مسجد في مصر يحمل اسم مؤسس جماعة الإخوان يثير جدلاً

«الأوقاف» تستبدله بـ«الرحمة» وتحيل مسؤولين بالوزارة للتحقيق

مسجد يحمل اسم مؤسس جماعة الإخوان في دمنهور («الشرق الأوسط»)
مسجد يحمل اسم مؤسس جماعة الإخوان في دمنهور («الشرق الأوسط»)
TT

مسجد في مصر يحمل اسم مؤسس جماعة الإخوان يثير جدلاً

مسجد يحمل اسم مؤسس جماعة الإخوان في دمنهور («الشرق الأوسط»)
مسجد يحمل اسم مؤسس جماعة الإخوان في دمنهور («الشرق الأوسط»)

أثار مسجد في مدينة مصرية يحمل اسم حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، جدلاً في البلاد، بعدما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للمسجد، في حين قامت وزارة الأوقاف بتحويل مسؤولين كبار للتحقيق، وتغيير اسم المسجد إلى «الرحمة».
وأرسل الأهالي من محافظة دمنهور (دلتا مصر) رسالة إلى اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية، بخصوص المسجد الذي يتبع جماعة الإخوان المسلمين ويحمل اسم مؤسسها، وعليه شعار الجماعة «السيفين والمصحف»، ويرتاده يومياً أشخاص بينهم من حكم عليه في قضايا إرهاب وعنف وقتل، وسط غياب من الجهات الرقابية والمسؤولة.
وأوضح الأهالي الذين تداولوا صور المسجد على مواقع التواصل الاجتماعي أن الحي الذي يقع به المسجد يعتبر أحد الأحياء الشهيرة في دمنهور، مؤكدين أن «الإخوان يرتادون هذا المسجد بشكل دائم، ووزارة الأوقاف المسؤولة عن المساجد لا تعرف عنه شيئا».
وتفرض السلطات المصرية رقابة صارمة على جميع المساجد لمنع نشر الفكر المتشدد، وتقول وزارة الأوقاف إنها «تسيطر على جميع المساجد التي كانت تابعة لجماعة الإخوان والجماعات المتشددة»؛ لكن مراقبين أكدوا وجود كثير من المساجد التي ما زال يسيطر عليها الفكر المتشدد، ويعتلي منابرها أئمة متشددون يدعون لممارسة العنف ضد السلطة الحاكمة في البلاد.
وطالب المواطنون بضرورة تدخل الأمن الوطني للمراقبة على مثل هذه التفاصيل والأماكن التي تنشر أفكارا من شأنها تدعيم الأفكار المتطرفة والإرهاب، متسائلين: كيف لم يكتشف هذا الأمر أي من الجهات المسؤولة طوال هذه المدة؛ خاصة أن مقر مديرية الأمن ليس بعيداً عن عزبة سعد التي يقع داخلها المسجد؟!.
وأشار البعض منهم إلى ضرورة ضرب الدولة بيد من حديد على المسؤولين عن هذه الواقعة، متسائلين عن دور وزارة الأوقاف والمحافظة الذين من المفترض أن يتبع لهم المسجد؟!، مضيفين أن «هذا المسجد يرفع شعار الجماعة الإرهابية وليس الجماعة الإسلامية».
من جانبها، أحالت وزارة الأوقاف الشيخ محمد شعلان مدير مديرية أوقاف البحيرة، ومدير إدارة دمنهور شرق، وأحد المفتشين بالمنطقة للتحقيق؛ نظراً للشكاوى التي وردت بشأن عدم اتخاذ اللازم تجاه إحدى الزوايا المخالفة لتعليمات الوزارة بترك مسمى الزاوية تحت اسم «مسجد الإمام حسن البنا».
وتنتشر في ربوع البلاد زوايا ومساجد صغيرة تابعة للمصريين أسفل العقارات وفي الشوارع الضيقة، وهي غير مرخصة، وتتم إقامتها بطرق عشوائية، ومعظم من يخطبون فيها ليس لديهم الخبرة الكافية وغير أزهريين... وهذه الزوايا يعدها المراقبون «مفارخ للإرهاب وفتاوى التكفير».
ولا يوجد حصر رسمي لهذه الزوايا والمساجد الصغيرة؛ لأنه كل يوم يتم بناء مسجد أو زاوية؛ لكن هناك إحصائيات غير رسمية تُقدرها الوزارة بنحو 120 ألف مسجد وزاوية، تخضع بعضها لإشراف الأهالي أو جماعات الإسلام السياسي.
وقالت الأوقاف في بيان لها أمس، إنه تم على الفور نزع اللافتة محل الشكوى وتغيير مسمى الزاوية من مسجد «حسن البنا» إلى زاوية «الرحمة»، وتوجيه إمام دائم، وعامل للزاوية، وإحالة المقصرين في تنفيذ التعليمات بعدم وجود أي لافتات لأي جماعات أو جمعيات على أي مسجد أو زاوية إلى التحقيق.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.