معلومة خارج النص، مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يسعى لاستضافة النجم الهندي الأشهر شاروخان لتكريمه في افتتاح المهرجان الذي يحتفل بدورته رقم 39 يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، حتى كتابة هذه السطور لم يتلق المسؤولون رأياً قاطعاً؛ فالمهرجان يحمل اسم مصر وتقيمه الدولة، وهو الوحيد المعترف به رسمياً في الشرق الأوسط من قبل اتحاد المنتجين العالميين. وفي محاولة لإقناع شاروخان، فإن المهرجان سوف يهديه الدكتوراه الفخرية، بالإضافة إلى جائزة خاصة تحمل اسم فاتن حمامة؛ تقديراً لعطائه الفني. التواصل قائم قبل ثلاثة أشهر، ولدى النجم الكبير للموافقة شروط مادية تفوق قدرة المهرجان، إلا أنهم لم يفقدوا الأمل في ملاحقته.
علينا الآن أن نعود للنص، لماذا يقبل شاروخان التواجد في برنامج «رامز تحت الأرض» بعد مفاوضات لم تتجاوز أياما أو ربما ساعات؟ إنه بالطبع المبلغ الذي يتقاضاه، وهو بمقياس نجم عالمي في حجم شاروخان. دعنا نبدأ برقم مليون دولار، ناهيك عن طائرة خاصة ومرافقين وإقامة فاخرة، ولا تنس أنه لا يمكن أن يتم التعاقد مع نجم عالمي، إلا بعد توقيع عقود موثقة يعرف بمقتضاها أنه بصدد مقلب، ممكن ألا يقال له كل التفاصيل، ولكنه لن يشارك وهو لا يدري طبيعة المهمة المكلف بها، كل النجوم الكبار لديهم مؤسسات يعملون من خلالها وتدير شؤونهم، معروف أنهم لو مثلا اتفقوا على برنامج حواري، ووجد شيئاً آخر من حقه أن يعود عليهم قضائيا. برنامج رامز بعد أن حقق كل هذا النجاح الجماهيري، من خلال استضافته لأهم النجوم العرب، قرر أن يخطو لدائرة أكبر، وبدأ الإطلالة العالمية مع باريس هيلتون 2015، ثم استيفان سيغال، وأنطونيو باندرياس 2016، وتحقق مثل هذه الحلقات كثافة مشاهدة أعلى مما تعود البرنامج الوصول إليه، ولهذا كان حرصهم هذه المرة على استضافة شاروخان.
تستطيع أن تعتبر ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 هي عام السعد على رامز، الذي كان وقتها مشروعا لنجم كوميدي قادم، فهو من جيل أحمد حلمي، ولكنه ظل قابعا في أداء الدور الثاني، وجاءت مرحلة انطلاقه بعد الثورة بنحو سبعة أشهر: «رامز قلب الأسد»، ثم «رامز تعلب الصحراء»، و«رامز توت عنخ آمون»، و«رامز قرش البحر»، و«رامز واكل الجو»، و«رامز بيلعب بالنار»، حتى وصلنا هذا العام إلى محطة «رامز تحت الأرض»، معدل الرفض والهجوم على البرنامج يزداد إيقاعه عاماً بعد عام، وصفارة «التيت» يعلو صوتها لتمحو الكلمات التي تحمل تجاوزاً، ولا تتوقف الصفارة طوال الـ30 يوما عن العمل بهمة ونشاط ولكن الإقبال الجماهيري يصل للذروة.
ورامز يتحمل بنفس راضية، الكثير من الشتائم والضربات والصفعات التي ينهال بها ضيوفه عليه، في نهاية الحلقات، كنوع من الانتقام بسبب تلك اللحظات العصيبة التي عاشوها، والجمهور في البيت سعيد وهو يرى الوجه الآخر المنفلت للنجم الذي يُصدر لجمهوره دائما حالة من المثالية والرقة التي ترسم له ملامح صورة ذهنية لائقة في وجدانهم، يبدو أن الرهان على ألا يكتشف الناس كونه مقلبا يقتضي منهم الإسراف في أن يهاجموا رامز بضراوة. في واحدة مثلا من الحلقات إلى لا تُنسى «في رامز توت عنخ آمون» انهالت هيفاء وهبي عليه بالشتائم، وأرفقتها بعدد معتبر من الركلات التي أثبتت أنها تجيد تصويبها بقوة ودقة، وفي حلقة من «رامز في الجو» كان نصيبه كثيراً من البصقات التي وجهتها الراقصة الممثلة لوسي إليه، بينما هذا الموسم شاهدنا فيفي عبده التي كانت تلطم على خديها. لو تأملت حالة فيفي عبده، وتذكرت فقط أنها في العام الماضي كانت أيضا ضيفة هاني رمزي في برنامج مماثل، وواجهت أسدا شرسا، وأيضا لطمت خديها وانهالت بالشتائم على هاني، فهل نصدق أنها في كل رمضان تتلقي مقلبا ولا تُدرك أنه مقلب.
