«العفو الدولية»: الجيش النيجيري تبلغ مسبقا بخطف التلميذات لكنه لم يتحرك

وصول خبراء أميركيين وبريطانيين للبحث عن المخطوفات.. والإنتربول يعرض المساعدة

طلاب من «جامعة إيبادان» يتظاهرون احتجاجاً على فشل الحكومة في تحرير الفتيات المخطوفات أمس (ا.ب.ا)
طلاب من «جامعة إيبادان» يتظاهرون احتجاجاً على فشل الحكومة في تحرير الفتيات المخطوفات أمس (ا.ب.ا)
TT

«العفو الدولية»: الجيش النيجيري تبلغ مسبقا بخطف التلميذات لكنه لم يتحرك

طلاب من «جامعة إيبادان» يتظاهرون احتجاجاً على فشل الحكومة في تحرير الفتيات المخطوفات أمس (ا.ب.ا)
طلاب من «جامعة إيبادان» يتظاهرون احتجاجاً على فشل الحكومة في تحرير الفتيات المخطوفات أمس (ا.ب.ا)

وصل خبراء أميركيون وبريطانيون إلى نيجيريا أمس للمشاركة في البحث عن الفتيات اللاتي خطفتهن جماعة «بوكو حرام» المتشددة الشهر الماضي، بينما أعلنت منظمة العفو الدولية، أن الجيش النيجيري تبلغ مسبقا بهجوم الجماعة الذي أدى إلى خطف الفتيات، إلا أنه لم يتحرك بشكل فوري لمنع ذلك.
وقالت المتحدثة باسم السفارة الأميركية لدى نيجيريا روندا فيرغوسون أغوستس، إن الفريق الأميركي «وصل وبات في نيجيريا»، دون أن تحدد مكان وجوده. وكان مسؤولون أميركيون أعلنوا أن واشنطن سترسل فريقا عسكريا يضم عشرة عسكريين وخبراء من وزارتي الخارجية والعدل وعناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي). كما أعلنت وزارة الخارجية البريطانية في بيان، أن «فريقا من الخبراء البريطانيين سيقدم المشورة والمساعدة إلى السلطات النيجيرية لمواجهة خطف أكثر من 200 تلميذة وصل هذا الصباح إلى أبوجا». ويضم الفريق البريطاني دبلوماسيين وخبراء من وزارة الدفاع. وأضاف البيان، أن الفريق «لن يأخذ في الاعتبار الحوادث الأخيرة فحسب، بل أيضا الحلول من أجل مكافحة الإرهاب على المدى البعيد لمنع حصول هذه الهجمات في المستقبل وللتغلب على (بوكو حرام)». كذلك، قالت وكالة الشرطة الدولية (إنتربول) أمس، إنها مستعدة لتوفير أي دعم ضروري للبحث عن الفتيات. وكانت الصين وفرنسا عرضتا أيضا تقديم المساعدة عبر تقاسم المعلومات التي تجمعها أجهزة الاستخبارات والأقمار الصناعية، وإرسال متخصصين.
وكرر رئيس نيجيريا غودلاك جوناثان أمام «المنتدى الاقتصادي العالمي» المنعقد في أبوجا أمس، أن بلاده «ملتزمة بالكامل إعادة الفتيات إلى منازلهن».
يذكر أن جماعة «بوكو حرام» التي يتزعمها أبو بكر محمد شيكو خطفت التلميذات يوم 14 أبريل (نيسان) الماضي من مدرسة داخلية في بلدة شيبوك التابعة لولاية بورنو في شمال شرقي البلاد. وتعرضت السلطات النيجيرية إلى انتقادات شديدة حول طريقة تعاملها مع حادثة الخطف في البداية، خصوصا أن رئيس الدولة تناول بالكاد الحادث بعد أيام على وقوعه. وكان الاستنفار العالمي الذي عكسته شبكات التواصل الاجتماعي، وعبر عنه مشاهير مثل السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما والممثلة السينمائية الأميركية أنجلينا جولي، هو الذي دفع المسؤولين النيجيريين إلى التعهد ببذل قصارى جهدهم للعثور على التلميذات. وتوجه المستشار الخاص للشؤون الأمنية سامبو داسوكي ومحمد أبو بكر قائد الشرطة النيجيرية سويا أول من أمس إلى شيبوك لتأكيد حرص السلطات على العثور على التلميذات المخطوفات.
