معرض «غرافيتي» في أفخم شوارع برلين

رسومات مؤقتة ستُمحى برضا راسميها بعد أشهر من العمل عليها

معرض «غرافيتي» في أفخم شوارع برلين
TT

معرض «غرافيتي» في أفخم شوارع برلين

معرض «غرافيتي» في أفخم شوارع برلين

ينتشر فن الـ«غرافيتي» أو الرسوم على الجدران، في شوارع برلين، بعشوائية ومن دون أي تصريح أو موافقة من السلطات المحلية، التي تحاول إلقاء القبض على الرسامين ومقاضاتهم.
لم يخطر في بال البرلينيين يوما، أن تظهر رسومات الـ«غرافيتي» في معرض خاص بها، خصوصا في مبنى مصرف يعد من أكبر المصارف بشارع كورفورستندم (Kurfürstendamm)، أفخم شوارع التسوق والمحال الراقية في العاصمة الألمانية.
افتتح المعرض أبوابه في الأول من الشهر الحالي، ويستمر حتى نهاية الشهر المقبل، وهو يزخر بأروع رسومات الـ«غرافيتي» وفنونه المختلفة، ولكنّها لن تستمر لوقت طويل، بل ستُزال وستختفي بعد المعرض. واللافت في الأمر أنّها ستُمحى برضا الرسامين وقبولهم، حسب اتفاق مبرم سعوا له قبل أن يرسموا لوحاتهم على الجدران التي تحظى بإقبال كبير.
تعود فكرة تنظيم المعرض لمجموعة من فناني الـ«غرافيتي» الذين علموا ببيع المصرف لجهة مستثمرة تخطط لهدمه وإنشاء عمارة سكنية فخمة، فطلبوا على غير عادتهم إذنا لاستخدامه شاغرا لعرض رسوماتهم لحين هدمه، ملتزمين بمغادرته قبل وصول «الكراكات» والعمال.
ويهدف الرسامون الاستفادة من المباني الفارغة في المدينة وتحويلها لمعارض فنية مؤقتة، بسبب معاناتهم من غلاء إيجارات صالات المعارض، إضافة إلى تعزيز نوع جديد من التعاون يصب في صالح مدينة كبرلين التي تشتهر بالإبداع وتتميز بالأفكار العملية.
يشارك في المعرض 165 رساما غرافيتيا، من بينهم أجانب، كما يستضيف المنظمون مجموعة العدالة الدولية التي تعمل كمنظمة طوعية ضد الاتجار بالبشر، وقد خصصت لها غرفة لكشف أساليب تجارة «الرق الحديث».
تنتشر رسومات الـ«غرافيتي» في المبنى بالكامل، وتبلغ مساحته 10 آلاف متر مربع، ويتكون من 5 طوابق، تضم 80 غرفة، كانت مكاتب لموظفي المصرف وصالات اجتماعات.
وُزعت المساحات على الفنانين من أصحاب الأسماء المعروفة في فن الـ«غرافيتي»، ومنهم عدد مجهول له تجارب بسيطة ظل يرسمها ليلا وعلى عجل، خشية الملاحقة القانونية.
وكما هي طبيعة رسومات الـ«غرافيتي» المنتشرة والمعروفة، تنوعت الكتابات والرسومات واللوحات داخل المعرض، وبعضها يغطي غرفا كاملة من السقف حتى الأرض في حرية كاملة، وفرت للمشاركين الإبداع في هدوء وثقة من دون إحساس بالمطاردة، فأبدعوا مستخدمين مختلف الأساليب والألوان والمعدات والرذاذ والبخاخات، فرسم بعضهم لوحات طبيعية وواجهات للمدينة التي يعشقونها، بينما فضل آخرون رسومات سياسية حادة وناقدة، صبت غضبها حتى على البنك كسلطة، فجرّدوه من الهيمنة وحولوه إلى معرض فني يسع الجميع. إلى ذلك يضم المعرض تصويرا فوتوغرافيا وأعمال نحت.
يفتح المعرض أبوابه لكل من يشاء زيارته من دون رسوم، إلا أنّه يلزم ضيوفه بقاعدة واحدة ورئيسية، إذ يمنع التصوير منعا باتا حتى بالجوالات.
وحسب تصريحات القائمين على المعرض، لوسائل الإعلام، فإنّ شرط منع التصوير يصبّ في مصلحة الزائر نفسه كمحب للفن، ولتشجيع الكل على الحضور بدلا من الجلوس لمشاهدة ما قد ينقل عن المعرض في فيلم فيديو أو لقطات تنشر عبر الشبكة العنكبوتية والهواتف، وهو مما يتيح للزائر فرص التفاعل الحي وحفر الصور في مخيلته وتنشيط الذاكرة للاحتفاظ بها واستيعابها.
هذا وكان القائمون على المعرض، وباتفاق مع الرسامين، قد نشروا بعض نماذج لما يحتويه المعرض كدعاية وكرسالة لغيرهم من الفنانين، لاستنباط الفكرة في مدنهم، وكمحاولة للاستفادة من المباني الشاغرة.
وفي تعليق على قبولهم بزوال ما قاموا به طواعية، خصوصا أنّ المعرض تطلّب عملا طويلا وشاقا إذ بدأوا التحضير له في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قالوا إن «معرضهم ككل شيء إلى زوال، والهدف أساسا توسيع فكرة الفن غير التجاري، والتنسيق بين مصالح كانت متناقضة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».