قراءة في مخطوط «لمحات من تاريخ الملك عبد العزيز» لعبد الله بن خميس

حالت ظروف المؤرخ الصحية دون طبعه وكشف عنه بعد 6 سنوات من وفاته

عبد الله بن خميس  -  صورة المخطوط
عبد الله بن خميس - صورة المخطوط
TT

قراءة في مخطوط «لمحات من تاريخ الملك عبد العزيز» لعبد الله بن خميس

عبد الله بن خميس  -  صورة المخطوط
عبد الله بن خميس - صورة المخطوط

كان المظنون منذ توفي الملك عبد العزيز عام 1953 أن العلّامة عبد الله بن خميس - المولود عام 1919 والمتوفّى عام 2011 وهو من أبرز الرموز الثقافيّة السعودية في القرن الماضي ومطلع القرن الحالي - لم يُؤلّف في التاريخ السياسي للسعودية وفي سيرة مؤسسها، خاصة أنه تطرّق في جهوده العلمية والتأليفية إلى مجموعة المعارف والآداب والبحوث الجغرافية والتاريخية والأثرية والاجتماعية للجزيرة العربيّة، وخصّ وسطها (إقليم اليمامة) بكثير من الكتب والدراسات المعمّقة، وعاصر شطراً مهمّاً من حياة الملك وفترة حكمه التي دامت نحو 54 عاماً، وكان قريباً من محيطه، وأمضى جلّ سنوات عمره في العاصمة الرياض معاصراً للأحداث، وامتدت عقوداً مكّنته من معايشة التحوّلات التي مرّت بها البلاد في عهده، من شظف العيش والجهل والشتات، إلى الوحدة ورغد الحياة وتطوّر التعليم وانتشاره.
إِلَا أنه تبيّن عند الاقتراب من تراث الشيخ ابن خميس - وبعد التعمّق والبحث فيما تركه من إرث مخطوط ومن بحوث ودراسات لم تُجمع - أنه قد عُني عناية تامة بسيرة الملك المؤسس، من منظور تاريخي، إِلَا أنه لم يتمكّن من إظهاره في حياته، ومما يميّز ما يصدر عن عَلَم بمثل مكانته وتخصصه، أنه يكتب عن معرفة بالمجتمع وظروفه وخصوصيّاته الثقافية والاجتماعية، فضلاً عن معرفته بجغرافية البلاد، وبيئتها واقتصادها وأُسَرها والحياة الاجتماعية فيها، وعن كون أفراد من أسرة ابن خميس فيما مضى، قد عملوا قريباً من قصور الأسرة المالكة.
وبُعيد وفاته قبل 6 سنوات، كُشف عن مخطوط للشيخ عبد الله بن خميس، حالت على ما يبدو ظروفه الصحية قبل وفاته دون طبعه، وكان قد أعده للصدور بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى المئويّة لتأسيس المملكة العربية السعودية، في شكل طبعة أوّليّة عام 1998 في 628 صفحة بعنوان (لمحات من تاريخ الملك عبد العزيز)، مُضيفاً كثيراً من الوثائق والصور والخرائط إلى صفحاته، وفي ذيل الكتاب قائمة بنحو 300 عنوان من المراجع المهمّة في التاريخ الوطني، مع التعريف بها وبمؤلّفيها.
وقد أضفى المؤلّف بسلامة لغته وبأسلوبه الأدبي الرفيع على رواية المادة التاريخيّة، جودة في التعبير، وخُلُوّاً من الأخطاء النحويّة، ودقّة في استخدام علامات الترقيم، وكان يميل - كعادته في الكتابة - إلى الاستشهاد بنصوص من الشعر الفصيح والنبطي (يسمِيه الشعبي)، وهي ما أصبحت سمته في كتبه ومقالاته الصحافية، وكان ينبغي له التخلّي عنها عند سرد الأحداث وتحليلها، حيث تتطلب رواية التاريخ عادة استخدام المعلومات المباشرة، مع الحفاظ على رونق المفردات.
وفي المخطوط تراجم لأسماء الأفراد والأسر التي أسهمت في حقبة التوحيد والتأسيس، مستفيداً مما يعرفه عنها، مما يُعدّ مرجعاً مفيداً للباحثين عن مثل هذه المعلومات، التي قد لا تتوافر في كتب التاريخ الأخرى، والمخطوط في إيراد هذه المعلومات يعكس شخصيّة مؤلّفه الذي يُجيد التحدّث في التاريخ رواية وتدويناً، ويستشهد دوماً بأسماء الشخصيّات التي شاركت في الأحداث المرويّة، والقصائد التي قيلت فيها.
