«نوافير بيترهوف» تتألق بجمالها وسط ثلوج الربيع

سكان مدينة سان بطرسبرغ ينتظرون طقساً دافئاً لمشاهدتها

النوافير تضفي على مقر الإقامة الشتوي للإمبراطور  بطرس جمالاً  - المشهد الصيفي المعتاد لنوافير بيترهوف
النوافير تضفي على مقر الإقامة الشتوي للإمبراطور بطرس جمالاً - المشهد الصيفي المعتاد لنوافير بيترهوف
TT

«نوافير بيترهوف» تتألق بجمالها وسط ثلوج الربيع

النوافير تضفي على مقر الإقامة الشتوي للإمبراطور  بطرس جمالاً  - المشهد الصيفي المعتاد لنوافير بيترهوف
النوافير تضفي على مقر الإقامة الشتوي للإمبراطور بطرس جمالاً - المشهد الصيفي المعتاد لنوافير بيترهوف

يفضل كثيرون زيارة مدينة سان بطرسبرغ، عاصمة روسيا القيصرية، إما في موسم الربيع وإما في الصيف، وذلك لأن عدداً كبيراً من المعالم التاريخية في تلك المدينة مرتبطة بالماء، والأمر لا يقتصر على القنوات المائية التي شقها الإمبراطور بطرس الأكبر، بل وهناك النوافير المختلفة وأهمها بالطبع نوافير بيترهوف ذات الشهرة العالمية، التي تضفي على مقر الإقامة الشتوي للإمبراطور بطرس جمالا ممزوجا مع هيبة خاصة، تعبر عنها المجسمات حول النوافير والتماثيل، والتصميم الفندي والهندسي للنوافير بحد ذاتها. ونظراً لقسوة فصل الشتاء في روسيا وانخفاض درجات الحرارة إلى مستويات يكون معها تشغيل النوافير شبه مستحيل، لأن المياه تتجمد في الممرات والأنابيب، فقد جرت العادة أن يتم تشغيل النوافير في وقت متأخر من الربيع في روسيا، وهذا العام ينتظر عشاق بيترهوف يوم 29 مايو (أيار) لحضور مراسم احتفالية مميزة يجري خلال تشغيل تلك النوافير، ومعها النوافير الأخرى في المدينة، التاريخية القديمة منها والحديثة.
وكان الحظ هذا العام حليف مئات السياح الذين تمكنوا في حالة نادرة جداً من رؤية النوافير تضخ مياهها عالياً، بينما ما زالت الثلوج البيضاء الجميلة تحيط ببحيرات تلك النوافير، وتغطي المكان كله من حولها. وقد أسهم الإنسان وساعده تمرد الطبيعية في رسم اللوحة الشتائية غير المتوقعة لنوافير بيترهوف، وذلك في الأسبوع الثاني من شهر مايو الحالي، حين قام المهندسون بتشغيل النوافير ضمن أعمال الصيانة تمهيداً لافتتاح الموسم نهاية الشهر، واضطروا لتركها تعمل عدة أيام. وفي هذه الأثناء تساقطت ثلوج كثيفة نسبياً لهذا الوقت من السنة، وبلغ ارتفاع الثلوج في بعض مناطق بطرسبرغ 20 سم، بما في ذلك في مجمع قصور وحدائق بيترهوف، حيث تقف تلك النوافير الشهيرة. وحسب رواية فاليريا كاربوفيتش، المسؤولية في مجمع بيترهوف، فإن «رؤية النوافير تعمل وهي محاطة بالثلوج موقف نادر جدا جدا، ولا يذكر موقفاً كهذا حتى قدامى العاملين في المجمع ولا كبار السن ممن يعرفون ويعشقون تلك النوافير».
ويُعرف عن منظومة نوافير بيترهوف أنها واحدة من الأكبر عالميا، تتألف من 147 نافورة تتوزع في أرجاء مجمع الحدائق والقصور، الذي شيده الإمبراطور بطرس الأكبر (الأول) عام 1710. وأخذه مقرا شتويا. وتم تصميم نوافير بيترهوف بصورة تشبه نوافير فرساي الفرنسية، إلا أن الأولى تتفوق على النوافير الفرنسية بوفرة المياه فيها، والارتفاع الذي تصله المياه متدفقة من النوافير. ووضع الإمبراطور بطرس بنفسه الأفكار الرئيسية لتصاميم الجزء الأكبر من تلك النوافير، التي تعمل حتى اليوم معتمدة على 70 في المائة من المعدات والأنابيب التاريخية المستخدمة منذ تشييد المجمع قبل نحو ثلاثة قرون من الزمن.
وأطلق على ذلك المجمع من الحدائق والصور هذا الاسم لأن كلمة «بيترهوف» تعني «قصر بطرس»، والمقصود الإمبراطور بطرس الأكبر، الشخصية التي ما زالت كتب التاريخ تروي حجم إنجازاته وتأثيرها لاحقا على تطور الإمبراطورية الروسية. وتمتد حدائق بيترهوف على مساحة تزيد على 414 هكتاراً، دخلت عام 2016 ضمن أفضل ثلاثة قصور أوروبية. وتحظى الحديقة السفلى التي تم تشييدها بأمر من بطرس الأكبر على شهرة خاصة عالميا، لأنها تضم أجمل وأكبر نوافير مجمع الحدائق الإمبراطورية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».