«مبادرة جسور» تحمل إبداعات غارم إلى الجمهور الأميركي

في معرض شخصي برعاية مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي في لوس أنجليس

غارم يقف بجانب إحدى لوحاته (متحف لاكما)
غارم يقف بجانب إحدى لوحاته (متحف لاكما)
TT

«مبادرة جسور» تحمل إبداعات غارم إلى الجمهور الأميركي

غارم يقف بجانب إحدى لوحاته (متحف لاكما)
غارم يقف بجانب إحدى لوحاته (متحف لاكما)

يتيح معرض «وقفة» للفنان السعودي عبد الناصر غارم، الذي يستضيفه متحف مقاطعة لوس أنجليس للفنون (لاكما) حاليا فرصة لاكتشاف وجه العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). الفنان السعودي يقدم في المعرض أحدث مجموعاته الإبداعية مستلهماً من الأزمات التي عصفت بالمنطقة أعمالاً «مفاهيمية» شديدة الإثارة، خصوصا أن أحداث سبتمبر شكلت لغارم لحظة توقفٍ في الزمن الذي يحاول من خلاله إعادة إنتاج أشكال إبداعية مختلفة.
افتتح المعرض مساء الأحد الماضي، ويمتد حتى الثاني من يوليو (تموز) المقبل، وسيشمل عرض أحد عشر عملاً إبداعياً من المنحوتات واللوحات والمطبوعات والأفلام، كما التقى الفنان غارم الجمهور في مسرح «لاكما» بينغ، مساء يوم الثلاثاء الماضي، ليتحدث حول أول معرض منفرد له في الولايات المتحدة، وأيضا لتقديم فقرة العروض الخاصة من قِبل استوديو غارم في الرياض.
يأتي المعرض الذي اعتبرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» واحدا من أهم خمس مناسبات ثقافية في لوس أنجليس خلال شهر أبريل (نيسان)؛ ضمن برنامج «المعارض الفنية السعودية»، وهو أحد برامج مبادرة «جسور» التي أطلقها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، مبادرة «أرامكو السعودية»، وبإشراف أمين متحف «لاكما»، ورئيس قسم الفن وفنون الشرق الأوسط ليندا كوماروف. ويسعى المركز لإتاحة الفرصة للمواهب الوطنية للوصول إلى المحافل العالمية وتبادل الخبرات والتجارب لتحقيق أحد أهم أهداف المركز، وهو دعم التواصل الحضاري.
من جانبها، قالت كوماروف: «ينتمي الفنان عبد الناصر غارم إلى جيل رائد في المملكة العربية السعودية بتقديمه الفنون المحلية إلى الساحة العالمية». مضيفة إنه «في طليعة هذه الحركة الفنية، في صنعه الفن خارج نطاق الطرق المعتادة والتقليدية، والمتمثل في لوحاته ورسمه وتصويره وصناعته المجسمات والمنحوتات».
ويتشرب عمل الفنان عبد الناصر غارم بعمق فكرة «وقفة» بوصفها فرصةً للنظر في بعض الانقسامات الحاصلة في العالم، التي تدفع بالفرد إلى اختيار طريقه في الحياة. مصوراً ذلك في إحدى لوحاته عندما استخدم العلامة الرقمية الشهيرة للوقوف المؤقت – زوج من المستطيلات - ليستخدمها استعارة بصرية للأبراج في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هذه اللحظة المروعة التي تراءت للفنان السعودي «وكأن العالم توقف وقوفاً مؤقتاً وهو يرى الدمار الذي حل على مركز التجارة العالمي على شاشة التلفزيون». ليعرف لاحقاً أن اثنين من المتورطين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانا زميلَي دراسة سابقَين. وكون الفنان عبد الناصر غارم مسلماً وعربياً، منح صدى إضافياً لدى زوار المعرض من الجمهور الأميركي، وفي الوقت ذاته إشارة تنبيه إلى المعاناة على نطاق عالمي من الإرهاب.
يستمد غارم أعماله من حياته اليومية، حيث إن الزخارف والتصاميم الهندسية والزخرفة العربية المكونة من الورد تنتمي إلى الفن الإسلامي.
أما في مجموعة غارم الجديدة «تمويه»، فتظهر الهندسة المعمارية الإسلامية بكثرة في الفن الذي يقدمه الفنان. كما يقدم المعرض عمله الأخير «نصف كرة»، وهو عبارة عن قبة منحوتة مكونة من مزيج من شكلين مختلفين: تأخذ شكل قبة المسجد وخوذة من العصور الإسلامية المتأخرة. يرسم العنوان المصاحب لهذا العمل شكلين مكلمين لبعضهما بعضا، كشقّي الدماغ الأيمن والأيسر. فالأول يصنع الإبداع والآخر يصنع العقلانية. في العمل الفني المقدم يرمز نصف القبة الأيمن بلونه الأخضر قبة المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية. كما أن الجانب الأيسر من القبة منقوش على شكل خوذة مزينة بآيات من القرآن الكريم. ويفصل شقّي القبة قطعة معدنية مكبرة بشكل يتناسب وحجم القبة لتقي أنف مرتديها وهي منقوشة بجمالية لا متناهية.
يُذكر أن الفنان عبد الناصر غارم من مواليد عام 1973 بمدينة خميس مشيط. قدم عروضاً عدة في أوروبا ودول الخليج العربي والولايات المتحدة، بما في ذلك في مارتن - غروبيوس - باو، إضافة إلى البندقية والشارقة وبرلين. تخرج غارم في أكاديمية الملك عبد العزيز عام 1992 قبل ذهابه إلى الرياض، وارتاد قرية المفتاحة الفنية في أبها في عام 2003، وشارك مع فناني المفتاحة لتنظيم معرض جماعي في عام 2004، الذي اعتبر منذ ذلك الحين، تجديداً لأساليب ممارسة الفن القائمة في السعودية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».