ماكرون يحكم بحبّ ولوبان ترقص الروك

لمسات معلمة المسرح واضحة على إخراج مشهد الفوز

ماكرون مع زوجته على المسرح (إ.ب.أ)  -  فرنسية تلبس قناعاً لمارين وهي ترقص (أ.ف.ب)
ماكرون مع زوجته على المسرح (إ.ب.أ) - فرنسية تلبس قناعاً لمارين وهي ترقص (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يحكم بحبّ ولوبان ترقص الروك

ماكرون مع زوجته على المسرح (إ.ب.أ)  -  فرنسية تلبس قناعاً لمارين وهي ترقص (أ.ف.ب)
ماكرون مع زوجته على المسرح (إ.ب.أ) - فرنسية تلبس قناعاً لمارين وهي ترقص (أ.ف.ب)

لم تصرخ مارين لوبان، عقب هزيمتها، بأن نتائج الانتخابات الفرنسية مزورة. بل أخذت هاتفها واتصلت بغريمها الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون وتمنت له حظاً سعيداً. بعد ذلك ذهبت إلى القاعة التي تجمع فيها أنصارها ورقصت الروك آند رول بخفة، بينما كان ملايين الفرنسيين يتابعون الإخراج المبهر لإطلالة المرشح الفائز على أنصاره بعد إعلان النتيجة.
كان واضحاً أن ماكنة إعلامية ضخمة رتبت لذلك الظهور الذي اختار متحف اللوفر إطاراً له. ولم تغب بصمة بريجيت ماكرون، المعلمة التي منحت تلميذها المتفوق إيمانويل أدواره الأولى على المسرح المدرسي، حيث جاء ظهور الرئيس الجديد مدروساً ومحملاً بالمعاني، سواء من حيث الشكل أو الخطاب، أو الموسيقى المصاحبة.
من العمق المظلم، ليلاً، لمبنى اللوفر، قصر ملوك فرنسا السابقين الذي شيده فريق من خمسة مهندسين برئاسة ريمون دومينيك تومبل، وجرى تدشينه عام 1893. ظهر ماكرون ماشيا بقامته الطويلة النحيلة، مرتدياً سترة طويلة تصل حتى الركبتين مثل زي فرسان العصور الوسطى، نحو أضواء مسرح منصوب أمام الهرم الزجاجي في الساحة التي تحمل اسم الإمبراطور نابليون. ومع تقدمه نحو الضوء كان ظله يظهر عملاقاً على جدران المتحف التاريخي العريق. واستغرقت مسيرة رئيس حركة «سائراً» أربع دقائق كاملة أمام كاميرات متمركزة مسبقاً في مواقع استراتيجية، وعلى موسيقى «نشيد البهجة» الشهيرة عالمياً.
كتب الشاعر الألماني شيلر قصيدة «أنشودة البهجة» عام 1785 التي استلهمها الموسيقار الألماني بيتهوفن، فيما بعد، في خاتمة الحركة الرابعة والأخيرة من سيمفونيته التاسعة. وتتميز المعزوفة بأجواء الفرح والسرور، لتصبح النشيد الرسمي للاتحاد الأوروبي الذي خاض ماكرون معركته الانتخابية تحت شعار بقاء فرنسا ضمن نسيجه. وقد ترجمت الصحافة العربية اسم حركة ماكرون، بتصرف، ليصبح «إلى الأمام». وجاءت مسيرة ماكرون لتعيد إلى أذهان الفرنسيين مسيرة مشابهة قام بها الرئيس الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران بعد فوزه التاريخي عام 1981 منطلقاً من جادة واسعة في الحي اللاتيني نحو مقبرة عظماء فرنسا في «البانتيون» ليضع وردة حمراء على أضرحة ثلاثة من أبطال المقاومة في الحرب العالمية الثانية.
«سأحكم فرنسا بحبّ»، هذه أكثر العبارات أناقة في خطاب الرئيس الصاعد بسرعة الضوء من المجهولية إلى منصة الحكم والشهرة. ووعد بأن يتعامل مع جميع الاتجاهات. ولما أتى على ذكر غريمته مارين لوبان، رئيسة حزب الجبهة الوطنية، تعالى صفير الاستنكار من أنصاره، فأسكتهم ووجه لها التحية، قائلاً إنه يتفهم الملايين العشرة التي صوتت لها لأنهم مواطنون ناقمون على الوضع السياسي وهو سيعمل على احتواء نقمتهم فلا يتوجهون نحو التطرف.
وحال انتهاء الخطاب، التحقت بريجيت ماكرون وبعض أولادها وأحفادها من زواج أول، ووقفت بجانب زوجها الرئيس الذي لم تنجب له ولداً، وأمسكت بيده ثم رفعتها إلى فمها في قبلة وجيزة. كما التحق بهم بعض الأنصار الذين تم اختيارهم من ذوي الأصوات القوية، ليغني الجميع «المارسييز»، النشيد الوطني لفرنسا، ومن ورائهم تنعكس الأضواء على زجاج هرم «اللوفر»، التحفة المعمارية التي صممها الصيني آي إن بي، بناء على طلب من الرئيس ميتران، وأزيح عنها الستار في 1989.
اختار أصغر رؤساء الجمهوريات في التاريخ الفرنسي منذ نابليون، أن تكون ملامحه صارمة وصوته قوياً دالاً على العزيمة. وهو أيضاً أصغر من زوجته التي رسمت، بدأب، طوال ربع قرن، ملامح شاب لم يكن يرتضي سوى دور البطل في المسرحيات المدرسية، حتى لحظة جلوسه على كرسي الحكم في «الإليزيه».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».