استهل المؤلّف موضوعات المخطوط باستعراض سيرة الملك المؤسس وحياته وعاداته وبرنامجه اليومي، وبتعداد أفراد أسرته وسلالته، واستشهد بنُقُولات من أقوال عدد من المؤرّخين والكتّاب المحلّيين والعرب والأجانب، لوصف تلك الحقبة المهمة في تاريخ الجزيرة العربيّة، وأورد بعض ما كان يحفظه من والده ومن غيره من المسنّين، عمّا حصل فِي إقليم نجد بعامة وفِي إمارة الدرعيّة التي ولد فيها بخاصة، من حوادث وظروف معيشيّة صعبة، إبّان فترة قيام الدولة السعودية المعاصرة، وقبل اكتشاف النفط، وما أفاءه الله عليها من واردات استخراجه.
وفي المخطوط رصد ربما غير مسبوق، لأبرز الأحداث حسب تسلسلها الزمني، لكل سنة من السنوات الـ54 من حكم الملك عبد العزيز (حوليّات)، جمع فيه - المخطوط - المؤلّف بين الطريقة التقليديّة التي سار عليها مؤرّخو نجد القدامى وبين تحديثها. ولعل هذا الرصد من أجمل ما تطرّق إليه المؤلّف فصار عصب مخطوطه، خصّص له جزءاً معتبراً من صفحاته، وتحدّث فيه بالتفصيل مثلاً عن سنوات الجدب والأمراض والأوبئة التي مرّت على البلاد وصار الناس يؤرّخون بها (مثل سنة الجوع 1910، وسنة مرض الطاعون المسمّاة شعبيّاً سنة الرحمة 1916، وسنة وباء الجَرَب 1920)، ووصف الصعوبات التي اعترضت سبيل الملك المؤسس ورجاله، والمحن التي واجهوها في بداية مشروعهم للمّ شتات أقاليم شبه الجزيرة، وهم ينتقلون من معركة إلى أخرى، ومن معضلة إلى مثلها، ومن إقليم إلى آخر عبر الصحراء الشاسعة، في مختلف الظروف المناخيّة القاسية. فيروي مثلاً أنهم في عام 1910 تكالبت عليهم من كل جانب، 4 مشكلات داخليّة بالغة التعقيد؛ سياسيّة وحربيّة، فمكّنهم الله من حلّها واحدة تلو أخرى، والانتصار على مناوئيهم، ووهبهم التوفيق والسداد في جهودهم لتوحيد البلاد.
ومع كثرة المعارك التي خاضها الملك عبد العزيز وأنصاره، فالمؤلف يعدّ منها معركة روضة مهنّا (1906)، وتربة (1919)، والسبلة (1928)؛ 3 معارك فاصلة في تاريخ قيام الدولة السعودية المعاصرة.
وأتبع المؤلّف هذا الرصد السنوي للأحداث بفصلين إضافيين عن التطوّرات السياسيّة والعسكريّة، وأورد في نهاية المخطوط، أبرز القصائد والمطوّلات الشعريّة (الملاحم) التي قيلت في تاريخ الملك المؤسس وسيرته وقيام المملكة.
والواقع أن من يقرأ تاريخ تلك السنوات، وما مرّ عليها من نزاعات ومناورات سياسيّة، وما تعرّضت له من أطماع خارجيّة، يُدرك أن ملحمة توحيدها الحربي والسياسي التي استغرقت زهاء 30 عاماً لم تكن مفروشة بالورود، لما هو معروف من تآمر القوى الإقليميّة، ومن شظف العيش، وقلّة الإمكانات، وانعدام الطرق المُعَبّدة، وبدائيّة وسائل النقل والانتقال التي كان قوامها الدواب (الخيل والجِمال)؛ وهو ما تعرّض له المؤلّف بالشرح والتفنيد، بوصف شاهد الحال والعيان.
وإذ يصعب في مقال محدود المساحة، تفصيل ما تضمّنه هذا المخطوط المجهول، فالمأمول أن يهتم ذوو المؤلّف بمراجعته وتنقيحه بما لا يُؤثّر على فحوى معلوماته التاريخيّة والتوثيقيّة، وبالاقتصار على النادر من الصور الكثيفة فيه، وبإضافة فهارس بأسماء المواقع والأعلام وكشّافاتها عليه، ومن ثَمّ العمل على إصداره؛ ففي المخطوط إضافات قيّمة من أديب بارز، عاش 9 عقود، عاش فيها الأحداث، وقرأ ما كُتب عنها، وصار العلّامة المتخصص بتراث الجزيرة العربيّة وتاريخها وجغرافيتها وأدبها الشعبي والفصيح.

