تداعيات أحداث تطاوين

احتجاجات الفقراء في مواجهة «حيتان» التهريب

تداعيات أحداث تطاوين
TT

تداعيات أحداث تطاوين

تداعيات أحداث تطاوين

سمع كثيرون من مثقفي العالم وساسته بمدينة تطاوين التونسية قبل نحو 13 سنة، بعد النجاح الكبير الذي لقيه الشريط السينمائي عن «حرب النجوم»، الذي تحدث عن «كوكب تطاوين». وكانت قد صوّرت 6 من حلقاته في صحراء الجنوب التونسي، معظمها في منطقة الواحات الحدودية التونسية – الجزائرية، في موطن شاعر تونس الكبير أبي القاسم الشابي، بمحافظة توزر. إلا أن محافظة تطاوين التونسية، الواقعة على الحدود التونسية – الليبية، شدت أنظار العالم إليها خلال الأسابيع القليلة الماضية لأسباب مختلفة تماماً، إذ شهدت تحركات احتجاجية شبابية غير مسبوقة تطالب بالحق في التشغيل والتنمية في موقع صحراوي عسكري نفطي يدعى «الكامور»، يبعد عشرات الكيلومترات عن عاصمة المحافظة.
وكان المحتجون ينقلون إليه عبر سيارات وشاحنات تقول مصادر حكومية إنها مؤجرة من قبل مجموعة من كبار المهربين والمورطين في الفساد المالي. ورغم التنازلات الكبيرة التي اتخذتها السلطات لفائدة هذه المحافظة التي تغطي مساحتها ربع مساحة البلاد، ولا تضم أكثر من 150 ألف ساكن، تطورت فيها الاحتجاجات إلى أعمال عنف ومصادمات مع قوات الأمن، ثم إلى حملة اعتقالات غير مسبوقة لمئات من كبار المتهمين بالفساد المالي والسياسي، وبركوب احتجاجات العاطلين عن العمل، من بينهم عدد من أبرز صناع القرار السياسي والاقتصادي في البلاد منذ سنوات.

بدأت تحركات الشباب العاطل عن العمل في محافظة تطاوين الصحراوية الحدودية التونسية مع ليبيا سلمية، وكانت أبرز مطالبها براغماتية، بينها الحق في التشغيل، وفي رصد مبالغ مالية أكبر من قبل الدولة من أجل تنمية مدن المحافظة وقراها وأريافها، حيث استفحل الفقر لأسباب كثيرة، بينها تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في ليبيا. وللعلم، كان جلّ أبناء الجهة يعتمدون طوال عقود على المبادلات التجارية القانونية وغير القانونية مع ليبيا، «الجارة» إلى الشرق.
إلا أن التحركات سرعان ما تطورت إلى اعتصام شبابي في نقطة صحراوية حدودية قاحلة، دعمه آلاف النشطاء في «فيسبوك» وبقية المواقع الاجتماعية. ونجح هؤلاء في إقناع تيار من الإعلاميين وآلاف النشطاء السياسيين والحقوقيين من ميول مختلفة في العاصمة وكامل البلاد بالانحياز إلى مطالبهم التي تصاعدت تدريجياً إلى حد رفع مطالب وصفتها السلطات بالتعجيزية، من بينها تخصيص خمس مداخيل آبار النفط الموجودة في الجهة لمحافظة تطاوين وحدها، وتوظيف 3 آلاف عاطل عن العمل من أبناء الجهة في مؤسسة النفط التي تقول السلطات إن إنتاجها تراجع بنسبة فاقت الـ90 في المائة عما كانت عليه قبل 30 سنة.
وتعقدت أوضاع المحتجين أكثر لما تبنى بعضها قياديون في نقابات العمال وبعض الأحزاب السياسية اليسارية الراديكالية القريبة من «الجبهة الشعبية»، بزعامة حمة الهمامي، ثم حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وقياديون في حركة النهضة الإسلامية، بينهم رئيس الحكومة الأسبق علي العريّض ورئيس مجلس الشورى في الحركة الوزير السابق عبد الكريم الهاروني. وأوشكت تحركات تطاوين أن تصبح خارج السيطرة عندما تعاقبت التظاهرات السياسية والاجتماعية والإعلامية المساندة لها في العاصمة تونس وفي محافظات كثيرة، بينها محافظات سيدي بوزيد والقصرين وقفصة ومدنين وقابس، التي كانت وقود الانتفاضة الاجتماعية في 2010 ومطلع 2011.
