«الاستثمار في التنمية» عنوان اجتماع المنتدى الأوروبي الإنمائي اليوم في بروكسل

مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)
مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)
TT

«الاستثمار في التنمية» عنوان اجتماع المنتدى الأوروبي الإنمائي اليوم في بروكسل

مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)
مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)

بحضور رؤساء دول وحكومات أوروبية، ومن دول أخرى شريكة في مناطق مختلفة من العالم، وخاصة من أفريقيا، تنطلق اليوم الأربعاء، فعاليات المنتدى الأوروبي للتعاون الإنمائي في بروكسل، تحت عنوان «الاستثمار في التنمية»، وتلقى كلمات الافتتاح من رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، وفيدريكا موغيرنيني منسقة السياسة الخارجية الأوروبية إلى جانب متحدثين رفيعي المستوى، وبحضور 6 آلاف شخص من المسؤولين والخبراء من المجتمع الإنمائي الدولي، لطرح وتبادل الآراء حول مستقبل التنمية العالمية.
وسيتم على هامش المنتدى، التوقيع على وثيقة التوافق الأوروبي، حول التنمية، وهي وثيقة استراتيجية مشتركة، حول مستقبل التعاون الإنمائي الأوروبي، ووافقت عليها جميع مؤسسات الاتحاد، والدول الأعضاء.
وقال يونكر عشية المنتدى، إن أوروبا أصغر قارة ولكنها غنية، وعليها أن تساعد الآخرين غير المحظوظين، حتى يلتحقوا بالركب، وأشار إلى أن عبارة المساعدة الإنمائية، يجب أن تستبدل بالشراكة الإنمائية، وأنه حان الوقت لاستثمار المزيد في تلك الشراكة.
وقبل أيام قليلة، صوت أعضاء البرلمان الأوروبي بموافقة 405 أعضاء مقابل 70 صوتا معارضا وامتناع 159 عضوا، لصالح وثيقة التوافق الأوروبي حول التنمية والتي وصفها البرلمان في بيان بأنها اتفاق حول سياسة مشتركة تحدد أهداف الاتحاد وبناء على قيم التكتل الموحد.
ويتضمن الاتفاق بعض البنود، ومنها أن القضاء على الفقر سيظل أولوية أولى، وتسريع العمل بخطة التنمية المستدامة لعام 2030، كما يكرر الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء التزامهم بإنفاق 0.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التنمية، والتأكيد على أن التعاون مع القطاع الخاص متماشيا مع المعايير الاجتماعية والبيئية وحقوق الإنسان.
ويتضمن الاتفاق الجديد، الإشارة إلى وجود رقابة أكثر ديمقراطية على الأدوات المالية، التي تعالج الأسباب الجذرية للهجرة، وإجراء تقييم في منتصف المدة بحلول 2024 مع رصد مستمر لعملية التنفيذ.
وقال عضو البرلمان الأوروبي نوربرت نوسر من كتلة الاشتراكيين والديمقراطيين، إن ما جرى الاتفاق عليه يعتبر إنجازاً، مضيفا أنه «حتى في هذه الأوقات المضطربة، لا يزال القضاء على الفقر ومعالجة أسبابه الجذرية في صميم جهود الاتحاد الأوروبي في مجال التنمية، كما أن الاتفاق يوفر رقابة أفضل للبرلمان على الأدوات المالية، ويضمن تقديم المساعدات دائما إلى أشد الناس فقرا».
وتأتي فعاليات المنتدى الأوروبي للتنمية أو ما يعرف باسم «الأيام الأوروبية للتنمية» بعد أن اعتمد مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي للتنمية قبل أسبوعين إطارا جديدا للتعاون في مجال التنمية لينهي اتفاق سابق يجري العمل به حاليا ومنذ أكثر من عشر سنوات، وقال بيان مشترك لمؤسسات التكتل الموحد في بروكسل، إنه جرى تحديد إطار جديد للتعاون الإنمائي للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. وقالت وزيرة الخارجية الأوروبية فيدريكا موغيريني، إن «الإطار الجديد للتنمية يجعل التكتل الأوروبي الموحد أكثر قوة لمواجهة تحديات اليوم، وتعزيز التنمية المستدامة والقضاء على الفقر»، وأضافت أن الاستثمار في التنمية المستدامة هو استثمار في أمننا وازدهارنا».
من جانبها قالت الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد، التي تتولاها مالطا، وعلى لسان وزير الشؤون الخارجية جورج فيلا، إن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه، يؤكد التزام جميع الدول الأعضاء في مجال التعاون الإنمائي، مضيفا: «لا يزال الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للمعونة الإنمائية في العالم، حيث يوفر أكثر من نصف المساعدات التي تقدم في العالم؛ وذلك للوصول إلى الهدف الشامل وهو القضاء على الفقر، من خلال تعزيز الحكم الرشيد والتنمية البشرية والاقتصادية، ومعالجة القضايا العالمية مثل مكافحة الجوع والحفاظ على الموارد الطبيعية في العالم».
وأيد أعضاء البرلمان الأوروبي الاتفاق الجديد عند التصويت عليه في جلسة عامة انعقدت يوم 31 مايو (أيار) الماضي. على أن يتم التوقيع رسميا على الاتفاق الجديد بحضور رئيس البرلمان الأوروبي والرئاسة المالطية الحالية للاتحاد ورئيس المفوضية الأوروبية ووزيرة خارجية الاتحاد، وذلك اليوم السابع من يونيو (حزيران) على هامش فعاليات أيام التنمية الأوروبية، وبالتالي يحل محل الاتفاق الموجود حاليا بشأن التنمية الذي جرى التوصل إليه في 2006.
وقال بيان للمجلس الأوروبي في بروكسل وتلقينا نسخه منه، إن الإجماع الأوروبي من أجل التنمية هو استجابة من الاتحاد الأوروبي لخطة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، ويحدد المبادئ الرئيسية التي ستوجه نهج الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في التعاون مع البلدان النامية على مدى السنوات الـ15 القادمة، فضلا عن استراتيجية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتماشيا مع الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية في العالم. كما يسعى الجانب الأوروبي إلى تحقيق التنمية المستدامة والتعجيل بالتحول من خلال التركيز على العناصر الشاملة للسياسة الإنمائية مثل المساواة بين الجنسين والشباب والاستثمار، وبمشاركة كاملة من المجتمع المدني والجهات الفاعلة الأخرى.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.