وذكرت «منظمة العفو الدولية» أمس، أن قوات الأمن النيجيرية تلقت تحذيرا بشأن الهجوم قبل وقوعه بأكثر من أربع ساعات، لكنها فشلت في إيقافه. وقال نتسانت بيلاي، مدير مكتب قسم الأبحاث الأفريقية في منظمة العفو الدولية: «إن ما حدث يرقى لكونه إهمالا جسيما بواجب نيجيريا نحو حماية المدنيين، الذين يقفون عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم في مواجهة مثل هذه الهجمات».
وكانت طريقة إعلان زعيم «بوكو حرام»، عبر شريط فيديو بث الأسبوع الماضي، عن وقوف جماعته وراء خطف التلميذات وعزمها «بيعهن في الأسواق وتزويجهن بالقوة»، هي التي أثارت قلقا عالميا واسعا. ويرى النيجيريون، أن هذا الشريط الجديد يعكس صورة المتشدد الذي نسبت إليه سلسلة هجمات دامية منذ أن خلف محمد يوسف على رأس هذه «بوكو حرام» بعد أن أعدمته الشرطة النيجيرية عام 2009. وقالت: «مجموعة الأزمات الدولية» في تقرير أخير «مع شيكو على رأس بوكو حرام أصبحت الحركة أكثر عنفا وفتكا وتدميرا».
وأفادت تقارير بأن شيكو عنيف ومتطرف فعلا إلى درجة أن بعض حلفائه الإسلاميين السابقين فضلوا قطع الجسور معه. ووفقا لوزارة العدل الأميركية فإن شيكو ولد إما في عام 1965 أو 1969 أو 1975 في قرية من المزارعين ومربي المواشي قرب الحدود مع النيجر في ولاية يوبي (شمال شرق)، وأنه درس الفقه لدى أئمة محليين في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو المجاورة. وفي تلك الحقبة تعرف على الداعية محمد يوسف مؤسس «بوكو حرام» قبل أكثر من عشر سنوات.
وقرر شيكو الانتماء إلى الحركة التي أطلقها يوسف وجذبت الشباب العاطلين عن العمل في مايدوغوري متهما القيم الغربية التي أتت مع الاستعمار البريطاني بأنها مسؤولة عن المشكلات في نيجيريا مثل الفساد المتفشي والفقر المدقع في صفوف السكان. وتعني كلمة بوكو حرام «التربية الغربية حرام»، لكن الحركة تفضل استخدام اسم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد».
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها، أن «بوكو حرام» كانت في عهد مؤسسها محمد يوسف، حركة عنيفة تركز خصوصا على تطبيق الشريعة في شمال نيجيريا، حيث غالبية السكان من المسلمين. ويقول خبراء إنه مع وصول شيكو على رأس الحركة، ازدادت الهجمات المتكررة ضد المدنيين والمسيحيين والمسلمين مما جعل الجميع ينسون خطابات يوسف ضد النظام النيجيري «الفاسد». وقبل مقتل يوسف كان شيكو يتهمه بأنه «معتدل أكثر من اللازم» وفقا لـ«مجموعة الأزمات الدولية».
ومع الاعتداء على مقر الأمم المتحدة في أبوجا في أغسطس (آب) 2011 الذي أوقع 23 قتيلا، انتقلت «بوكو حرام» إلى تنفيذ عمليات نوعية مما أشاع مخاوف من إلحاق الحركة بمجموعة جهادية على المستوى العالمي. ويعتقد البعض أن كوادر «بوكو حرام» تلقوا تدريبات في الخارج، لكن هذا الأمر لم يتسن التأكد منه بعد. وتدرج الولايات المتحدة شيكو ضمن قائمتها السوداء ورصدت مكافأة قيمتها سبعة ملايين دولار لمن يقدم معلومات تؤدي إلى القبض عليه. وأعلنت قوات الأمن النيجيرية مرتين مقتل شيكو قبل أن يظهر مجددا في أشرطة فيديو. وفي هذه الأشرطة المصورة يبدو شيكو غاضبا ويهدد باستمرار باستهداف مواقع نيجيرية وينفذ لاحقا تهديداته. وفي بعض الأحيان يبدو شيكو، وكأنه منفصل عن الواقع، إذ هدد بقتل مسؤولين مشهورين عالميا توفوا منذ زمن مثل رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر أو البابا الراحل يوحنا بولس الثاني.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.