احتفالات «اليوم العالمي للجاز» تعمّ وسط بيروت بمشاركة 15 فرقة

يفتتحه «كورس بيروت» ويختتمه الموسيقي العالمي مانويل روشمان

احتفالات «اليوم العالمي للجاز» تعمّ وسط بيروت بمشاركة 15 فرقة
TT

احتفالات «اليوم العالمي للجاز» تعمّ وسط بيروت بمشاركة 15 فرقة

احتفالات «اليوم العالمي للجاز» تعمّ وسط بيروت بمشاركة 15 فرقة

تزامنا مع الاحتفالات التي يشهدها العالم أجمع في مناسبة «اليوم العالمي للجاز» الذي يصادف 30 أبريل (نيسان) من كل عام، تحتفي بيروت بدورها فيه، وذلك بمشاركة 15 فرقة موسيقية.
هذه الاحتفالات التي ستجرى على مدى 3 أيام متتالية (في 28 و29 و30) أخذت من وسط بيروت، وبالتحديد من شارع «فوش» موقعا لها، بحيث ستكون الدعوة مفتوحة أمام الجميع لتذوّق موسيقى الجاز على اختلافها مجانا.
ويرعى هذه الاحتفالات كل من منظمة اليونيسكو في بيروت، ووزارتي الثقافة والسياحة، إضافة إلى المركز الثقافي الفرنسي.
«احتفالات تستقطب اللبنانيين من مختلف الأعمار. حضرها العام الماضي نحو 10 آلاف شخص، فيما نتوقّع ازدياد العدد هذا العام، بعدما أضفنا ليلة ثالثة على برنامج الحفل» كما أوضح جون كاسابيان، أحد منظمي الحفل لـ«الشرق الأوسط».
وبدأت هذه الاحتفالات في لبنان منذ عام 2013، واكتفى منظموها يومها بتخصيص ليلة واحدة، ومن ثم طوّروها لتصبح أكثر شمولا، ولتجرى على مدى يومين متتاليين. أما العام الحالي فبرنامج هذه الاحتفالات وزّع على 3 أيام متتالية.
«لمسنا اهتماما كبيرا من قبل متذوقي هذا النوع من الموسيقى في لبنان، وهذه السنة استطعنا توسيع مساحة وحجم الاحتفالات، ودائما بمشاركة ورعاية وزارتي الثقافة والسياحة والسفارة الفرنسية في لبنان» يضيف كاسابيان.
وإضافة إلى المشاركين في احتفالات موسيقى الجاز لهذه السنة، تستضيف بيروت الموسيقي الأجنبي الوحيد في هذه المناسبة الفرنسي مانويل روشمان، الذي سيؤدي وصلته الموسيقية لأكثر من ساعة مختتما هذه المظاهرة الفنية في 30 الحالي.
ويعد روشمان أحد أهم وأشهر عازفي موسيقى الجاز على آلة البيانو، وسبق ووقف على مسارح عالمية إلى جانب عازفين عالميين، أمثال أندريه سيكاريللي وألدو رومانو، وإريك تروفاز. وكانت السفارة الفرنسية في بيروت قد اجتهدت لاستقدامه إلى لبنان للمشاركة في هذا الحدث. ومن المنتظر أن يقدّم روشمان حفلة خاصة في قصر الصنوبر في بيروت، بدعوة من السفير الفرنسي في لبنان إيمانويل بون، وذلك قبل إطلالته في «يوم موسيقى الجاز العالمي» أي في 27 الحالي.
ويتوزّع العازفون والمغنون من فرق لبنانية محلية على برنامج الحفل، ليقدّم كلّ منهم نحو 45 دقيقة عزفا أو غناء، ابتداء من السادسة حتى العاشرة مساء.
وقد تمّ استحداث خشبة مسرح خصيصا للمناسبة في شارع «اللمبي» وسط بيروت، وتبلغ مساحتها نحو 30 مترا مربعا.
ويتضمن برنامج الليلة الأولى استعراضات غنائية وأخرى في العزف لخمس فرق لبنانية، وبينها «بولساكاو باند» التي تعزف البوب جاز، وكذلك «كورس بيروت للجاز» برفقة دونا خليفة، التي ستغني مع جوقة مؤلّفة من نحو 7 أشخاص، بينهم عازفون على البيانو والباس.
وسيقدّم الفنان غورمريان وصلة جاز من نوع الروك، من تأليفه وألحانه، وتختتم الليلة الأولى بحفل مع فرقة «سويت رايد بلوز باند».
وفي اليوم الثاني لهذه الاحتفالات (29 الحالي) سيتابع اللبنانيون هواة هذا النوع من الموسيقى 5 حفلات مختلفة تستهلّها فرقة «كوارتيت» المؤلّفة من 4 فنانين صاعدين في هذا المجال، كون المنظمين يتمسكون بتشجيع المواهب الجديدة. أما فرقة «سيفين والشباب» فستقدم في التاسعة مساء حفلة تغني فيها رئيسة الفرقة الجاز بالفرنسية، فيما يطلّ بعدها العازف عيسى غريّب في لوحة موسيقية من الجاز، مع فرقة «مونداي بلوز». وينهي إياد صفير هذه الأمسية مع البلوز الأميركي.
ويزدحم برنامج الليلة الختامية بأسماء لامعة اشتهرت في عزفها وغنائها موسيقى الجاز، وبينها فرقة «سارة ومارك» ورافي منداليان وأرتور ساتيان، وهذان الأخيران معروفان في براعتهما في إجادة هذا النوع من الموسيقى. فاشتهر الأول بمعزوفاته الشهيرة على الغيتار، فيما يملك الثاني خبرات واسعة في مجال عزف الجاز على آلة البيانو، لا سيما أنه عميد معهد كونسرفتوار الجاز في لبنان.
وعن سبب غياب موسيقى الجاز ذات الطابع الشرقي عن الأمسيات الثلاث، أوضح جون كاسابيان أنهم لم يتلقّوا أي عروض في هذا الموضوع من قبل عازفين لبنانيين، رغم إعلانهم عن تنظيم هذا الحفل عبر صفحتهم الإلكترونية منذ عدة أشهر.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)