جولة في مكتبة ماريو فارغاس يوسا

تحوي أوراقاً من كبار الشخصيات الأدبية في أميركا اللاتينية

الكاتب ماريو فارغاس يوسا
الكاتب ماريو فارغاس يوسا
TT

جولة في مكتبة ماريو فارغاس يوسا

الكاتب ماريو فارغاس يوسا
الكاتب ماريو فارغاس يوسا

كل شيء في مدينة أريكيبا التي تعتبر ثاني أهم مدينة في البيرو، يذكر الزوار بابنها المؤلف البار، ماريو فارغاس يوسا (خورخي ماريو بيدرو فارغاس يوسا)، الذي يعتبر واحدا من أكبر الكتاب في كل العصور وحازت أعماله على الشهرة وإعجاب القراء من جميع أنحاء العالم. وهو الذي نال جائزة «نوبل للأدب» في عام 2010 لأعماله الأدبية الجميلة والعميقة والزاخرة.
يمثل الكاتب والروائي والصحافي البيروفي ماريو فارغاس يوسا البالغ من العمر 81 سنة، الكثير بالنسبة لبلاده ولمسقط رأسه وللثقافة الأيبيرية الأميركية بشكل عام، ففي هذه المدينة يوجد متحف ومسرح ومكتبتان تحملان اسمه. ولا يُعتبر هذا الاهتمام فضلا من المدينة وأهلها على الكاتب، وهو الذي ألف أكثر من 45 عملا أدبيا أغلبها روايات ومقالات. ومن أبرز أعماله الأدبية: «ميعاد البطل»، و«عيد الماعز».
تعتبر المكتبة من أشهر الأماكن في المدينة، افتُتحت في مارس (آذار) من عام 2011، وتحتوي على مجموعاتها الخاصة من الكتب التي تتألف من 15 ألف مجلد، وهناك كتب الخيال، والعلوم الاجتماعية، والتاريخ، والفنون، والسينما، والشعر، والمسرح، والمقالات، والدين، ومجلات الأدب في أميركا اللاتينية، كما أوضح المدير الإقليمي للمكتبة ماريو روميل مابل لمراسل صحيفة «الشرق الأوسط».
وللمكتبة التي احتلّت منزلا كبيرا يعود للحقبة الاستعمارية، تاريخ أدبي خاص. ويقال إن الشاعر بينيتو بونيفاز الذي تعود أعماله الشعرية الأولى إلى عام 1889 كان يعيش في هذا المنزل الحجري الذي خضع في الوقت الحاضر، للتحديث والصيانة بشكل ممتاز، وصار على استعداد للترحيب بالقراء والزوار الذين يأتون من مدن البيرو الأخرى ومن حول العالم، باحثين عن الإلهام من ماريو فارغاس يوسا.
ومن الكنوز الأدبية المحفوظة بين جدران هذه المكتبة الخاصة، هناك قطع ورقية من كبار الشخصيات في المحيط الأدبي بأميركا اللاتينية تحمل إهداء لفارغاس يوسا، مثل الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، والشاعر التشيلي الشهير بابلو نيرودا، والمكسيكيان كارلوس فيونتيز وأوكتافيو باز، وتعتبر مقتنيات خاصة للغاية ولا تقدر بثمن.
يقول آرسي إن «القطع الأثرية في المكتبة الشخصية هي ما نعتبرها التراث المرجعي، نظرا لأنّها ترجع إلى أحد الحائزين على جائزة (نوبل في الأدب). والكتب التي تضمها مجموعته الخاصة تحمل ملاحظاته التي تعكس حكمه الشخصي على أحد القراء فيما يتعلق بعمل من الأعمال».
ولقد زار الكاتب الإنجليزي جيرارد مارتن الذي يكتب السيرة الذاتية للأديب البيروفي، المكتبة في عام 2015 وكان مذهولا لدى رؤيته لهدية كان قد منحها له قبل عدة أعوام، وهي عبارة عن كتاب بعنوان «رجال الذرة» من تأليف ميغيل أستورياس الذي يحمل كثيرا من الملاحظات الشخصية من أسلوب فارغاس.
ولقد زار ماريو فارغاس يوسا مكتبته الخاصة عدة مرات منذ افتتاحها. وكانت المرة الأخيرة قبل بضعة أسابيع. وتجوّل في كل شبر فيها بإحساس تغمره السعادة ويرتسم على ملامح وجهه، كان الرجل مفعما بحب غامر للكتب التي تجسد عالمه الخاص.
في هذه المكتبة لا تُرتّب الكتب بطريقة تقليدية وفق المجالات والموضوعات والترتيب الأبجدي المعتاد، كما أنّها لا ترصّ على الرفوف الخشبية طولا وعرضا، بل تعتبر بوابة مثيرة لعالم أحد المفكرين المعاصرين الكبار والمعروفين على مستوى العالم. لست بحاجة لأن تكون من محبي قراءة روايات ماريو فارغاس يوسا لتسعد لدى زيارتك المكتبة، يكفي أن تكون عاشقا للقراءة لتعشق المكان وتمضي أوقات ممتعة فيه. وخلال الأيام المقبلة، ستزداد محتويات المكتبة، فسيرسل المؤلف مزيدا من الكتب. ويوضح آرسي أن المكتبة هي «أهم مركز ثقافي في مدينة أريكيبا، وهو الذي يجعل منها العاصمة الثقافية في البيرو».
ومن خلال تبرعاته بالكتب، يكون غرض ماريو فارغاس يوسا هو تعزيز وتنمية عادة القراءة الثرية في مدينة أريكيبا الاستوائية التي تشرق أشعة الشمس الزاهية فيها كل يوم. ولهذا الغرض تحديدا هناك غرف متعددة للقراءة تضم الكراسي من الجلد المريح، للبحث والانتقال بين مختلف الأعمال المفضلة للمؤلف.
وتحقيقاً للهدف الأساسي وهو تعزيز القراءة في البيرو من وجهة نظر أحد أعظم الأدباء، تشرف المكتبة على تنظيم مختلف الفعاليات الثقافية، مثل القراءة العامة في شوارع وميادين مدينة أريكيبا. كما تنظّم المسابقات الشعرية وتمنح النصائح لمختلف الطلاب.
ويتذكّر الذين حالفهم الحظ لرؤية الروائي الكبير ماريو فارغاس يوسا خلال زياراته إلى المكتبة، عاطفته الجياشة للمكان وأهله. وبطبيعة الحال، فإن كتبه تعد من أعظم الكنوز ومكتبته من أرقى التحيات لأعماله ورمزا باقيا للمدينة الجميلة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».