* إعلامي وباحث سعودي



معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
TT

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، 19 دولة عربية و12 أجنبية.

ويحلّ الأردن «ضيف شرف» على المعرض هذا العام. في حين أعلن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب اختيار العالم الجغرافي والمحقق اللغوي والمترجم الكويتي عبد الله الغنيم ليكون «شخصية المعرض».

وقال مدير المعرض، خليفة الرباح، إن اختيار الغنيم «جاء تقديراً لإسهاماته الكبيرة في الثقافتين المحلية والعربية، وهو ما تَجسَّد في حصوله على (وسام الاستقلال من الدرجة الأولى) من الأردن عام 2013 لدوره في إثراء قاموس القرآن الكريم، بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي».

شغل الغنيم منصب وزير التربية خلال الفترة بين 1990 و1991، ووزير التربية والتعليم العالي بين 1996 و1998، ورئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية من 1992 حتى الآن، كما عمل أستاذاً ورئيس قسم الجغرافيا في جامعة الكويت بين 1976 و1985، وعضو مجمع اللغة العربية في سوريا ومصر، وعضو المجلس الأكاديمي الدولي لمركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد.

وذكرت عائشة المحمود، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أن المعرض يقام هذا العام تحت شعار «العالم في كتاب» ليكون تعبيراً عن أهمية الكتاب ودوره في تقديم الثقافة للمجتمع.

وأضافت أن النشاط الثقافي المصاحب للمعرض يقام عبر 3 منصات مختلفة، هي «الرواق الثقافي» التي تم استحداثها العام الماضي بطابع شبابي، ومنصة «المقهى الثقافي» التي تقدم أنشطة بالتعاون مع مؤسسات النفع العام والمؤسسات الأهلية والجهات الحكومية، و«زاوية كاتب وكتاب» التي استُحدثت هذا العام لربط القارئ بالكتاب بطريقة مباشرة، وتتضمّن أمسيات لعدد من الروائيين.

وأشارت إلى أن مجموع الأنشطة المصاحبة للمعرض، الممتد حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) بأرض المعارض في منطقة مشرف، يتجاوز 90 نشاطاً بما فيها الاحتفاء بالرموز الثقافية الكويتية والعربية.

وعدّ وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة، أن مشاركة الأردن في معرض الكويت الدولي للكتاب «تُعدّ تتويجاً للعلاقات الثقافية بين البلدين».

وأعرب، في بيان، عن شكره لدولة الكويت بمناسبة اختيار الأردن «ضيف شرف» للمعرض، مؤكداً أن «دولة الكويت كانت ولا تزال منارةً للمثقف العربي بتجربتها في الإصدارات الرائدة».

وأوضح الرواشدة أن المشاركة الأردنية تتمثل في هذا المعرض من خلال الجناح الذي صُمِّم هندسياً ليعبِّر عن النمط المعماري الحضاري والتراثي الأردني، بما يضمه من مفردات تتصل بثقافة الإنسان، إضافة إلى الرموز التاريخية والثقافية المتنوعة.

وأضاف أن المشارَكة في معرض الكويت الدولي للكتاب «تمثل ثمرةً تشاركيةً بين المؤسسات الثقافية الأردنية؛ لتقديم صورة مشرقة للمشهد الثقافي الأردني في تعدده وتنوعه وثراء حقوله الإبداعية».