بارون المخدرات الكولومبي إسكوبار لا يزال ينعش السياحة في ميديلين

رغم مرور نحو ربع قرن على مقتله

اسكوبار
اسكوبار
TT

بارون المخدرات الكولومبي إسكوبار لا يزال ينعش السياحة في ميديلين

اسكوبار
اسكوبار

بعد أن عانت طويلاً من أعمال العنف، عادت مدينة ميديلين، ثاني أكبر مدن كولومبيا، إلى الحياة من جديد، مع تراجع معدلات القتل، وأنعشت خطط الحكومة الجديدة الأمل في المستقبل.
ولكن بينما تكافح المدينة الكولومبية لتجاوز الإرث المظلم لبارون المخدرات بابلو إسكوبار، تجد أفواج السياح ما تنفك تتدفق على زيارة قبره.
ويمسح فيديريكو أرولاف (68 عاماً) بلاطات الفسيفساء ذات اللونين الأسود والأبيض المحيطة بقبر اسكوبار.
واستمر في الاعتناء بالقبر منذ أن قتل اسكوبار، إمبراطور الكوكايين الأعتى في العالم، في ديسمبر (كانون الأول) عام 1993. ويدفع تكاليف الاعتناء بالقبر بوباي، الذراع اليمنى لإسكوبار، وهو قاتل محترف قتل بنفسه ما لا يقل عن 250 شخصاً لصالح إسكوبار، لكنه أصبح الآن حراً طليقاً بعد أن قضى 23 عاماً في السجن، ويأمل أن يصبح عضواً في مجلس الشيوخ العام المقبل.
ويقول أرولاف عن إسكوبار: «لقد بنى المنازل، وكان يرسل شحنات الحليب إلى أحياء الفقراء كل أسبوع، وهناك كثيرون لا يزالوا يأسفون لوفاته».
ويمكن للمرء أن يلمس هنا جو معين من التوقير والمهابة لباترون، الذي خاض مع طاقم من نحو ألفي شخص حرباً بسبب المخدرات راح ضحيتها عشرات الآلاف.
ويأتي السياح إلى هنا لالتقاط الصور. ويعد قبر إسكوبار من مقومات الجذب السياحي في مدينة ميديلين، وليس فقط منذ أصدرت شركة «نيتفليكس» مسلسل الجريمة الأميركي «ناركوس»، الذي يصور حياة إسكوبار.
ويمكنك شراء أكواب القهوة المرسوم عليها صورة زفاف إسكوبار في الحي المغلق (الغيتو) الذي قام بتمويله، والذي لا يزال يحمل اسمه. وأخيراً، قام مغني الراب الأميركي ويز خليفة، بتدخين سيجارة مخدرات في القبر لإظهار التقدير لإسكوبار، ونشر الصور على الإنترنت. وقد أدى ذلك إلى غضب عمدة ميديلين، فيديريكو غوتيريز.
وقال غوتيريز: «إن هذا الرجل لم يعانِ قطّ من أعمال العنف التي ارتكبها تجار المخدرات»، مضيفاً أنه كان يتعين على خليفة جلب الزهور للضحايا بدلاً من ذلك.
وبعد بضعة أيام، أعلن غوتيريز أن شهر مارس (آذار) شهد أقل عدد من جرائم القتل منذ 38 عاماً. وقال إنه يرى أن ذلك هو انعكاس لمدينة ميديلين الجديدة، حتى ولو كان لا يزال هناك الكثير للقيام به.
وفي مجلس المدينة، تظهر «جائزة» مدينة العام 2013 داخل صندوق زجاجي. وقد تم بناء السيارات الكهربائية التي تعمل بالكابلات المعلقة والسلالم المتحركة للربط بين المناطق الفقيرة ووسائل المواصلات بشكل أفضل، كما أن هناك كذلك شبكة للمترو، على عكس العاصمة بوغوتا.
وهناك استثمارات ضخمة في المكتبات والأماكن العامة، التي كانت مسرحاً للمعارك بالأسلحة النارية، ويمكن للمقيمين الآن الاستمتاع بمعارض التصوير التي تقام في الهواء الطلق أو الأعمال الفنية الضخمة للنحات فرناندو بوتيرو. ويدور كل شيء هنا حول روح المجتمع، ودمج الفقراء وملاعب كرة القدم والمنح الدراسية. وتتوفر خدمة الإنترنت المجانية في كل مكان تقريباً، وكذلك يوجد نظام تأجير الدراجات.
ويتعلق الأمر ببناء الجسور لأولئك الذين أهملوا طويلاً، بدلاً من ترك الأحياء الفقيرة لأجهزتهم الخاصة، لتظل بؤر للعنف وتجارة المخدرات، كما هو الحال في مدن أميركا اللاتينية الأخرى. وعلاوة على ذلك فإن مدينة ميديلين تجني أموالاً مقابل تصدير هذا النموذج.
وتساعد مؤسسة التنمية العمرانية في المدينة، دولة باراغواي الآن على دمج أحيائها الفقيرة وذلك لقاء مبلغ 400 ألف دولار. والأمور أبعد ما تكون عن الكمال؛ فبطالة الشباب مرتفعة، ولا يزال معدل البطالة الإجمالي يزيد على 10 في المائة. بيد أن «عاصمة القتل» السابقة باتت تسجل الآن نحو 350 جريمة قتل «فقط» سنويّاً، أي ما يعادل 20 حالة في كل 100 ألف من السكان. وفي عام 1991، بلغ عدد حالات القتل 2737 جريمة، أي ما يعادل 266 حالة لكل 100 ألف من السكان.
وهناك صالات عرض لسيارات «بورش»، ومعارض وحانات عصرية، والكثير من النشاط والحيوية - وهي علامات تشير إلى أن كولومبيا قد تركت الحرب خلف ظهرها. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد السائحين في البلاد ارتفاعاً حادا ليصل إلى نحو 5 ملايين سائح في عام2016، وتقضي تدابير جديدة في المدينة الآن بدعم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والبغايا السابقات، والأطفال المشردين، وضحايا الصراع بصفة خاصة.
وما يعنيه هذا «الإدماج الاجتماعي» عملياً، يصبح واضحاً عند التحدث إلى ماريسول مارتينيز، القادمة من حي كومونا 13 الفقير، الذي كان يعاني من جرائم القتل كل يوم. وتبيع مارتينيز عصائر الفاكهة اللذيذة من كشك في مجلس مدينة ميديلين. وقد تخصصت مع زملائها الثمانية في العمل في عصير المانجو والأناناس والعنب والسرسوب.
وتمول المدينة دورات تدريبية في مسك الدفاتر وإدارة الأعمال التجارية الصغيرة لمشاريع من هذا القبيل. وتقول مارتينيز: «هنا، يمكننا تعزيز منتجاتنا ونقوم بعمليات بيع جيدة للغاية... والأمور تتحسن شيئاً فشيئاً». وهي تحب الإبداع والثقافة والمشهد الأدبي الناشئ. ولكن على عكس كثير من السياح الأجانب الذين يقصدون ميديلين، لا تريد مارتينيز أن تعيش في حقبة إسكوبار. وتوجد هناك مسحة من الفخر والاعتزاز بالنفس في صوتها، فخر بميديلين الجديدة، التي تريد أن تنسى أخيراً سيدها الراحل الأكثر شهرة في عالم المخدرات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».