كريستوبال بالنسياغا ومائة عام من الإبداع والتأثير

نحات الموضة يعود من خلال ثلاثة معارض عالمية تسلط الضوء على عبقريته

كريستوبال بالنسياغا في معمله عام 1968 - كان يعشق الأحجام الغريبة - من الفساتين المعروضة في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن - من تصاميم مصمم الدار الحالي ديمنا فازاليا لربيع وصيف 2017
كريستوبال بالنسياغا في معمله عام 1968 - كان يعشق الأحجام الغريبة - من الفساتين المعروضة في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن - من تصاميم مصمم الدار الحالي ديمنا فازاليا لربيع وصيف 2017
TT

كريستوبال بالنسياغا ومائة عام من الإبداع والتأثير

كريستوبال بالنسياغا في معمله عام 1968 - كان يعشق الأحجام الغريبة - من الفساتين المعروضة في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن - من تصاميم مصمم الدار الحالي ديمنا فازاليا لربيع وصيف 2017
كريستوبال بالنسياغا في معمله عام 1968 - كان يعشق الأحجام الغريبة - من الفساتين المعروضة في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن - من تصاميم مصمم الدار الحالي ديمنا فازاليا لربيع وصيف 2017

لم يُخلف وراءه أسلوبا معينا كما هو الحال بالنسبة لكوكو شانيل أو كريستيان ديور، لكنه كان مدرسة ثارت على المتعارف عليه وأثرت بشكل أو بآخر على كثير من معاصريه. كريستوبال بالنسياغا الذي يحتفل به عالم الموضة من خلال ثلاثة معارض في الوقت الحالي، يجسد مفهوم السهل الممتنع رغم الأحجام الهندسية المستقبلية والقصات المنحوتة التي كان يعشقها بغض النظر إن كانت عملية أم لا. ومع ذلك كانت بنية أسلوبه في جوهرها بسيطة حتى في تعقيدات هندسيتها وراقية في فنيتها ما دعا المصمم كريستيان ديور للقول عنه «إنه أستاذ الكل... فالهوت كوتير مثل أوركسترا يقودها بالنسياغا بينما باقي المصممين مجرد موسيقيين يعزفون على نغماته».
حتى كوكو شانيل التي كانت بخيلة في إطراءاتها على مصممي جيلها قالت: إنه الخياط الوحيد الذي يتمتع بكل مواصفات المصمم الماهر، وإن كل الآخرين مجرد مصممي موضة. وبالفعل كان يتفوق على ديور وشانيل من ناحية أنه كان شاملا يعرف أدق التفاصيل، من تصور التصميم ورسمه على الورق إلى قصه وتفصيله ثم حياكته بنفسه، وهو ما لم يكن بمقدور الكل. وحتى الآن يقتدي به الكثير من الشباب من دون أن يشعر أي منهم بأنه ينتهك حرمة الإبداع، لأن هناك إجماعا أن رؤيته سابقة لأوانها. فعندما ألغى الخصر من فستان طرحه في الخمسينات، مثلا، وكان ذلك في عز موضة «ذي نيو لوك» التي كان كريستيان ديور بطلها وكانت تحتفل بشد الخصر لإبراز ضموره، استنكر البعض فعلته على أساس أنها تتعارض مع الأنوثة، لكن بعد عقد واحد تحول هذا التصميم إلى موضة سادت لحقبة كاملة ولا تزال لحد الآن. في الستينات من القرن الماضي، وقبل أن يُغلق داره، ارتقى بأسلوبه إلى مصاف التحف الفنية، وإلى حد الآن يشهد الكل بأن قصاته أسطورية يسهل الإدمان عليها لأنها تحترم المقاييس العادية وتحول العيوب إلى مزايا. ما يُحسب له أنه طوال حياته تعامل مع التصميم كفن وليس كتجارة، لهذا عندما شعر بأنه لا يستطيع مجاراة غزو الأزياء الجاهزة أقفل داره في عام 1968 إلى أن قررت مجموعة «كيرينغ» شراءها وإنعاشها. الآن، في كل موسم تعيد للأذهان قصة مصمم تمسك برؤيته واحترم فنه إلى آخر رمق. صحيح أن عدة مصممين تعاقبوا عليها ويحاولون إثبات أنفسهم، إلا أنهم لا يستطيعون الابتعاد عن الجينات الوراثية لكريستوبال بالنسياغا نظرا لقوتها.
