مائة عام تحولت فيها الولايات المتحدة إلى قوة عالمية

مشاركة واشنطن في الحرب العالمية الأولى أنعشت اقتصادها

صورة أرشيفية للجنرال الأميركي جون جوزيف الذي قاد بلاده في الحرب العالمية الأولى يلقى ترحيب نظرائه في شمال فرنسا في 6 أبريل 1917 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية للجنرال الأميركي جون جوزيف الذي قاد بلاده في الحرب العالمية الأولى يلقى ترحيب نظرائه في شمال فرنسا في 6 أبريل 1917 (أ.ف.ب)
TT

مائة عام تحولت فيها الولايات المتحدة إلى قوة عالمية

صورة أرشيفية للجنرال الأميركي جون جوزيف الذي قاد بلاده في الحرب العالمية الأولى يلقى ترحيب نظرائه في شمال فرنسا في 6 أبريل 1917 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية للجنرال الأميركي جون جوزيف الذي قاد بلاده في الحرب العالمية الأولى يلقى ترحيب نظرائه في شمال فرنسا في 6 أبريل 1917 (أ.ف.ب)

قبل قرن مضى، رجح دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى في 6 أبريل (نيسان) 1917 كفّة الحلفاء في نزاع كانت نتائجه غامضة، وخرجت منه قوة عظمى جديدة في العالم.
ومع إعلانها الحرب على ألمانيا، وضعت الولايات المتحدة قوتها الصناعية ويدها العاملة الوفيرة في خدمة قوات الحلفاء المتخبطة في حرب خنادق مرهقة. وأوضحت أستاذة التاريخ في جامعة تشابمان بكاليفورنيا، غرب الولايات المتحدة، أن «الحرب العالمية الأولى شكلت منعطفا في الدور العالمي الجديد للولايات المتحدة، وافتتحت قرنا من انخراطها في الشأن الدولي».
مع اندلاع الحرب في أغسطس (آب) 1914، اختار الأميركيون الحياد. لكن الرأي العام تغير مع إقدام غواصة ألمانية على إغراق سفينة الركاب البريطانية «لوسيتانيا» بطوربيد مقابل السواحل الآيرلندية في مايو (أيار) 1915، ما أدى إلى مقتل أكثر من ألف ومائتي راكب، بينهم 128 أميركيا.
آنذاك صرح الرئيس الأميركي السابق ثيودور روزفلت (1901 - 1909) الذي كان قطبا سياسيا مؤثرا: «يبدو منافيا للمنطق ألا نتحرك في هذا الموضوع، فهذا واجب علينا لا من أجل البشرية فحسب، بل كذلك من أجل كرامتنا الوطنية». ورغم ميل التأييد الشعبي الأميركي نحو الحلفاء، أصرت أغلبية سكان هذا البلد على الحياد في الحرب. وذهب وزير الخارجية ويليامز جينينغز براين إلى حد الاستقالة في يونيو (حزيران) 1915، بسبب ما اعتبره نبرة الرئيس وودرو ويلسون (1913 - 1921) المفرطة العدائية تجاه ألمانيا، خصوصا بعد كشف تحقيق أميركي عن نقل «لوسيتانيا» أسلحة وذخائر مهربة.
غير أن آلاف الأميركيين تطوعوا للقتال من أجل قضية الحلفاء، وانضموا إلى القوات الفرنسية والبريطانية والكندية. كما انخرط طيارون أميركيون في صفوف الطيران الفرنسي وشكلوا ما يعرف اليوم بتسمية «سرب لافاييت».
خشي البعض على غرار روزفلت أن تؤدي هزيمة الحلفاء إلى احتلال ألماني أجزاء من كندا وأراضي بريطانية وفرنسية في منطقة الكاريبي. وأكد روزفلت في مقالاته الصحافية التي كان لها وزن كبير أن الحياد سيضاعف فرص دخول الألمان إلى الأميركتين. وقال مايكل نايبرغ من الكلية الحربية الأميركية لوكالة الصحافة الفرنسية: «كان لدى الأميركيين متسع من الوقت للتفكير فيما يريدون فعله، لكنهم عجزوا عن الاتفاق». وفاز ويلسون الذي كافح للحفاظ على الحياد بولاية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1916 بعد حملة رفعت شعار «أبقانا خارج الحرب».
