معرض فرنسي ـ يمني في الهواء الطلق لفن الخط والزخرفة في الإسلام

يحتوي على 40 مخطوطاً فرنسياً ويمنياً تعود إلى القرن الهجري الأول

الجانبان الفرنسي واليمني - تصوير: فؤاد الحرازي
الجانبان الفرنسي واليمني - تصوير: فؤاد الحرازي
TT

معرض فرنسي ـ يمني في الهواء الطلق لفن الخط والزخرفة في الإسلام

الجانبان الفرنسي واليمني - تصوير: فؤاد الحرازي
الجانبان الفرنسي واليمني - تصوير: فؤاد الحرازي

بحضور رسمي ودبلوماسي رفيع ووسط إجراءات أمنية استثنائية، افتتح في صنعاء أخيرا معرض فرنسي - يمني مشترك، هو الأول من نوعه، لفن الخط العربي والزخرفة في الإسلام. المعرض الذي يستمر على مدى شهر كامل ينظمه المركز الثقافي الفرنسي بصنعاء بالتعاون مع دار المخطوطات اليمنية، وبرعاية وزارة الثقافة اليمنية وبعثة المفوضية الأوروبية لدى اليمن، بالإضافة إلى السفارة الفرنسية، يأتي في إطار برنامج تعاون ثقافي مشترك بين اليمن وفرنسا، واستنادا إلى تجربة ثرية وممتدة في مجال الآثار بين البلدين.
يضم المعرض، الذي يعرض في الهواء الطلق بثلاثة أماكن في وقت واحد، مجموعة نادرة من نفائس المخطوطات والزخارف ويحتوي على 40 مخطوطا فرنسيا ويمنيا يعود تاريخها إلى القرن الهجري الأول، جلبت 20 مخطوطا من مقتنيات المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس والعشرون الأخرى من دار المخطوطات بصنعاء.
والأماكن الثلاثة التي يقام بها المعرض لها رمزيتها التاريخية والعلمية وهي: باحة جامعة صنعاء، ومنطقة باب اليمن في مدينة صنعاء القديمة، بالإضافة إلى حديقة السبعين، حيث جرى تصوير المخطوطات المعروضة في براويز بلاستيكية بأحجام كبيرة لتعرض في الهواء الطلق في الأماكن الثلاثة.
وأوضحت نائبة وزير الثقافة اليمني، هدى ابلان، أن الاحتفاء بمعرض فن الخط والزخرفة في الإسلام يعد عنوانا للذائقة الثقافية العربية والإسلامية عبر والتاريخ ويعكس مدى قدرة الثقافة العربية والإسلامية على الحوار والانفتاح على الثقافات الأخرى. وقالت: «إن فن الخط والزخرفة يعيدنا لقراءة مراحل تاريخية خصبة ويمكننا من الوقوف على شواهد مضيئة تحمل حالة ثقافية مليئة بالقيم الإنسانية الرفيعة»، عادة إقامة المعرض تعد تحديا معرفيا وأخلاقيا في هذه اللحظة التاريخية الراهنة بكل مستوياتها وتحدياتها السياسية والأمنية والثقافية.
يقدم معرض فن الخط والزخرفة نماذج فريدة للفنون الإسلامية ممثلة بالخطوط العربية والزخارف وتطورها عبر حقب تاريخية مختلفة، ومدى إفادتها من الثقافات الأخرى كالفارسية والبيزنطية والعثمانية ودور الثقافات الأخرى غير العربية في إثراء الخطوط العربية وفنون الزخرفة التي ارتبطت بالإسلام بشكل مباشر، وأخذت في التبلور مع تدوين النص القرآني وبداية جمعه عام 653م، ومع شيوع استخدام اللغة العربية في الأمصار الإسلامية المختلفة، حيث بدأت الخطوط والزخارف تزين النصوص الدينية باستخدام أشكال نباتية وهندسية مختلفة.
وتبين المخطوطات المعروضة أن فن الزخرفة أخذ بعدا وظيفيا باستخدامه لتحديد فواصل السور والآيات والأجزاء القرآنية، بالإضافة إلى بعده الجمالي في إضفاء لمسة تزيينية وجمالية تلائم عظمة النص القرآني، ومنذ بداية القرن العاشر الميلادي جرت صياغة معرفة مقننة لأنواع الخطوط والزخارف التي شهدت تطورا نوعيا آخر في العصر العباسي (750 - 1258م) واكتسبت زخما جديدا من احتكاكها وانفتاحها على الثقافات الأخرى التي عرفها المسلمون.
من جانبه، أوضح وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب، الدكتور مقبل التام الأحمدي، أن المخطوطات والزخارف تعدان تراثا إنسانيا كبيرا وتمثل أرقى الإبداعات الإنسانية التي جسدت عمق الفكر الإسلامي وحيويته، مشيرا إلى أن المعرض الحالي يعد نوعا من العرفان لفن الخط العربي والزخرفة الذي ارتبط بثقافة إسلامية منفتحة، نشرت مبادئها وقيمها في أرجاء المعمورة وكانت عنوانا لثقافة تماهت في تفاصيل الثقافات الأخرى لتنتج عطاء إنسانيا فرديا، مشيرا إلى أن الخط والزخرفة فنون أصيلة أصالة النص القرآني الذي دونت وزخرفت به وارتبطت به على نحو عضوي.
السفير الفرنسي لدى اليمن، فرانك جيله، أشار إلى أن المعرض الحالي هو استعادة لمعرض مماثل نظمته المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس عام 2011م حول فن الخط والزخرفة في الإسلام وحظي بإقبال كبير من قبل الفرنسيين وغيرهم من المهتمين بالتراث الإنساني، الأمر الذي دفع السفارة الفرنسية لإقامته مرة أخرى بصنعاء وبمشاركة الجانب اليمني بما يتيح للزوار فرصة الوقوف على نفائس المخطوطات التي تبرز النواحي الإبداعية والجمالية في فن الخط العربي والزخرفة، مؤكدا أن الفنون تعد وسيلة جيدة للتعايش بين الثقافات والتقارب بين الشعوب.
معرض فن الخط العربي والزخرفة في الإسلام، الذي يشهد إقبالا من مختلف شرائح المجتمع اليمني بكونه يقدم محطات مشرقة ومضيئة في تاريخ الثقافة الإسلامية ويبرز مدى قدرة هذه الثقافة على التلاقح والتعايش مع الثقافات الأخرى، يأتي في سياق الاهتمام المتزايد في الآونة الأخيرة بتراث المخطوطات كجزء أصيل من تراث اليمن الإسلامي، وضرورة دراسته وتحقيقه للإفادة من مكنوناته المعرفية والثقافية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».