لبنان متفائل بموسم سياحي حافل

أقام منتدى لتحفيز السياح شاركت فيه 45 دولة

قاعة «بول روم» في فندق «لو رويال» تعج بزوار «فيزيت ليبانون» من 45 بلداً
قاعة «بول روم» في فندق «لو رويال» تعج بزوار «فيزيت ليبانون» من 45 بلداً
TT

لبنان متفائل بموسم سياحي حافل

قاعة «بول روم» في فندق «لو رويال» تعج بزوار «فيزيت ليبانون» من 45 بلداً
قاعة «بول روم» في فندق «لو رويال» تعج بزوار «فيزيت ليبانون» من 45 بلداً

مساهمة منها في تلميع صورة لبنان السياحية، انطلقت أمس، أعمال منتدى «فيزيت ليبانون» الذي دعت إليه وزارة السياحة. ويهدف هذا المنتدى الذي يعد الأول من نوعه في لبنان، إلى تعزيز القطاع السياحي، من خلال استقدام شركات سياحة وسفر، ومنظمي رحلات أجانب وعرب لبوا دعوة الوزارة للتعرف إلى لبنان عن كثب، من أجل تذليل الفكرة الخاطئة الرائجة عنه من ناحية، وللمساهمة فعليا في تحريك العجلة السياحية بينها وبين بلد الأرز من ناحية ثانية.
فعلى مدى يومين كاملين (25 و26 مايو (أيار) الحالي) تحول فندق «لو رويال» في منطقة ضبية (مكان انعقاد المؤتمر) إلى خلية نحل، بعد أن شهد اجتماعات متتالية (كل 20 دقيقة)، لأكثر من 150 شركة سياحية جاءت من 45 بلدا أجنبيا وعربيا، لتقف على أهم الخدمات السياحية التي يمكنهم أن يجدونها في لبنان؛ فتفيدهم في تنظيم رحلات سياحية إليه. فكما فرنسا، وهولندا، وأوكرانيا، واليونان، وإسبانيا، وألمانيا، وأميركا اللاتينية، والصين، واليابان، وغيرها من الدول الأجنبية، كذلك كان هناك حضور لافت لدول عربية عدة كمصر، والسعودية، والأردن، ودولة الإمارات العربية، وغيرها.
«لم أتردد في المجيء إلى لبنان تلبية لدعوة وزارة السياحة، ومن أجل تعزيز وتكثيف رحلات السفر بين بلدينا»، تقول ليما، مندوبة وكالة سياحة وسفر في هولندا، وتتابع: «سأنصح الزبائن بزيارة مغارة جعيتا ومدينة جبيل الأثرية، فهما من دون شك من المواقع السياحية المهمة في لبنان».
أما أوكسانا، مندوبة إحدى وكالات السفر في أوكرانيا، فقالت، إنها استمتعت كثيرا في رحلتها إلى لبنان، بحيث تعرفت إلى وجهة سفر جديدة «ستنصح بها زبائنها في بلدها من دون شك». وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «سمعنا الكثير عن لبنان، ونحن متحمسون لفتح آفاق سياحية جديدة بيننا وبينكم، سنلمس ثمار نجاحها قريبا».
جلس مندوبو 60 شركة محلية يمثلون أصحاب الفنادق والمنتجعات السياحية ووكالات السفر، ومنظمو المهرجانات وغيرها من المؤسسات العاملة في القطاع الخدماتي في لبنان، حول طاولات وزعت على طول مساحة قاعة «بول روم» في فندق «لو رويال»، يشرحون لزبائنهم الأجانب والعرب، عن الخدمات التي في استطاعتهم توفيرها لهم، وكذلك حدثوهم عن مواقعه ومعالمه الأثرية، وأيضا عن بيوت الضيافة والفنادق والشواطئ فيه. كما أسهبوا في الشرح عن المطبخ اللبناني الذي يحتل مراكز عالمية بمذاق أطباقه المتنوعة، كاشفين لهم في المقابل عن أعداد المطاعم الأجنبية المتوافرة في لبنان التي ستجعل السياح من أي بلد كانوا، لا يفتقدون مذاق طعامهم الأصلي في حال شعروا بالحنين إليه خلال رحلتهم. وسيصل عدد هذه اللقاءات في ختام المؤتمر إلى 2351 لقاءً. وفي ذلك، وتقول مارينال نعمة، مندوبة أحد الفنادق اللبنانية: «هي بالتأكيد تفاصيل صغيرة، ولكنها مهمة بالنسبة لسائح يقصد لبنان لأول مرة».
ومن مصر كان لنا هذا اللقاء مع معتز صدي، صاحب إحدى وكالات السفر، والذي وصف المؤتمر بالأكثر تنظيما على الإطلاق نسبة إلى غيره من المؤتمرات التي حضرها في أوروبا، وقال: «أي برنامج سياحي نروج له في مصر تتضاعف مبيعاته لمجرد ذكر لبنان فيه. هو سوق محبوبة جدا من قبل المصريين عبر الزمن ويقصدونه من أجل التسوق والتمتع بسهراته المتنوعة. أما ما نحتاج إليه بالفعل فهو تسيير رحلات طيران خاصة (غير منتظمة) من نوع (شارتر) فتساهم في تكثيف عدد الرحلات إلى لبنان، وتلبي رغبة عدد أكبر من السياح المصريين». وختم: «نتائج المؤتمر ستلمسونها في لبنان هذا الصيف؛ إذ بدأنا في التحضير لرحلات إضافية من مصر».
