«بلازا مايور» تحتفل بمرور 400 سنة على إنشائها

سحرها يكمن في عبور ممر صغير والانتهاء في ساحة عملاقة

زوار في «بلازا مايور»
زوار في «بلازا مايور»
TT

«بلازا مايور» تحتفل بمرور 400 سنة على إنشائها

زوار في «بلازا مايور»
زوار في «بلازا مايور»

تستقطب ساحة «بلازا مايور» أو«الساحة الكبرى»، في مدريد، السياح من جميع أنحاء العالم، فلا ساحة في العاصمة الإسبانية يملؤها الصخب والحياة كـ«بلازا مايور»، التي تحتفل بمرور 400 سنة على إنشائها.
وراء الأعمدة العتيقة في الساحة، تصطف المحلات والحانات ومطاعم أطباق الباييلا الإسبانية الشهيرة، وتعلوها المباني المحيطة بالساحة والمكونة من 4 طوابق. ووسط الساحة الرائعة، يرتفع تمثال للملك فيليب الثالث ممتطيا جوادا.
يزور «بلازا مايور» سنويا أكثر من 10 ملايين شخص للاستمتاع بحصاها متعدد الألوان.
ويتاح للزائر فرص عدة لالتقاط أفضل الصور في مدريد أمام «كازا دي لا بانادريا»، (بيت الخبز) في الجهة الشمالية من الساحة، الذي انتُهي من تشييده في عام 1619. ومبنى «كازا دي لا كارنيسيريا» (بيت اللحوم)، وهو مبنى يتكون من 4 طوابق، يقع في الجهة المقابلة للأول، ولا يعرف تاريخ إنشاؤه، إلا أنّه يعتقد أنّه أعيد تشييده في أعقاب حريق «بلازا مايور» الأول عام 1630.
شهدت الساحة أحداثا كثيرة على مدى الـ400 عام الماضية. بداية من حرق مخالفي الكنيسة بمعرفة محاكم التفتيش، وحتى مصارعة الثيران والاحتفالات الملكية وحفلات الزفاف والأسواق، حيث استغلّت الساحة في كل الأغراض التي يمكن تخيلها.
وسقطت الساحة فريسة للنيران 3 مرات، كان أحدثها عام 1790، عندما التهمت النيران ثلثها.
وتقول بلانكا هيرنانديث، التي تعمل مرشدة سياحية في العاصمة الإسبانية منذ 30 سنة: «مثل هذه الحرائق لم تكن غريبة؛ نظرا لأن المنازل مبنية من الأخشاب». وفي ذلك الوقت، اعتمد السكان أيضا على إضرام النار في الأماكن المفتوحة للطهي والتدفئة.
ولطالما كان يُعاد بناء الساحة، والآن، وتكريما لها بعد مرور 400 سنة على إنشائها، تضم الساحة جميع أنواع الأنشطة.
يبلغ طول «بلازا مايور» 129 مترا، وعرضها 94 مترا، أي أن مساحتها تزيد على مساحة ملعب كرة القدم، وهي تأخذ شكل المستطيل أكثر من المربع.
وتضيف هيرنانديث: «غالباً ما يشعر الزائرون للوهلة الأولى بالمفاجأة... الأمر الذي يدهشهم هو أنّهم دخلوا عبر ممر صغير، ليجدوا أنفسهم فجأة أمام ساحة عملاقة».
وإلى جانب جمال الساحة، فإن لها طابعا مميزا يتسم بالصخب والضجيج، فضلا عما تتميز به من سحر خاص بالحياة الإسبانية.
بُنيت الساحة بشكلها الحالي على أنقاض «بلازا دل أرابال»، وهي ساحة السوق الرئيسية في ذلك الوقت، عندما قرر الملك فيليب الثاني عام 1561 نقل عاصمته إلى مدريد، التي كانت مجرد بلدة صغيرة.
وكان فيليب الثاني، هو أول من خطط لتجديد الساحة، ولكن فقط بحلول عام 1617، كلّف الملك فيليب الثالث المهندس خوان جوميث دي مور بهذه المهمة، وبدأت أخيرا أعمال تحَوُّل الساحة.
وتقول هيرنانديث إنّه لهذا السبب في الحقيقة، لا يوجد تاريخ محدد لذكرى افتتاح الساحة. ومع ذلك تُنظّم الاحتفالات، ويشمل البرنامج الرسمي الذي نشرته سلطات المدينة أخيراً، حفلات غنائية ومهرجانات الباروك ذات الطابع الفني، وعروضا سينمائية ومسرحيات وحفلات تنكرية.
ويقول كارلوس سوتوس، المتحدث باسم جمعية «أصدقاء الذكرى الـ400 لبلازا مايور»، إنّ «هدفنا هو ضمان أن يعلم كل زائر لمدريد أنّ هناك دائما أشياء تحدث في بلازا مايور». وحسبما جاء في وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، فقد أعرب عن رغبته في أن تصبح الساحة نوعا من «المتنزهات»، لها برنامج مستمر من الأحداث الثقافية.
واستضافت الساحة فعاليات دورية على مدى أعوام كثيرة، مثل «مركادو دي مونداس يي سيلو»، وهي سوق تُنظّم يوم الأحد تباع فيها العملات والطوابع البريدية بجوار أعمدة الساحة، وأيضا سوق «مركاديلو دي نافيداد» التقليدية لأعياد الميلاد.
وتصل الأجواء الاحتفالية في «بلازا مايور» إلى أفضل حال عقب غروب الشمس، عندما تضاء أنوار الساحة ويبدأ ظهور النجوم في السماء. وكالمعتاد في مدريد، تستمر مظاهر المرح إلى وقت متأخر من الليل.
وعندما تغلق المطاعم والحانات أبوابها، تصبح الأجواء في «بلازا مايور» مختلفة تماما.
وفي ذلك تقول هيرنانديث، إن «هذا ما يفضله كثير من السياح للغاية، الأجواء الليلية والساحة خالية تماما وساكنة... يكون ذلك أشبه بالانتقال إلى عصر مختلف. تشعر وكأنك لا تعيش في القرن الـ21 في مدريد».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».