نابلس وهوليوود وأخيراً لندن تتابع بزوغ نجم الفلسطيني عمر كمال

يقدم حفلاً غنائياً في العاصمة البريطانية على أنغام فرانك سيناترا ومايكل جاكسون

عمر كمال - في إحدى حفلاته (موقع عمر كمال)
عمر كمال - في إحدى حفلاته (موقع عمر كمال)
TT

نابلس وهوليوود وأخيراً لندن تتابع بزوغ نجم الفلسطيني عمر كمال

عمر كمال - في إحدى حفلاته (موقع عمر كمال)
عمر كمال - في إحدى حفلاته (موقع عمر كمال)

بصوت عريض وكأنه قطعة من المخمل الفاخر، يدخل صوت المغني الشاب عمر كمال القلوب، ولا شك أن اختياره لأغنيات عالمية رومانسية تضافرت مع الصوت العذب وطلة وسيمة لتمنح المغني الفلسطيني الصاعد هالة خاصة به، وأيضاً لقب «فرانك سيناترا فلسطين». اللقب يحمله عمر كمال بفخر، فهو من محبي المغني العالمي فرانك سيناترا واشتهر بتقديمه لأغنياته الشهيرة، وتعلق به منذ أن كان صبياً يعزف البيانو في مدينة نابلس حيث نشأ وما زال يقيم. مدينة نابلس أيضاً شهدت أولى حفلات عمر كمال التي مثلت الانطلاقة الحقيقية له في عالم الغناء.
دخول المغني الشاب لعالم الفن بدأ من طفولته وحبه للموسيقى التي رأى فيها «مهرباً» من الواقع، ومارسها بحب، حتى التحق بفرقة غنائية في الجامعة أثناء دراسته الهندسة بمدينة كارديف البريطانية. وبدأت الأضواء تجد طريقها للفتى الفلسطيني ذي الصوت الرخيم، ومن خلال حفلات أقامها في مدينته نابلس وفي رام الله لفت انتباه شركة «سوني ميدل إيست» العالمية التي أنتجت له أول ألبوم خاص به بعنوان «سيرينايد» الذي صدر في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. سجل كمال الألبوم في استديوهات «كابيتول» بهوليوود، وهي الاستديوهات نفسها التي سُجلت فيها ألبومات سيناترا، وقيل له إن الميكروفون الذي استخدمه سيناترا هو نفسه الذي غنى فيه كمال، وكأن فرانك سيناترا كما رعى بداياته بارك ألبومه الأول. شارك في ألبوم الفنان كمال أسماء لامعة مثل عازف الغيتار تيم بيرس، الذي عمل مع الفنان الراحل مايكل جاكسون في ألبومه «Dangerous»، والمنتج الكندي الحائز على جائزة «غرامي» ديف بيرس، والمنتجين الشهيرين بوب روك وآل شميت الحائز على 23 جائزة غرامي.
على الموقع الخاص بعمر كمال نجد شهادات من فنانين عالميين أمثال كوينسي جونز والمنتج ديف بيرس، كلها تشيد بالصوت العذب والطبقات والمساحة العريضة والرقي الذي يميز أداءه.
التقيت عمر كمال بلندن في غرفة التجارة العربية البريطانية، حيث كان نجم مؤتمر صحافي للإعلان عن حفل غنائي له يوم 15 مايو (أيار) الحالي بفندق كادوغان بلندن.
بداية أسأله إن كان راضياً عن لقب «فرانك سيناترا فلسطين»، وأستطرد موضحة: «لا تسئ فهمي فأنا أحب أغنيات سيناترا، ولكن ألا تعتقد أن لقباً مثل هذا يحدد موهبتك، خاصة أنك ما زلت في بداية حياتك الفنية؟ يجيبني: «أولاً هذا سؤال صعب»، ولكنه يضيف: «أن يربط الناس بيني وبين فنان بقامة فرانك سيناترا أمر مختلف عن مثل أن يرتبط اسمي بفنان معاصر وما زال يغني، فرانك سيناترا يمثل توجهاً ومسار غناء بالنسبة لي، ولا أنوي أن أستمر هكذا، مثل هذه الأمور تأخذ وقتاً طويلاً. وإذا مرت 10 أعوام ووجدتِ الناس يصرون على «فرانك سيناترا فلسطين» فستعرفين بأني لم أنجح في صنع شيء خاص بي. وحتى ذلك الوقت يجب علي أن أستفيد من الفرصة التي منحت لي ليسمعني الناس، وهي فرصة لا يجدها كثير من الفنانين. إنها فرصة ذهبية، لا يعني ذلك أنني لم أسمع لسيناترا وتعلمت منه، كل فنان له فنان مفضل تعلم منه، قد يكون عبد الوهاب أو عبد الحليم أو فيروز. في حالتي أنا كان فرانك سيناترا». على ذكر فيروز يتبادر لذهني تساؤل: قمت بغناء (لبيروت) للسيدة فيروز قبل ذلك، ألم تفكر في ضم بعض الأغنيات العربية لألبومك الأول؟
يقول عمر كمال: «الألبوم منتج من قبل منتج كندي، كان أمراً غير عملي أن نضم أغنيات عربية، ولا يمنع ذلك أن أفعل مستقبلاً، في حفلي القادم بلندن سأقوم بأداء أغنيات عربية إلى جانب أغنياتي بالإنجليزية، وهناك أكثر من مفاجأة للجمهور أيضاً». يضيف: «ستري في الحفل أن هناك تنوعاً في الألوان التي أقوم بأدائها، سترين لمحات من سيناترا في أدائي ولكن هناك غيره أيضاً».
الغناء باللغة الإنجليزية رغم وجود جمهور لك ألا يمثل حاجزاً أمامك لتصل لجمهور أوسع؟ يجيب: «بالفعل هو كذلك، ولا أريد أن يظل كذلك، لهذا أحاول أن أصل لجمهور أكبر، فالتحدي الأكبر أمام أي فنان هو أن يفعل ما يحب ويبرع فيه، وفي الوقت نفسه يلبي رغبات جمهوره. قد يفضل الفنان مجالاً معيناً يجد نفسه فيه، ولكن ذلك لا يجب أن يمنعه من مخاطبة جمهور متنوع وأوسع».
كمال يحب سيناترا ومايكل جاكسون وفيروز وعبد الوهاب وأيضاً حكيم، وهي ألوان مختلفة عن بعضها، وتمثل تنوعا مدهشا وأطيافا مختلفة في الغناء، بالنسبة له كل مغنٍ له شخصية وأداء خاص به «فالسيدة فيروز لديها أسلوب أداء رصين وراقٍ، وهناك من يغني مثل المغني حكيم بشخصية مختلفة تماماً... بالنسبة لي أراه يماثل شخصية المغني العالمي جيمس براون في نسخته العربية».
الغناء الذي بدأ كـ«مهرب» من الواقع في حياة الطفل عمر كمال تحول إلى مهنة وشغف يمارسها ويسافر بها ليلتقي بها جماهير مختلفة: «إنها نقلة لعالم آخر، تحولت إلى مهنة ورسالة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».