منذ بضعة أشهر قامت الدنيا ولم تقعد عندما طرح مصمم الدار الحالي، ديمنا فازاليا، حقيبة باللون الأزرق تشبه حقيبة تسوق من متاجر «إيكيا». سبب الضجة والاستنكار لا يعود فقط إلى اتهامه باستسهال عملية الإبداع، بل لأن سعر الأولى كان 2000 دولار أميركي بينما سعر الثانية لا يتعدى الدولار وهو ما اعتبره البعض أيضا استهتارا بعقل المستهلك. لحسن حظ المصمم أن طرحه لهذه الحقيبة تزامن مع افتتاح معرض في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن بعنوان «بالنسياغا: تشكيل الموضة» سيمتد إلى 18 إلى شهر فبراير (شباط) المقبل، يتناول مسيرة المؤسس كريستوبال ويسلط الضوء إلى أنه كان يميل بدوره إلى إحداث الصدمة وخض المتعارف عليه باستعمال خامات غريبة تارة وأحجام هندسية مبتكرة تارة أخرى. المعرض اللندني يركز على صورة كريستوبال كمصمم سابق لعصره وتحديا له في الوقت ذاته. متحف «باليه بورديل» بباريس الذي يحتضن بدوره معرضا بعنوان «بالنسياغا: العمل الفني بالأسود» سيمتد إلى 16 من شهر يوليو (تموز) المقبل يتناول عشقه للون الأسود وكيف صاغ منه فساتين مغزولة بالأحلام. أما متحف بالنسياغا الواقع ببلدية غيتاريا الإسبانية، والذي سيمتد إلى يناير (كانون الثاني) 2018، فتُعرض فيه مجموعة أزياء للوريثة رايتشل لامبارت ميلون التي توفيت في عام 2014 وخلفت إرثا غنيا من تصاميمه التي كانت تُجمعها من باب عُشقها لأسلوبه.
كل هذا يشير إلى أن 2017 هو عام المصمم الإسباني بلا منازع فبعد مائة عام على انطلاقته لا يزال يُعتبر في نظر الكل نحاتا ومهندسا بقدر ما هو مصمم غير عادي.
أمينة المعرض اللندني، كايسي ديفيس سترودر تصفه بأنه «كان حداثيا وتقليديا في الوقت ذاته. تقليدي لأنه كان من المستحيل أن يتقبل النقلة من الهوت كوتير إلى الأزياء الجاهزة، وحداثي لما كان يتمتع به من نظرة سابقة لأوانها فيما يخص تعامله مع الأحجام والأشكال وبحثه الدائم عن مواد جديدة». فرغم أنه كان رساما ماهرا باستطاعته رسم أي تصميم يخطر على باله، فإنه كان يصرح دائما أن البطل بالنسبة له هو القماش ونوعيته من القماش، لأنه «هو الذي يحدد نوع التصميم» حسب تصريح نادر له.
ما يزيد من أهميته في عصرنا أنه يُذكرنا بزمن لم يكن المصمم يجري فيه وراء الربح المادي بأي ثمن بقدر ما كان يريد أن يُثبت أنه فنان. في حالة بالنسياغا لم يكن يسعده أن تقتني زبوناته كل قطعة يعرضها، وكان يفضل في المقابل أن يكون لهن ذوقهن الخاص وأن تتذوقن كل قطعة وكأنها تحفة فنية يجب أن يتم انتقاؤها بدقة.
المعرض اللندني يتتبع مسيرته في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ويسلط الضوء على أسلوبه المبتكر فيما يخص الأحجام الهندسية والخامات الثورية التي كان يستعملها إضافة إلى قدرة لا تضاهى في التفصيل ورثها عن والدته التي كانت خياطة إلى جانب تدربه على يد خياط وعمره لا يتعدى الـ12 عاما. يسلط الضوء أيضا على أعمال مجموعة من المصممين الذين تأثروا به مثل مولي غودارد والراحل أوسكار دي لارونتا وهيبار جيفنشي وأندريه كوريج وإيمانويل أونغارو، من الذين تدربوا على يده أو عملوا معه قبل أن يستقلوا ويؤسسوا بيوتهم الخاصة، من خلال قسم مخصص لهم. قسم آخر يؤكد أن تأثيره لا يزال قويا حتى بعد وفاته بعقود، من خلال تصاميم لمُبدعين معاصرين من أمثال عز الدين علايا، روكساندا إلنشيك، إلى جانب نيكولا غيسكيير الذي عمل في الدار لنحو 14 عاما قبل انتقاله إلى «لويس فويتون» وخلفه ديمنا فازاليا حيث ترجما روح المؤسس بلغة العصر من دون أن ننسى محاكاة الراحل أوسكار دي لارونتا لأسلوبه في الكثير من التصاميم.

