خبراء يروجون لمواقع أثرية إسلامية في أفريقيا

بينها مدينة تمبكتو الموضوعة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي

أضرحة تمبكتو التاريخيّة
أضرحة تمبكتو التاريخيّة
TT

خبراء يروجون لمواقع أثرية إسلامية في أفريقيا

أضرحة تمبكتو التاريخيّة
أضرحة تمبكتو التاريخيّة

للمساعدة في الترويج للمواقع الإسلامية في القارة، اجتمعت نخبة من خبراء الآثار في العاصمة البحرينية المنامة لبحث كيفية استخدام دراساتهم للآثار الأفريقية.
وعُقد مؤتمر الآثار الإسلامية من منظور عالمي، في المنامة على أمل إلقاء الضوء على الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه الآثار في مناطق شاسعة بأفريقيا. وأحد هذه المواقع هو فولوبيليس في المغرب وهو موقع هام يرجع تاريخه للإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث قبل الميلاد. وورد أن هذا الموقع من أثرى المواقع الأثرية في شمال أفريقيا حالياً، ويؤشر لوجود عدة حضارات من العصر المسيحي وحتى الحقبة الإسلامية.
وقال كورسيان فنويك المحاضر في آثار منطقة البحر المتوسط: «في المغرب على سبيل المثال لدينا في موقع فولوبيليس، وهو موقع شهير مسجل في قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي، دليل رائع على التحول في النظام الغذائي والتحول في ممارسات الدفن وفي استخدام أنواع جديدة من الصحون وعادات الطهي التي ترجع كلها للقرن الثامن». وأضاف: «بالتالي فإن هذه الآثار تشير إلى أن الإسلام انتشر في هذه المنطقة، على الأقل، في وقت مبكر. والآن ليس هذا هو الحال في كل مكان بأفريقيا». وبينما تقود مصر طفرة سياحة المواقع الأثرية، فإن الأمل معقود على أن تتمكن مواقع كثيرة بها آثار إسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، من الاستفادة من إمكانياتها السياحية. وفي مالي يعتبر الجامع الكبير في جينيه الذي ضمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) لقائمة مواقع التراث العالمي في 1988 من مواقع الجذب الكبيرة.
ويرى كثير من المهندسين المعماريين هذا الجامع المبني من الطوب اللبن من أعظم الإنجازات في المنطقة. وقد بُني في منطقة الساحل والصحراء إبان التوسع الإسلامي في القرن الرابع عشر.
وتضم بلدة جينيه القديمة أربعة مواقع أثرية وما يقرب من ألفي منزل واجهاتها المزخرفة سليمة منذ القرن الثالث قبل الميلاد. وهذه البنايات من بين أشهر المباني في مالي التي تضم أيضاً مدينة تمبكتو الأثرية. وتمبكتو أيضاً من مواقع التراث العالمي لليونيسكو وهي تشتهر بالمخطوطات التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر كما تُعرف أيضاً بهندستها المعمارية القديمة.
وأعرب أثريون عن اعتقادهم أنّه ما لم تُتخذ خطوات معينة للحفاظ على هذه المواقع التراثية فإن أفريقيا قد تفقد أجزاء هامة من تاريخها.
وقال بنيامين كانكبينغ أستاذ الآثار في جامعة غانا، إنّه لا تزال هناك كثير من المواقع المعمارية الأثرية في أفريقيا لم تحظ بعد بالاهتمام الذي تستحقه.
وأضاف: «لدينا أيضاً أسلوب جامع جينيه في ويانجا بمنطقة الشرق الأعلى...». وفي أنحاء القارة وعلى طول ساحل شرق أفريقيا كانت المدينة الحجرية، وهي المنطقة القديمة في مدينة زنجبار الرئيسية مركزاً تجارياً كبيراً بين دول آسيا وأفريقيا.
وتجذب زنجبار المشهورة بمبانيها التاريخية وشواطئها ذات الرمال البيضاء، مئات الآلاف من الزوار سنوياً.
ويجادل بعض الدارسين بأنّ المدن الحجرية أو الصخرية القديمة تستأثر باهتمام السياح من دون غيرها من المناطق الأخرى الكثيرة التي تستحق الاهتمام.
وقال أثري متخصص في منطقة ساحل شرق أفريقيا ويدعى توم فيتون: «تركز معظم السياحة الأثرية هذه الأيام على مدن صخرية معينة. لكن ولأنّها مدن صخرية معينة يعود تاريخها لفترة محددة تُترك المواقع الأخرى بلا اهتمام. تُترك القرى المشابهة الأصغر كمن دون أي اهتمام».
ولا تزال الكثير من الكنوز الأثرية في أفريقيا من دون استفادة من إمكاناتها السياحية حتى الآن. لكن، ومع بدء حملة الترويج هذه للمواقع الأثرة الإسلامية في أفريقيا، يأمل الخبراء في لفت أنظار مزيد من السياح للقارة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».