وعلى غرار ما جرى في تونس في تحركات اجتماعية احتجاجية شبابية شهدتها البلاد عامي 2014 و2015، تجدد الحديث عن «ثورة ثانية»، وعاد بعض المتظاهرين لرفع شعارات ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، وبينها: الشعب يريد إسقاط النظام، وخبز وحرية وكرامة وطنية، وثورة مستمرة، إلى غير ذلك من الشعارات التي يرفعها خصوصاً النقابيون والطلاب والشباب المحسوب على التيارات اليسارية.
* ازدواجية في المواقف
بعدها، تخوف المراقبون في تونس من مخاطر التصعيد الخطير الذي وصلت إليه الأحداث بعد تفاقم العنف في عدة مدن جنوبية وحدودية مع ليبيا والجزائر، وسط قلق حقيقي من أن يستغل آلاف المسلحين والإرهابيين الفارين من حرب ليبيا الوضع كي يتسللوا إلى تونس. وفي هذا السياق، تحولت مناقشة هذا الملف في البرلمان ووسائل الإعلام إلى مناظرات وتبادل علني للاتهامات بالخيانة الوطنية والضلوع في العنف والإرهاب من جهة، مقابل اتهامات بالضلوع في الفساد والسرقة والرشوة وجهت إلى رموز الائتلاف الحاكم من قبل بعض الحقوقيين والمعارضين، مثل الوزير السابق محمد عبو وزوجته البرلمانية سامية عبو، والأمين العام لحزب الرئيس السابق المرزوقي الوزير السابق عماد الدايمي.
هذا المناخ ورّط كبرى الأحزاب والأطراف السياسية، وبينها قيادات أحزاب الائتلاف الحكومي، مثل النداء والنهضة وآفاق والجمهوري والمسار، في ازدواجية المواقف. وتراوحت تصريحات بعض تلك القيادات بين مساندة ما وصفته بشرعية تحركات الشباب المضربين والمعتصمين في الطرقات المؤدية إلى المدن ومضخة النفط، وانتقاد هجومها على مؤسسات الأمن والإدارة والنفط وحرق مقرات مؤسسات أمنية وإدارية وسيارات تابعة للدولة.
ولعل هذه الازدواجية برزت، خصوصاً، في التصريحات الصادرة عن قيادات حزب النداء، الذي يتزعمه حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وبعض زعامات حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها راشد الغنوشي، ونائب البرلمان التونسي عبد الفتاح مورو. وبرزت التناقضات أكثر بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس التونسي يوم 10 مايو (أيار) الحالي، وأعلن فيه عن تكليف الجيش بحماية المؤسسات الاقتصادية الوطنية، وبينها مضخات النفط ومناجم الفوسفات، إذ رد عدد من الساسة وزعمائها النقابيين بانتقادات لاذعة، واتهموا السلطات بمحاولة عسكرة البلاد، ودفع الأوضاع نحو إلغاء الديمقراطية والتعددية، وتسليمها إلى الجيش.
وكانت المفاجأة أن كان من بين من صدرت عنهم تلك الانتقادات الرئيس السابق المرزوقي ورئيس حكومة النهضة عام 2012 حمادي الجبالي وحقوقيون ونقابيون، بينهم سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل.
* المنعرج الأخطر
هذا الاستقطاب داخل النخب السياسية دفع الأوضاع في محافظة تطاوين وعدد من المحافظات الجنوبية نحو تجاوز كل الخطوط الحمراء، من حيث نوعية العنف المستخدم. وكان المنعرج الأخطر إقدام مجموعة من الشباب المعتصمين على غلق مضخات نفط في محافظتي تطاوين وقبلي، وحرق عدد من المؤسسات الأمنية والإدارية، ما تسبب في مواجهات وأعمال عنف كانت حصيلتها عشرات الجرحى بين الأمنيين والمتظاهرين، ومقتل الشاب أنور سكرافي بعدما دهسته سيارة أمن. ويومها، قالت السلطات إن السيارة كانت تتراجع للفرار من المداهمين الذين أحرقوا سيارات أمن وإسعاف مجاورة لها. كما تسببت تلك التطورات في إيقاف عشرات المشتبه فيهم والمتهمين.
ومن ثم، أعلنت السلطات أن التحقيقات مع الموقوفين في تطاوين والعاصمة وبقية المحافظات «تورّط» مجموعة من المهرّبين و«الحيتان الكبيرة» السياسيين في إشعال فتيل الأحداث، وقالت إن بينهم رجال أعمال وتجاراً يؤثرون في الحياة السياسية وفي توجهات وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية الخاصة منذ سنوات.
