آمنة الحمادي... فنانة كاريكاتير تحلم بالعالمية

أول إماراتية تتخصص في الرسومات السياسية

من أعمال آمنة الحمادي
من أعمال آمنة الحمادي
TT

آمنة الحمادي... فنانة كاريكاتير تحلم بالعالمية

من أعمال آمنة الحمادي
من أعمال آمنة الحمادي

رسومات إبداعية تقف وراءها ريشة ذكية، خطوط جريئة تعبر عن أفكار متجددة... هذا ما يُمكن أن توصَف به لوحات فنانة الكاريكاتير الإماراتية آمنة الحمادي، أول رسامة للكاريكاتير السياسي في دولة الإمارات، وواحدة من القلائل الذين تركوا بصمة في هذا الفن بدول الخليج، كما أنّها إحدى المبدعات في عالم الكاريكاتير ورسوم الأطفال.
«العالم بعيون مختلفة»، هذا هو الشعار الذي تعمل به الحمادي، ولأجله تسخِّر فنها لخدمة قضايا وطنها، وتعبر ريشتها عن هموم الوطن العربي الكبير، خصوصاً ما يتعرض له من موجات إرهاب ومؤامرات تهدد استقراره.
وأخيراً، حلّت الفنانة الإماراتية بصفتها ضيفة شرف على الملتقى الدولي الرابع للكاريكاتير الذي يُعقَد حالياً في القاهرة، ونالت تكريماً من الجمعية المصرية للكاريكاتير التي احتفت بها وبمشوارها الحافل بالنجاح، لا سيما أن الملتقى اختار موضوعه هذا العام عن المرأة، كونه يعقد في عام المرأة المصرية.
على هامش التكريم، قالت الحمادي لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التكريم وسام على صدري، فالملتقى اختار (تيمة المرأة) هذه الدورة تكريما لدورها، كما يُعقَد في عام المرأة المصرية، وتكريمي في ظل هذا الاحتفاء هو تقدير كبير لأعمالي، ومن الرائع المشاركة وسط كوكبة من الفنانين تصل لقرابة 300 فنان من 64 بلداً عربياً وأجنبياً، كما أن اختيار رسمتي (تقدير العالم للمرأة) من اللجان المنظمة لفعاليات الملتقى لتكون قلادة تكريم للدول المشاركة، هو بمثابة تكريم آخر لي ولأعمالي».
وعن تخصصها في الكاريكاتير ذي النكهة السياسية، قالت: «أحب الفكرة السياسية، وكل رسام له رؤية وموقف يجد نفسه في التعبير عنها، والأحداث الأخيرة في وطننا العربي، خصوصاً الإرهاب والأخبار المغلوطة والأكاذيب، تُحمِّلني كرّسامة مسؤولية ودوراً في هذه المرحلة، لمعالجة هذه الأفكار وإبراز الجانب الإيجابي والفكر الصحيح لمن لا يرى الصورة الواضحة، كما أنّني أحمل على عاتقي توضيح صورة الإمارات وتوجهاتها».
ترى الحمادي أنّ التجارب الفنية لفنانات الكاريكاتير العربيات ناجحة، وفي ذلك تقول: «رسمت الفنانة العربية قضيتها بنجاح، وهناك تفوق نسائي في هذا المجال، والتجارب في فلسطين والبحرين ومصر تؤكد على ذلك، فهناك الفنانة الفلسطينية أميّة جحا، والسعودية منال الرسيني، والمصرية دعاء العدل»، وتستطرد: «أرى المرأة العربية دائماً رمز القوة، حيث أثبتت وجودها كجزء من التنمية في مجتمعاتنا، وهذه الأسماء وغيرهن من الفنانات تحدين الظروف المحيطة بهن، وأثبتن أنفسهن بقوة، وكل واحدة منهن لها لون وشخصية مختلفة وفكر مميز استطعن التعبير عنه من خلال رسوماتهن».
تؤمن الفنانة الإماراتية أن الكاريكاتير إحدى أذرع القوة الناعمة، من خلال قدرته على توضيح الحقائق للرأي العام، أو إبراز الصورة الصحيحة في المجتمع، أو التنفيس عن هموم المواطن.
وتتابع: «لأني أومن بقدرة الكاريكاتير وتوظيفه لخدمة فئات بعينها، فقد ابتكرت الشخصية الكرتونية (أمونة المزيونة)، التي أخاطب بها الأطفال، وهي ببساطة شخصية إماراتية تعبر عن العادات والتقاليد المحلية، وتحاول تعليمها للأطفال».
وتكشف عن تفكيرها الحالي في ابتكار شخصية أخرى تعبر بها عن قضايا الوطن العربي، على غرار شخصية «حنظلة» لرسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، لتعبر من خلالها عن أفكارها والقضايا العربية.
تحرص الحمادي على المشاركة في كثير من معارض الفنون المحلية والعربية والعالمية، وعن ذلك تقول: «المشاركات في المعارض مفيدة جداً، فهي تضيف لأي فنان، فقد ألتقي مع أفكار مختلفة، وأكتسب مهارات من غيري، وأكشف الجديد في الفن التشكيلي، وأتعرف على مدارس جديدة فيه، إلى جانب عرض أفكاري وأسلوبي، ولقاء الجمهور بشكل مباشر والاستماع لآرائه».
بجانب المعارض الفنية، تعرض فنانة الكاريكاتير إبداعها بشكل دائم على مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى نوعيات مختلفة من الجمهور، إلا أن ذلك عرّضها لمضايقات، وعن هذا الأمر تقول: «لأنني أتخصص في الكاريكاتير السياسي، فهناك أعمال لا تُرضي بعض الفئات والجماعات التي أنتقدها، وسبق أن تعرضت في موقع (تويتر) للهجة حادة من أحد الأفراد، لأنني انتقدت جماعته، كما تلقيتُ كلمات نقد وتهديد على أعمال أخرى، ولكنني لا ألتفت لذلك، فأنا أعتبره نوعاً من النجاح، وأي مبدع ناجح يتعرض لمثل تلك المضايقات».
أمّا عن الجوائز والتكريمات التي حصلت عليها، فتقول: «أعتز بتكريم مهرجان (أم الإمارات) لي في العام الماضي، وهو تكريم أعتز به جداً، فهو قدوتي لأنه أكثر من يشجّع الفتاة على خوض المجلات جميعها، كما حصلت على جائزة تريم عمران فئة الكاريكاتير الصحافي، وهي جائزة عريقة، كما أعتبر جميع مشاركاتي المحلية والخارجية بمثابة تكريم كبير لي».
وتختتم فنانة الإمارات حديثها بالإشارة إلى طموحها الفني قائلة: «أتمنى أن أكون ريشة إماراتية عالمية، أرسم نهج بلادي الذي أعشقه وأمثله، وأن أعبر عن قضايا المرأة العربية بالخطوط والألوان».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».