لا تقدم في «جنيف 6»... وترحيل خلافات المعارضة السورية إلى الرياض

«الهيئة العليا»: الإنجاز الوحيد كان في المحافظة على استمرار المفاوضات

رئيس وفد المعارضة السورية نصر الحريري يتحدث إلى المراسلين في جنيف أمس (رويترز)
رئيس وفد المعارضة السورية نصر الحريري يتحدث إلى المراسلين في جنيف أمس (رويترز)
TT

لا تقدم في «جنيف 6»... وترحيل خلافات المعارضة السورية إلى الرياض

رئيس وفد المعارضة السورية نصر الحريري يتحدث إلى المراسلين في جنيف أمس (رويترز)
رئيس وفد المعارضة السورية نصر الحريري يتحدث إلى المراسلين في جنيف أمس (رويترز)

كما كان متوقعاً، لم تخرج اجتماعات اليوم الأخير من مفاوضات جنيف 6 بأي جديد، باستثناء المحافظة على استمرار مسارها في ظل محاولات إنهائها لصالح «مؤتمر آستانة». ومن جهة ثانية، سجّل في اليوم الرابع والأخير عودة الفصائل إلى صفوف الهيئة العليا للمفاوضات بعدما كانت قد أعلنت تعليق مشاركتها لأسباب مرتبطة بـ«عدم وضوح الرؤية الاستراتيجية» للهيئة، على أن تعقد اجتماعات بين الطرفين في العاصمة السعودية الرياض لاحقاً لحل الخلافات، وفق تصريح مصادر في «الهيئة العليا» لـ«الشرق الأوسط».
كان من المفترض أن تركز جولة المفاوضات هذه على عناوين أربعة جرى تحديدها خلال الجولة الرابعة في فبراير (شباط) الماضي وهي: نظام الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب. إلا أن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بدا أكثر تركيزا على القضايا المتعلقة بالدستور عبر عقد اجتماعات الخبراء في القضايا القانونية والدستورية. بالتالي، طرح ما عرف بـ«الآلية التشاورية» التي عاد وتراجع عنها بعدما لم تلق تجاوبا من طرفي المعارضة والنظام.
وفي حين رأت المعارضة أن الإنجاز الوحيد للمفاوضات تمثّل بالمحافظة على مسار جنيف، بحسب ما عبّر كل من المتحدث باسم الهيئة رياض نعسان آغا والعميد فاتح حسون، وضع مصدر دبلوماسي غربي مبادرة الأمم المتحدة بشأن الاجتماعات الدستورية في إطار الجهود «للدخول في العمق». إذ صرح هذا المصدر لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) بأن «الأمر متعلق بسعي المبعوث الدولي لإبقاء عملية جنيف حية وذات فائدة»، موضحا: «شكلت محادثات آستانة محور الاهتمام أخيراً، ولكن في الحقيقة هنا (في جنيف) يبقى المسرح الرئيسي لحل النزاع السوري».
وحول خلافات المعارضة قالت مصادر سياسية في «الهيئة» لـ«الشرق الأوسط» إن الخلاف مع الفصائل «ليس جوهرياً إنما كان نتيجة تفرّد بعض الشخصيات السياسية في بحث الآلية التشاورية التي طرحها دي ميستورا من دون العودة إلى الفصائل، نظرا لضيق الوقت بعدما كانت عرضت عليهم صباحا وطلب منهم الردّ عليها مساء». إلا أن مصادر عسكرية في الفصائل نفت هذا الأمر، قائلة لـ«الشرق الأوسط» «هناك أسباب عدّة نفضل عدم التكلم بها في الإعلام وسنعمل على تذليلها في اجتماعات الرياض».
وكانت الفصائل قد قالت إن أسباب تعليق مشاركتها كانت بسبب «عدم وجود مرجعية والتخبط في اتخاذ القرار، والعلاقة بين الهيئة العليا للمفاوضات والوفد التفاوضي (التي) لا تصب في مصلحة الثورة». وبعد ظهر أمس: «شارك كل أعضاء وفد (الهيئة) من السياسيين والفصائل في الجلسة الختامية مع دي ميستورا لاستكمال النقاش حول الانتقال السياسي ورؤية المعارضة للهيئة الحاكمة الانتقالية»، بحسب ما أعلنت «الهيئة».
وفيما يتعلق بالنظام، قال بشار الجعفري، رئيس وفد النظام إلى إن «الجولة الحالية لم تتطرق إلى أي من السلال الأربع المدرجة على جدول الأعمال، وتم خلالها فقط موضوع رئيسي واحد هو اجتماعات الخبراء. عقد اجتماع واحد للخبراء أمس بين خبرائنا وخبراء المبعوث الخاص، وهذه هي النتيجة الوحيدة التي خرجنا بها في هذه الجولة». وحول تحديد سقف زمني لاجتماعات الخبراء وعما إذا كانت ستستمر خارج نطاق اجتماعات جنيف، أشار الجعفري إلى «إن هذه اللقاءات على مستوى الخبراء جزء من عملية جنيف ككل، ستجري هذه الاجتماعات الفنية خلال الجولات وليس بين الجولات أو بعدها».
