة عن مزيد من التعليم (خاصة شهادات جامعية أو أعلى). ونسبة خمسين في المائة عن الاستماع إلى نصائح آبائهن وأمهاتهن. ونسبة ثلاثين في المائة عن اختيار أزواج غير أزواجهن الحاليين.
وعن مشاكل الحياة، قالت نسبة ثمانين في المائة من الأمهات الأميركيات بأن دور الأم الأميركية أصعب اليوم عما كان عليه عندما كن هن صغيرات في السن. وقالت نفس النسبة أن مشاكل الحياة اليوم أكثر مما كانت عليه عندما كن صغيرات في السن. وقالت نسبة أربعين في المائة بأنهن يحرمن أنفسهن من أشياء في سبيل توفير مال لتعليم أولادهن وبناتهن. وقالت نسبة أربعين في المائة بأنهن، كأمهات، أفضل من أمهاتهن عندما كن هن صغيرات في السن.
وعن المشاكل الاقتصادية، قالت نسبة تسعين في المائة بأن امتلاك بيت خاص بالعائلة هو المقياس الأساسي للاستقرار الاقتصادي (مقارنة مع تأجير منزل أو شقة). وأولى خطوات تحقيق «الحلم الأميركي». لكن، قالت نسبة ثمانين في المائة بأن هذا، بسبب المشاكل الاقتصادية، لم يعد سهلا. وقالت نسبة ثمانين في المائة بأن إدخال أولادهن وبناتهن في جامعات هو المقياس الأساسي لضمان مستقبل مستقر لهؤلاء، وتحقيق «الحلم الأميركي». لكن، قالت نسبة سبعين في المائة بأن هذا صار صعبا بالمقارنة مع ما كان في حالتهن. وقالت نسبة خمسين في المائة بأن تحقيق «الحلم الأميركي» صار أصعب بالنسبة لهؤلاء الأولاد والبنات.
في العام الماضي، في نفس مناسبة عيد الأم، نشرت مجلة «هيستوري توداي» (التاريخ اليوم) تقريرا عن نفس الموضوع. وجاء فيه الآتي: «خلال الثلاثين سنة الماضية، تطورت العائلة الأميركية، خاصة في مجالين:
أولا: صارت أكثر تنوعا.
ثانيا: صارت أكثر تعقيدا».
وأضاف التقرير: «لكن، تظل العائلة المتماسكة والمحافِظة، التي كانت أساس العائلة في منتصف القرن الماضي، هي المقياس الأهم في المجتمع، والثقافة، والدين، والسياسة».
وقال التقرير: «يكمن تفسير هذه الجاذبية الدائمة للأسرة المتماسكة بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية الفريدة التي شهدتها البلاد في خمسينات القرن العشرين. لكن، قوضتها الثورة الاجتماعية في الستينات. وفي السبعينات، استمرت العائلة شبه متماسكة، لكن أقل تماسكا. ثم جاءت حكومة محافظة قدمت صورة وردية زائفة للماضي (ثماني سنوات في عهد الرئيس ريغان). وركزت على المال والربح. ثم جاء ما بعد ريغان، وكأنه انتقام (مرض «إيدز»، والمثلية الجنسية، و«هيب هوب)».
وأضاف التقرير: «بعد أن كان التمرد على العائلة التقليدية يمثل فقط طريقة عيش عدد قليل من الناس، قويت شوكة هذا الفهم الخاطئ. وتحول إلى ثقافة. بل، صار الأميركيون يتناقشون حتى في معنى كلمة «عائلة». مما يدل على مدى التغيير. لكن، تظل العائلة الموحدة المتماسكة، في نظر كثير من الأميركيين، مرادفة للوعد المقدس لتحقيق «الحلم الأميركي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».