طبعا رامز جلال حقق شهرة غير مسبوقة في برنامجه؛ مما جعل البرامج الأخرى التي تقدم المقالب، لا تقارن أبدا في شعبيتها ببرنامجه، الشهرة يتم التعبير عنها بأجر ضخم يتقاضاه، وكان رامز يأمل أن تحقق له هذه الشهرة مكانة أخرى وقفزة في عالم النجومية ممثلا أمام الكاميرا، وقدم بطولة عدد من الأفلام آخرها «كونغر حبنا» بغرض جذب جمهور الشاشة الصغيرة للسينما، لكن الناس أحبته فقط في برنامج المقالب، وهو في الحقيقة لا يمثل بل يقدم نفس الشخصية التي ارتبطت به في البرنامج، وهكذا لم يستطع البرنامج أن يحقق له قفزة سينمائية.
ويبقى السؤال عن تلك السخرية التي تصل لحدود الإهانات التي ينهال بها رامز على ضيوفه وهو يقدمهم في الاستوديو، هو في البداية يبدأ فاصلا من السخرية تنال من الضيف، طبعا في عدم حضوره، وفي النهاية يستحق العقاب الذي يناله منهم وكأنه رد غير مباشر على تلك الإهانات التي لم يستمعوا إليها، ولكنهم قطعا سوف يرونها مع الجمهور. تسأل لماذا يوافق النجم؟، النجوم في العادة لهم أيضا حساباتهم المباشرة، الفنان بحاجة إلى ضوء وفلوس، وهذا البرنامج يحقق له الاثنين معا، البعض مثلا يرى أن محمود حميدة أكبر من أن يظهر في مثل هذه البرامج. بينما نجد أن قطاعا من الجماهير هو الذي يرفض أن يرى نجمه ضحية مقلب، مثلما حدث العام الماضي مع علي الحجار «رامز في النار»، ولكن للنجوم زاوية أخرى للأمر أغلبهم لا يذكرها مباشرة، وهي ضعفهم أمام الإغراء المادي الذي يتقاضونه. لديكم مثلا نادية الجندي، وهي واحدة من أشهر النجمات في تاريخنا السينمائي اللاتي حققت أفلامهن إيرادات ضخمة في شباك التذاكر منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي؛ صحيح أن مجمل أفلامها يطلق عليها صفة التجارية، إلا أنها ظلت على مدى ربع قرن تحتل القمة الرقمية وتتقاضى الأجر الأعلى بين النجمات، حتى جاءت الألفية الثالثة وهي تحمل تغييراً في ذائقة استقبال الجماهير فتراجعت نادية وابتعدت عن السينما، مع آخر فلامها «الرغبة» قبل 15 عاما، والغريب أن مخرج الفيلم علي بدرخان منذ ذلك التاريخ وهو مبتعد أيضا. وذهبت نادية الجندي للتلفزيون في أكثر من مسلسل، إلا أن العد التنازلي كان قد بدأ والستارة أغلقت والضوء صار خافتاً، ولم تعد لها إطلالة حتى على الشاشة الصغيرة، وهكذا عندما يأتي لها عرض مثل هذا البرنامج مع رامز تجد لديها أكثر من دافع للموافقة، فهو يحقق لها التواجد إعلاميا على مدى 30 يوماً لأنها في «تترات» البرنامج، ثم وهذا أيضا جزء مهم في المعادلة أجر كبير متفق عليه، وسوف تلاحظ أن البرنيطة ظلت مرافقة نادية الجندي في عز الأزمة التي واجهتها تحت الأرض، فهي مدركة أنه مقلب.
هل كل الفنانون يتم خداعهم؟ البعض ممكن فعلا ألا يدركوا أنهم بصدد مقلب، ولكنهم يشكلون النسبة الضئيلة، الشاب خالد مثلا، أصدق أنه قد تم خداعه فعلا، وهو في النهاية ليس مشاكساً سيقبل التصوير ويوافق بعدها على العرض، قبل عامين في مقلب «رامز قرش البحر» اعترضت آثار الحكيم ومنعت عرض الحلقة، وطالبت بدفع مستحقاتها المادية كاملة. استشعرت آثار وقتها أن المطلوب هو تقديمها بصورة سلبية أمام جمهورها من خلال انفلاتها بالكلمات، بينما هي حريصة على صورة ذهنية لها، لا تريد أن تخدشها، وكسبت المعركة ولم تعرض الحلقة وتقاضت أجرها. ولكنها تظل حالات استثنائية، فأغلب النجوم، إما يتم الاتفاق المبدئي معهم، أو يكتشفون أثناء التنفيذ أنهم في مقلب فيوافقون على استئناف اللعبة حتى النهاية، بينما الجمهور يلعب دور المتواطئ؛ لأنه حتى عندما يستشعر أنها لعبة متفق عليها يكمل اللعب حتى النهاية، أكثر من ذلك لا يتوقف عن مهاجمة البرنامج، ثم بعدها تكتشف أنه يحتل المركز الأول في كثافة المشاهدة.
هل وقع شاروخان حقاً في مقلب رامز؟
المشاهد يتواطأ في اللعبة
هل وقع شاروخان حقاً في مقلب رامز؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة