صالون الأوبرا المصرية يحتفل بالذكرى الـ 125 لميلاد سيد درويش

لحّن النشيد الوطني ويعد باعث النهضة الموسيقية العربية

سيد درويش  -  محمد حسن سيد درويش  -  الدكتور زين نصار
سيد درويش - محمد حسن سيد درويش - الدكتور زين نصار
TT

صالون الأوبرا المصرية يحتفل بالذكرى الـ 125 لميلاد سيد درويش

سيد درويش  -  محمد حسن سيد درويش  -  الدكتور زين نصار
سيد درويش - محمد حسن سيد درويش - الدكتور زين نصار

«زوروني كل سنة مرة»، «طلعت يا محلا نورها»، «ضيعت مستقبل حياتي»، «يا عشاق النبي»، وغيرها من ألحان وكلمات خالدة في تراث الموسيقى، تركها لنا خالد الذكر سيد درويش أحد أهم مجددي الموسيقى العربية، الذي تمر هذا العام ذكرى ميلاده 125 سنة. ولد سيد درويش عام 1892 في حي كوم الدكة بالإسكندرية، الذي شهد لقاءاته مع بيرم التونسي وزكي موردخاي والد ليلي مراد وأحمد رامي وبديع خيري، فحققوا معاً نهضة موسيقية عربية، ثم توفي عام 1923 عن عمر يناهز 31 عاماً، ورغم قصر عمره، فإنه استطاع أن يضع بصمة قوية في عالم الموسيقى ولحّن كثيراً من المسرحيات والأوبريتات لفرق نجيب الريحاني والكسار ويوسف وهبي، واستطاع خلال عمره الفني القصير أن يبرز قضايا وهموم الشعب المصري، فكتب الخلود لأغانيه التي تغنى بها عمالقة الطرب العربي، ولا يزال طلاب معاهد الموسيقى يتعلمون أصولها ومبادئها عبر ألحانه.
وبهذه المناسبة، تنظم دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة إيناس عبد الدايم احتفالية ثقافية فنية يقيمها صالون الأوبرا الثقافي في السابعة مساء الأربعاء 26 أبريل (نيسان) الحالي على المسرح الصغير. يستضيف الصالون كلاً من الدكتور زين نصار، والدكتور جمال عبد الحي، المتخصصين في تاريخ الموسيقى بأكاديمية الفنون، إلى جانب حفيد الفنان الراحل محمد حسن سيد درويش، في أمسية يديرها الفنان أمين الصيرفي. تتناول الندوة أهم المحطات المضيئة في مشوار فنان الشعب، إلى جانب تحليل نقدي لمجموعة من أشهر مؤلفاته التي شكلت ملامح تراث الموسيقى العربية، وتتخللها فقرات موسيقية وغنائية لفرقة تراث سيد درويش.
في السياق ذاته، احتفلت بسيد درويش اللجنة الثقافية بنادي اليخت المصري بالإسكندرية برئاسة الدكتور سمير كشك، أمس (الاثنين)، في ندوة بعنوان «لمحات من حياة فنان الشعب الخالد سيد درويش»، يتحدث عنها حفيده الدكتور حسن البحر درويش، المايسترو بدار أوبرا الإسكندرية.
المعروف أن سيد درويش أحد أهم مجددي الموسيقى العربية، ولد في 17 مارس (آذار) 1892 بحي كوم الدكة بمدينة الإسكندرية، التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 1905 ثم عمل بالغناء في المقاهي وبعض الفرق الموسيقية، لكنه لم يحالفه الحظ واضطر أن يلتحق بطائفة البنائين وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله أثناء غنائه في أوقات العمل، وكانا من أشهر المشتغلين بالفن وقتها، واتفقا معه على مرافقتهما في رحلة فنية إلى الشام عام 1908، بعدها أتقن أصول العزف على العود وكتابة المدونات الموسيقية وبدأت موهبته الموسيقية تنضج ولحن أول أدواره «يا فؤادي ليه بتعشق»، ومنذ سطوع نجمه قام بالتلحين لكل الفرق المسرحية الشهيرة آنذاك؛ منها فرقة نجيب الريحاني، وجورج أبيض وعلي الكسار. ويعد سيد درويش من أوائل الفنانين الذين ربطوا الفن بالسياسة والحياة الاجتماعية، فقدم أغنية «قوم يا مصري» التي غناها أثناء ثورة 1919، ثم نشيد «بلادي بلادي» الذي اقتبس فيه كلمات الزعيم الراحل مصطفى كامل، ومن ثم أصبح النشيد الوطني المصري، وأغنية «الحلوة دي» التي غناها تضامناً مع الحرفيين والفئات العاملة بالمجتمع، حيث جعل للموسيقى المصرية هدفاً يتخطى الطرب إلى الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي، وتغنى ضد الاحتلال الإنجليزي «يا بلح زغلول»، و«أهو دا اللي صار» التي تقول كلماتها: «تلوم عليا ازاي يا سيدنا... وخير بلادنا مهوش بإيدنا»، وأغنية «أنا المصري كريم العنصرين» التي كانت شعاراً للثورات المصرية طوال قرن وربع القرن من الزمان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».