«ماركاثون مسك» يكرّم مبدعيه ويضيف لعالم التسويق

ابتكروا حلولاً تتناسب مع الثقافة السعودية برؤية شبابية

جانب من تكريم الفائزين في فعاليات اليوم الأخير
جانب من تكريم الفائزين في فعاليات اليوم الأخير
TT

«ماركاثون مسك» يكرّم مبدعيه ويضيف لعالم التسويق

جانب من تكريم الفائزين في فعاليات اليوم الأخير
جانب من تكريم الفائزين في فعاليات اليوم الأخير

انتهت منافسات «ماركاثون مسك»، الذي نظمته مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز «مسك الخيرية» بالتعاون مع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، بفوز 4 مشروعات تسويقية.
وتنافس أكثر من 200 شاب في مختلف المجالات التسويقية، لتطوير حلول تسويقية تطرحها كبرى العلامات التجارية الوطنية.
وفي كلمة سبقت إعلان أسماء الفائزين، قدم فهد حميد الدين الأمين العام لمهرجان «نكست»، امتنانه وشكره لفرق العمل المشاركة في إنجاز هذا العمل، خصوصاً مؤسسة مسك الخيرية، نظير ما تقدمه من مبادرات خلاقة تحفز شباب الوطن باختلاف اهتماماته.
وأكد يوسف الحمادي، مدير الإعلام والنشر في مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز «مسك الخيرية»، أن الشباب شريك النجاح الأول في جميع ما تطلقه المؤسسة من مبادرات، مشيداً بجهود المشاركين في «ماركاثون مسك» من حيث الأفكار الإبداعية وابتكار الحلول التي تتناسب مع ثقافة السعودية برؤية شبابية عالمية، من شأنها تطوير مجال التسويق في المستقبل.
وبعد مداولات استمرت نحو 4 ساعات، وصلت لجنة التحكيم إلى ترتيب الفرق الفائزة بناء على معايير أخذت في الاعتبار تفرد الفكرة وتميزها، بحسب مستشار التطوير في مسابقة «ماركاثون مسك» خالد طاش، الذي أعلن أسماء الفائزين في الماركاثون، مشيداً بأفكار جميع المشاركين.
وفازت المجموعة التسويقية الأولى بالمركز الأول عن التحدي المقدم من شركة العربية للإعلان، حول مشكلة توجيه الإعلانات بشكل مثمر وفعال، وفقاً لنوع وحاجات الشريحة المستهدفة، بفكرة رائدة تركز على استثمار اللوحات الإعلانية الخارجية المنتشرة في طرق المدينة، وذلك اعتمادا على إحصائية محلية تؤكد أن النساء وحدهن يمثلن 80 في المائة من مشاهدي هذه اللوحات، بحكم مكان جلوسهن في السيارة كركاب، حيث يتاح لهن مطالعة المناظر الخارجية بحرية أكبر، مقارنة بقائد السيارة المشغول بالطريق، فضلا عن إمكانية المساهمة عن طريق هذه اللوحات في إيجاد أجواء إبداعية تضفي على الطرق الخارجية مزيدا من الجمال والمتعة.
فيما حصدت المجموعة التسويقية الثانية جائزة المركز الثاني في التحدي المقدم من الهيئة العامة للطيران المدني، لخلق تجربة سفر ممتعة عبر المطارات السعودية، وذلك من خلال أفكار شارك من خلالها الفريق الفائز بتقديم خيارات إبداعية متنوعة وجذابة تناسب المسافرين بشكل عام والأسرة بشكل خاص، لتساعدهم في قضاء وقت أفضل خلال مدة انتظار الرحلات.
أما المركز الثالث فكان من نصيب المجموعة التسويقية الثالثة عن التحدي المقدم من «ملعب ونادي الغولف» في المدينة الاقتصادية حول مشكلة محدودية المهتمين بهذه اللعبة محليا، وكيفية الترغيب فيها وتقديمها لشريحة أوسع من الجمهور، فجاء الحل من واقع هذه الملاعب كونها تمثل إطلالة جميلة ومريحة يمكن ربطها بعملية التسويق لوحدات سكنية محددة ومميزة، ما يخدم بدوره لعبة الغولف ويرغب فيها على المدى القريب والبعيد، إضافة إلى إضفاء لمسات جمالية وبيئية ضرورية على عمران المدن بشكل عام. وحُجبت جائزة «أفضل فريق» لأسباب فنية من قبل لجنة الحكم، وتقرر استبدالها بمركز رابع كان من نصيب المجموعة الرابعة في التحدي المقدم من «دلة البركة» حول فكرة جديدة للاحتفاء باليوم السعودي الوطني، حازت بدورها على إشادة وتفاعل الحضور.
يذكر أن منافسة «ماركاثون مسك» التي أقيمت في كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال ضمن فعاليات مهرجان «نكست»، تأتي استمرارا لتحديات «مسك» الإبداعية من جهة، وللشراكة الفاعلة مع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية من جهة أخرى، لإيجاد بيئة تعليمية ومعرفية ملائمة، يمكن من خلالها الكشف عن مواهب سعودية شابة وفرص عملية جديدة تواكب طموحات «رؤية المملكة 2030» اجتماعيا واقتصاديا.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)