من هو كريستوبال؟

ولد كريستوبال في عام 1895 بسان سيباستيان وعندما اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية انتقل إلى باريس. في عاصمة النور والأناقة صنع اسمه كواحد من أهم مصممي القرن العشرين وقدم أول عرض له فيها في عام 1937، ونجح سريعا في التميز عن غيره بهوسه ببناء كل قطعة كما لو كانت قطعة هندسية. كان انطوائيا لا يحب الأضواء، بحيث لم يجر طوال حياته سوى مقابلة صحافية يتيمة في عام 1971 وكانت من نصيب جريدة «ذي تايمز».
ومع ذلك لا يزال يُلهب خيال المصممين الشباب تماما كما ألهب خيال من عاصروه أو تعاملوا معه. عندما تناهى خبر إغلاقه داره في عام 1968 إلى الكونتيسة بيسمارك من أهم زبوناته، يقال إنها لم تخرج من غرفة نومها لمدة ثلاثة أياما من الحزن. وعندما توفي في عام 1972 كتبت مجلة «ويمنز وير دايلي» بالبنط العريض على غلافها «مات الملك». العنوان كان معبرا وكافيا لم تحتج فيه المجلة أن تذكر اسمه لأن كل أوساط الموضة كانت تعرف من هو المقصود باللقب.
ما تذكره أيضا السير الذاتية التي كُتبت عنه أن عروضه كانت بالنسبة لعاشقات الموضة تجربة لا تتكرر سوى مرة في العمر. كانت كما وصفها البعض تشبه لقاء مع بابا الفاتيكان لرهبتها وقوة تأثيرها الذي تقشعر له الأبدان إعجابا. دايان فريلاند، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية وصفت أحد هذه العروض قائلة: «كاد يُغمى على البعض وكان من الممكن أن تتوقف دقات قلب بعضهن الآخر، وأذكر أن النجمة أودري هيبورن التي كانت تجلس بجواري سالتني لماذا لم يكن فمي مفتوحا مثل غيري وأنا أتابع العرض، فأجبتها أني كنت أحاول أن أخفي مشاعري وتمالك أعصابي بكل ما أوتيت من قوة. فقد كان من الضروري أن ألعب دور إعلامية محترفة لا تتأثر أو تتحيز».
وتذكر أخريات أن عروض الأزياء كانت، ولا تزال، بمثابة مناسبة اجتماعية تتعالى فيها الأصوات والتعليقات والضحكات، لكن في عروض كريستوبال كانت هناك فقط همسات ممزوجة برهبة المناسبة والمكان، غالبا صالون مشغله الواقع في 10 من شارع جورج 5 الباريسي الشهير. لم يكن يستجدي ودهن أو يتوسل رضاهن بل العكس تماما كان يبالي فقط بفنه ونظرته للموضة.
كان يتعمد أيضا الاستعانة بعارضات لا يتمتعن بالجمال الكلاسيكي التقليدي الذي كان متعارفا عليه في الخمسينات، وكان في المقابل يختارهن عاديات وناضجات، أحيانا في منتصف العمر مثل زبوناته، اللواتي كان يعرف أنهن لسن صبيات ولا يريدهن أن يتصابين.
كل هذا كان ينعكس على تشكيلاته التي كانت متنوعة تأخذ بعين الاعتبار أن زبونته لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء وبالتالي لم يكن يستثني أي واحدة منهن، ولم يُخف أنه كان يحب أن تتمتع المرأة بكرش بارز بعض الشيء. ولأنه كان يعرف أن المجلات البراقة تميل إلى تصوير عارضات بمقاسات نحيفة، كان يشترط عليها أن تستعمل عارضاته عند تصوير أزيائه. كانت مصورات الموضة يقبلن شرطه على مضض، لكنهن كن يلتقطن صورهن إما من الخلف أو الجانب فقط حتى يموهن على عدم جمالهن. كان في موقف قوي يُخول له فرض شروطه، فالمرأة المقتدرة والمؤثرة على ساحة الموضة كانت تعشق تصاميمه ولا تتصور الموضة من دون قصاته الساحرة، كما أنه لم يكن يهتم بالربح المادي أو يجري وراءه. من هؤلاء الزبونات ستذكر كتب تاريخ الموضة الكونتسة فون بيسمارك التي اشترت في عام 1963 88 قطعة من موسم واحد ثم 140 قطعة أخرى في الموسمين التاليين. كما ستذكر كلوديا هيرد دي أوزبورن التي كانت تحجز جناحا دائما في فندق الريتز بباريس خصصته بالكامل لفساتينها الراقية، وطلبت في وصيتها أن تُدفن بفستان من تصميمه. هذا إلى جانب لائحة طويلة من نجمات هوليوود، من أودري هيبورن إلى أفا غاردنر التي يُعرض لها فستان باللون الوردي في معرض لندن.



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.