في المقابل، أوضح حسون لـ«الشرق الأوسط» أنه «إضافة إلى تقديم المذكرات المتعلقة بامتلاك النظام للسلاح الكيماوي والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الطائفية وعمليات التغيير الديموغرافي الذي يقوم بها النظام والتهجير القسري وملف المعتقلين، يمكن القول إن الإنجاز الوحيد في هذه الجولة هو المحافظة على مسار جنيف وعدم إنهائه لصالح آستانة، وهو المسار الذي يفضله النظام السوري وداعموه».
أما رياض نعسان آغا المتحدث باسم الهيئة، فوصف الجولة السادسة من جنيف بأنها «محاولة لملء الوقت والفراغ الحاصل نتيجة تمسّك كل طرف بموقفه، وعدم قبول النظام ببحث الانتقال السياسي، في وقت لا تزال فيه الدور الأميركي شبه غائب عن الأزمة السورية. بينما ظهرت محاولة الالتفاف على هذا الأمر عبر طرح ما أسماها دي ميستورا بـ«الآلية التشاورية».».. ورغم تأكيد آغا أن اللقاء الذي جمع ممثلين من الهيئة مع نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف اتّسم بالمكاشفة والمصارحة، قال: «لكن يبدو واضحا أن الروس متمسكون بموقفهم الداعم للنظام السوري، ويحاولون التقليل من أهمية مفاوضات جنيف عبر تلميحه بأنها لن تحقّق شيئا، في وقت نجحت آستانة في إحراز خرق خاصة في اتفاق وقف إطلاق النار»، واستطرد نعسان آغا «وهذا ما لم ولن نقبل به، لأن آستانة قد تكون لفك الحصار عن المناطق ورسم خرائط ووقف النار إنما ليس للحل السياسي ومستقبل سوريا».
كذلك، قال عبد الأحد اسطيفو، عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» و«الهيئة العليا» إن «نتائج الجولة الحالية لم تكن مرضية، ولم تجب عن الأسئلة التي وضعت حول توقيت الجولة ومدتها القصيرة، وتلك النتائج أثبتت للمرة السادسة أن سياسة النظام لم تتغير، واستمر في التسويف والمماطلة وعدم الجدية». وأكد: «إن الحل السياسي يجب أن يكون عبر مسار جنيف، بينما يبقى مسار آستانة ملتزماً بمهامه وهي وقف إطلاق النار وتثبيته وحل كامل القضايا الإنسانية». ثم أضاف: «المفاوضات في جنيف مبنية على أساس قرارات دولية خاصة بالشأن السوري، وهذا ما يؤدي إلى أن مخرجات تلك المفاوضات ستعطيها الشرعية الدولية».
ووصف اسطيفو مقترح دي ميستورا حول «الآلية التشاورية» بأنه «كان مرتجلا ومعقدا، وأدخلنا بمتاهات بعيدة عن العملية السياسية المطلوبة». وحول الدور الروسي في المفاوضات قال: «إن موسكو تمادت بدعمها لنظام الأسد، وذهبت بعيداً بتحالفها مع إيران». وتوقع أنها الآن تعيد حساباتها بخصوص تحالفاتها وسياساتها، قائلا: «ما قد تحصل عليه موسكو من خلال استغلالها للورقة السورية اليوم، لن تحصل عليه غداً»، ورأى «إن الميليشيات الإيرانية العابرة للحدود لعبت الدور الأكبر في نشر الإرهاب في المنطقة».
على صعيد آخر، على هامش اجتماعات جنيف 6. التقى رئيس «الائتلاف» رياض سيف وعضوا الهيئة السياسية هادي البحرة وحواس خليل، المبعوث الأميركي مايكل راتني.
وطالب سيف الجانب الأميركي «بالضغط على روسيا من أجل دعم العملية التفاوضية نحو الأمام للوصول إلى حل سياسي وفق القرارات الدولية، وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية لا دور فيها لبشار الأسد». كذلك دعا سيف واشنطن إلى دعم الحكومة السورية المؤقتة وطواقمها العاملة في المناطق المحررة، وذلك بهدف تقديم الخدمات للسكان وتحسين ظروفهم المعيشية.
وقدم رئيس «الائتلاف» شرحاً للخطة الرئاسية للمرحلة القادمة، وخطة إصلاح «الائتلاف» ليتمكن من الارتقاء بعمله ولعب دور أكبر في الدفاع عن الثورة السورية وحق الشعب السوري في نيل الحرية والكرامة. ومن جانبه أكّد راتني أنهم مهتمون بالعملية السياسية وداعمون لها، وشدد على ضرورة الوصول إلى الحل السياسي الذي يعطي الشعب السوري حقوقه وكرامته.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.