* أكبر «بركان سياسي»
وبعد أسابيع من الاتهامات المقنعة التي وجهها الرئيس التونسي قائد السبسي وبعض أعضاء حكومة يوسف الشاهد إلى أطراف يسارية وإلى حزب المرزوقي، وكذلك إلى «المتشددين» الإسلاميين، بركوب الاحتجاجات الشبابية وتأجيج الأحداث، كان «البركان السياسي» الأكبر في تاريخ تونس منذ انهيار حكم زين العابدين بن علي في يناير 2011، إذ تطور نسق الأحداث بسرعة، وعقدت جلسات طارئة في البرلمان والمجلس الأعلى للأمن، وفي مستوى رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة والقيادات المركزية للحزبين الكبيرين النداء والنهضة.
وبدأت إشارات «البركان» بتصريح مثير صدر عن عماد الحمامي، الأمين العام المساعد في حزب النهضة الإسلامي وزير التشغيل المكلف من قبل الحكومة، بالتفاوض مع شباب تطاوين.
الحمامي، الذي عرف بهدوئه المبالغ فيه، وبدوره في تهدئة الأوضاع ميدانياً عبر تصويت وافق فيه 90 في المائة من المعتصمين على وقف التحركات مقابل وعود مالية واجتماعية وسياسية كبيرة قدمتها الحكومة للجهة وشبابها، أطلق نار التهم على حزب المرزوقي وعلى عدد من المهربين ورجال الأعمال الفاسدين.
وتسارع النسق عندما صدرت تصريحات مماثلة عن رئيس الحكومة الأسبق العريّض ووزير الزراعة والقيادي اليساري سمير الطيب، ثم عن نواب وساسة من أحزاب ليبرالية مشاركة في الائتلاف الحاكم.
وفي الوقت نفسه، انطلق مسلسل إيقافات شمل شخصيات مؤثرة في عالمي المال والإعلام، وفي اللعبة السياسية، وعشرات من التجار في «السوق السوداء» وضباط الجمارك الحاليين والسابقين، ومتهمين بامتلاك مخازن للسلع المهربة وبتزعم عصابات «بارونات» التهريب وتبيض الأموال.
وفي وقت قياسي، تغير إيقاع الأحداث في عموم تونس بنسبة 180 درجة، من التحركات الرامية إلى إسقاط «حكومة الوحدة الوطنية» برئاسة يوسف الشاهد، إلى تنظيم تحركات شعبية وحملة إعلامية مساندة لحربها الشاملة ضد الفساد.
ومع حلول شهر رمضان، وموسم الإجازات والمهرجانات الصيفية، وابتعاد التونسيين عن الشؤون السياسية، تكون الحكومة قد ضمنت خروجًا بأقل الأضرار من الأزمة التي فجّرتها احتجاجات الشباب العاطل عن العمل في الجنوب التونسي. وتعود تطاوين مجدداً إلى حجمها الطبيعي، في شكل مدينة سياحية تاريخية صغيرة، بعدما حاول بعض شبابها أن يصنعوا منها عبر «فيسبوك» والمواقع الاجتماعية «كوكباً سياسياً» جديداً يضاهي كوكب تطاوين في فيلم «حرب النجوم» الواسع الانتشار.
* تطاوين: مهمشون على ربع مساحة تونس
مدينة تطاوين، في الجنوب التونسي، هي عاصمة محافظة تطاوين الصحراوية التي تجمعها حدود مشتركة مع غرب ليبيا وشرق الجزائر، وهي أكبر محافظات تونس مساحة، إذ تمثل نحو ربع مساحة البلاد، وتمتد على نحو 40 ألف كلم مربع، على الرغم من أن تعداد سكانها يحوم حول 150 ألف نسمة فقط.
معيشياً، يعتمد أبناء هذه المحافظة، على غرار نسبة كبيرة من سكان الجنوب التونسي عامة والجنوب الشرقي خاصة، على عائدات العمالة التونسية في أوروبا، وخصوصاً في فرنسا وليبيا، والمبادلات التجارية القانونية وغير القانونية مع ليبيا. وللعلم، تنتمي معظم عائلات المحافظة وقبائلها إلى القبائل والعائلات المنتشرة في غرب ليبيا نفسها، خصوصاً في الجبال الصحراوية الليبية الممتدة إلى سلسلة جبال مطماطة في محافظة قابس التونسية، على مسافة 400 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس.
وتعتبر محافظة تطاوين منذ عشرات السنين أهم مركز لمضخات النفط، وموطناً رئيساً للسياحة الصحراوية والثقافية. كما تعد السلسلة الجبلية المعروفة باسم جبال الضاهر من أهم المشاهد الطبيعية في تطاوين وعموم الجنوب الشرقي التونسي. ولقد كانت تلك الجبال مخبأ رئيسياً للثوار الوطنيين التونسيين والليبيين ضد الاستعمارين الفرنسي والإيطالي بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن نحو نصف أراضي محافظة تطاوين صحراوية قاحلة، تعاني مثل غالبية جهات الجنوب التونسي من نقص فادح في الأمطار والموارد المائية السطحية ومراعي الأغنام.