شركة «غلوب نت» لصاحبها نديم جورج فريحة، أخذت على عاتقها تنظيم نشاطات المنتدى، فهي صاحبة الفكرة الأساسية لإقامته في لبنان، وقد سبق وتعاونت مع 30 وزارة سياحة في العالم، من خلال تنظيم مشروعات مشابهة لها. وكرمت في المناسبة وزير السياحة أفيديس كيدانيان من خلال تقديمها جائزة تقديرية له، على جهوده في هذا المجال، وذلك بالتعاون مع مختلف المسؤولين في القطاع السياحي في لبنان. كما اهتمت بكل شاردة وواردة من شأنها تسهيل اجتماعات العملاء الأجانب مع نظرائهم في لبنان، وأدرجت على برنامج المؤتمر يومين سياحيين بامتياز، للعملاء الأجانب الذين لبوا دعوة وزارة السياحة، بحيث يجولون خلالها على مناطق الشوف والأرز وجبيل وعمشيت والبترون والبقاع؛ للوقوف على مواقعها الأثرية والسياحية معا.
ويعلق نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار اشقر قائلا: «في الماضي كانت تصرف ميزانيات ضخمة تتخطى مليون دولار مخصصة للترويج عن لبنان إن من خلال محطات تلفزيونية أجنبية (سي إن إن)، أو إقليمية (إم بي سي)، واليوم ارتأينا أن نأتي بالناس إلى لبنان ليروا عن كثب إمكانات البلد الذي لطالما أدهش الوافدين إليه من خلال منتدى (فيزيت ليبانون)».
وأشار ماجد السهل، مدير إحدى شركات السياحة والسفر في السعودية، بحديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن لبنان شكل وجهة سياحية محبوبة بالنسبة لأهل السعودية، إلا أن الفكرة الخاطئة الرائجة عنه اليوم، تسببت في تقليص نسبة أعدادهم. وتابع: «لقد اهتممت كثيرا بتلبية دعوة وزارة السياحة اللبنانية وحضور مؤتمر (فيزيت ليبانون)؛ كوني أعرف لبنان عن كثب، وأكثر ما هو في حاجة إليه السعوديون من أجل العودة إلى لبنان اليوم، هو وجود الثقة التي كانت تدفعهم في الماضي لزيارته بانتظام». وختم كلامه: «نحن متفائلون كثيرا بموسم هذا الصيف، وأعتقد أن هذا المؤتمر سيساهم في رفع نسبة الوافدين من السعودية لتصل إلى نحو 30 في المائة بعدما كانت بالكاد تصل إلى 10 في المائة فقط في الفترة الأخيرة».
من جهته، أشار وزير السياحة أفيديس كيدانيان في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن من شأن هذا الحدث أن يزود لبنان بالثقة الكاملة من قبل المجتمع الدولي السياحي. وقال: «عندما نلمس كل هذا الإقبال من مؤسساتهم السياحية التي وصل عددها إلى 150 شركة من أصل 1000، أبدوا رغبتهم في المجيء، نصبح على يقين بأن بلدنا يشكل مصدر اهتمام سياحي لهم. فعدم التخوف من المجيء إلى لبنان كان هاجسنا الأساسي من هذا المؤتمر الذي - برأيي - سيعطي نتائج فورية على الأرض، وقد بدأنا نلمسها من خلال اتفاقيات ثنائية تجري بين شركات سياحية محلية وأخرى أجنبية. وأضاف: «لقد فتحنا أبوابنا نحو بلدان من الشرق الأقصى كالهند، وأخرى من جنوب أفريقيا نعول عليها آمالا كثيرة، وأعتقد أن النتائج الإيجابية الفعلية للمؤتمر سنشهدها في الموسم المقبل؛ كون الدول الأوروبية بشكل عام تحتاج إلى وقت أطول من تلك العربية التي تعرفنا لتنفيذ مشروعاتها المستقبلية». وأضاف: «لقد تبنيت هذه الفكرة التي اقترحتها علي شركة (غلوب نت)، من دون تردد لأنها برأيي تشكل أهم مبادرة من شأنها أن تدعم القطاع السياحي في لبنان. ففي العام الماضي استقبل لبنان مليونا و622 ألف وافد إليه، وأتصور أن هذا العام ستزداد هذه النسبة لتلامس المليونين».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)