إلا أن ثلاثة أحداث في مطلع 1917 أدّت إلى تغيير المعادلة. ففي 16 يناير (كانون الثاني)، وجه وزير الخارجية الألماني برقية إلى سفيره في المكسيك طالبا منه اقتراح تحالف عسكري يجيز لهذا البلد استعادة أراض خسرتها في حرب سابقة مع الولايات المتحدة تشمل تكساس.
رصدت أجهزة الاستخبارات البريطانية البرقية، وفكّت شيفرتها قبل اطلاع واشنطن عليها، وأثار نشرها غضب الأميركيين. وفي الأول من فبراير (شباط)، استأنفت ألمانيا حرب الغواصات المفتوحة فأغرقت سفنا تجارية من دون إنذار في المياه الدولية. واعتبر الألمان أنهم إذا أغرقوا ما يكفي من السفن فسيحرمون بريطانيا من التموين بالأغذية والمعدات، ما سيرجع كفتهم في الحرب. بالتالي دمروا ثلاث سفن تجارية أميركية في الأيام التالية، ما ضاعف السخط ضدهم.
وكان الأميرال الألماني إدوار فون كابيل، قال للجنة برلمانية ألمانية في 31 يناير، إن الأميركيين «لن يأتوا لأن غواصاتنا ستدمرهم. إذن، من منظار عسكري، لا تعني الولايات المتحدة شيئا على الإطلاق».
أخيرا في 15 مارس (آذار)، تخلى القيصر الروسي نيكولاي الثاني عن العرش وسط فوضى الثورة الروسية، وسلم السلطة للحكومة المؤقتة. وقال نايبرغ إن نيكولاي كان «شخصية يكرهها الأميركيون جميعهم تقريبا (...) وبدا بالتالي، أقله حتى سيطرة البلاشفة على السلطة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1917، أن الحرب قد تنشئ ديمقراطية».
أكد ويلسون أن حرب الغواصات الألمانية «حرب ضد البشرية»، في خطاب ألقاه في 2 أبريل (نيسان) أمام الكونغرس، مطالبا بالمشاركة في الحرب. وقال: «يجب بسط الأمن في العالم من أجل الديمقراطية»، مشددا: «لا أغراض أنانية لدينا، ولا نرغب في أي غزو أو سيطرة».
لكن الجيش الأميركي لم يكن مؤهلا للحرب، ولم يكن جنوده شاركوا منذ عقود في حرب كبرى. بالتالي سارع مدربون فرنسيون وبريطانيون إلى الولايات المتحدة لتدريب قوة نمت بوتيرة سريعة، وأصبحت مع نهاية النزاع في نوفمبر 1918 تعد أكثر من أربعة ملايين جندي.
في بادرة جريئة، قاد الجنرال الأميركي جون برشينغ في يونيو (حزيران) 1917 فرقة من 14 ألف جندي في إنزال في فرنسا، وتوالى في الأشهر التالية توافد جنود أميركيين قليلي الخبرة لكنهم متحمسون. لاحقا كتب وينستون تشرشل: «كان لهذا الدفق غير المتناهي من الشباب أثر هائل على الفرنسيين الذين كانوا يواجهون ضغوطا شديدة».
منيت حملة الغواصات الألمانية بفشل ذريع مع تسيير الحلفاء سفنهم التجارية في مجموعات بحماية سفن حربية. ولم يسقط أي جندي أميركي في هجمات الغواصات الألمانية. وقالت كين: «لا شك أن الولايات المتحدة قدمت مساهمة حيوية للنصر»، لكن «فوز الحلفاء في الحرب العالمية الأولى تم بجهد التحالف. فالولايات المتحدة ما كانت لتفوز من دون الفرنسيين أو البريطانيين، والعكس أيضا صحيح».
عبر المحيط الأطلسي، شهد الاقتصاد الأميركي ازدهارا نتيجة الإنفاق من أجل الحرب، ليكتسب قوة مع نهايتها فاقت أيا من قوى ما قبل الحرب التي خرجت من النزاع منهارة. كما حرصت المصارف الأميركية على استرجاع القروض بقيمة 10 مليارات دولار التي وفرتها للحلفاء في أثناء الحرب.
لكن السلام أثار نقاشا جديدا. فهل تكمن الخدمة الفضلى للمصالح الأميركية في العمل عبر منظمات دولية، على غرار عصبة الأمم التي طرحها ويلسون في اقتراحه للسلام من 14 بندا في يناير 1918 ورفضها الكونغرس، أم الأجدى بالولايات المتحدة العمل بانفراد؟ و«هذا الجدل ما زال دائرا بيننا اليوم»، بحسب نايبرغ.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.