* قرارات بالجملة لفائدة المحافظة
أعلنت رئاسة الحكومة التونسية عن حزمة من الإجراءات، نصت على أكثر من 60 قراراً لفائدة محافظة تطاوين، على هامش زيارة عمل أداها إليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد رفقة عدد من الوزراء ورجال الأعمال والبرلمانيين، منها:
- الإعلان عن تمويل 453 مشروعاً (223 عن طريق البنك التونسي للتضامن ومؤسسات التمويل الصغير وبنك المؤسسات الصغرى والمتوسطة، و40 مشروعاً فلاحياً و190 مشروعاً عن طريق الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل).
- الإعلان عن 350 وظيفة في إطار عقد الكرامة (حصة تطاوين 1042).
- تأسيس لجنة بإشراف وزارة التكوين المهني والتشغيل تتولى إسناد البطاقة المتعلقة بالتشغيل في الصحراء.
- الانتداب الفوري لـ500 عون بشركة البيئة والبستنة.
- تمويل 670 مشروعاً صغيراً في إطار المسؤولية المجتمعية للمؤسسات.
- تمويل 150 مشروعاً في إطار التمكين الاقتصادي للمرأة قبل نهاية 2017.
- إحداث مركب للتشغيل والعمل المستقل سنة 2018.
- انطلاق أشغال إعادة تهيئة المناطق السقوية بمعتمديات رمادة والبئر الأحمر وغمراسن والذهيبة سنة 2018.
- انطلاق أشغال حماية مدينة تطاوين من خطر الفيضانات.
- إحداث مناطق سقوية جديدة بمعتمديات غمراسن ورمادة والبئر الأحمر.
- انطلاق أشغال تعزيز وتجديد قنوات جلب المياه بالجنوب الشرقي في نهاية 2017.
- انطلاق تدعيم التزويد بالماء الصالح للشراب بمنطقة تلالت من معتمدية تطاوين الشمالية والمناطق العليا من مدينة غمراسن ومنطقة قصر الحدادة من معتمدية غمراسن سبتمبر (أيلول) 2017، بكلفة 0.72 م.د.
- فتح مطار رمادة العسكري للطائرات المدنية، وذلك قبل 25 مايو 2018.
- الانطلاق في بناء ورشة جهوية لصيانة الحافلات سنة 2018.
- انطلاق الأشغال المتعلقة بوصلة الربط بين تطاوين والطريق السيارة أ1 بولايتي مدنين وتطاوين، وذلك بداية سنة 2018.
- انطلاق أشغال تهذيب الطريق الجهوية رقم 111 بين الصمار وحدود ولاية مدنين بطول 23 كلم.
- انطلاق أشغال بناء جسر على وادي تلالت بالطريق الوطنية رقم 19 في يوليو (تموز) 2017.
- انطلاق أشغال تدعيم الطريق الجهوية رقم 115 الرابطة بين منطقة واد الغار وحدود ولاية مدنين بطول 26 كلم.
- انطلاق أشغال تعصير وتدعيم الطرقات داخل المناطق البلدية بكل من بلدية تطاوين وبلدية غمراسن وبلدية الصمار في يونيو (حزيران) 2017.
- الانطلاق في تهذيب حي وسط المدينة ببلدية رمادة (طرقات - تنوير عمومي - ماء صالح للشراب).
- انطلاق أشغال تأهيل وتوسعة وتجهيز المستشفى الجهوي بتطاوين (عيادات خارجية، والاستعجالي، ومبيت للأطباء، وقطب جامعي إقليمي في طب النساء والأطفال، وإحداث صيدلية) سنة 2018.
- إحداث وحدة طب استعجالي بالمركز الوسيط ببني مهيرة نهاية 2017.
- انطلاق أشغال إحداث مركز تكوين في الطاقة والمواد الإنشائية في سبتمبر المقبل.
- إحداث المنطقة الصناعية ببونمشة بولاية تطاوين تمتد على 50 هكتاراً، وانطلاق الأشغال في مايو 2018.
- إحداث مسلخ بلدي سنة 2018.
- انتهاء أشغال توسيع وإعادة تهيئة محطة التطهير لمدينتي تطاوين وغمراسن قبل نهاية 2017.
- انتهاء أشغال تطهير 3 أحياء شعبية بتطاوين أبريل 2018.
- انطلاق توسيع شبكة التطهير بمدينة تطاوين قبل نهاية 2017.
- إعادة بناء دار الثقافة برمادة سنة 2018.
- إحداث متحف للتراث الثقافي والطبيعي بتطاوين سنة 2018.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.