دار الأوبرا السلطانية العمانية تحتفي بفن الأوبرا وتستعيد أبرز محطاته

ليفرموري يقدم عملا تجريبيا مثيرا «يبني جسرا مع عروض برودواي» الغنائية

مشهد حفل الزفاف - مريام باتيستيلي في دور يوريديس - دافيدي ليفراموري - أمبرتو فاني - مشهد اختطاف يوريديس وبداية صراع الخير والشر - عازف العود العماني زياد الحارثي
مشهد حفل الزفاف - مريام باتيستيلي في دور يوريديس - دافيدي ليفراموري - أمبرتو فاني - مشهد اختطاف يوريديس وبداية صراع الخير والشر - عازف العود العماني زياد الحارثي
TT

دار الأوبرا السلطانية العمانية تحتفي بفن الأوبرا وتستعيد أبرز محطاته

مشهد حفل الزفاف - مريام باتيستيلي في دور يوريديس - دافيدي ليفراموري - أمبرتو فاني - مشهد اختطاف يوريديس وبداية صراع الخير والشر - عازف العود العماني زياد الحارثي
مشهد حفل الزفاف - مريام باتيستيلي في دور يوريديس - دافيدي ليفراموري - أمبرتو فاني - مشهد اختطاف يوريديس وبداية صراع الخير والشر - عازف العود العماني زياد الحارثي

يخوض الإيطالي، دافيدي ليفرموري، المدير العام والمدير الفني لدار أوبرا ومركز «قصر الفنون رينا صوفيا»، في عمله الجديد «الأوبرا»، الذي قدم الأسبوع الماضي، في ثلاثة عروض، على مسرح دار الأوبرا السلطانية في مسقط بعمان، مغامرة في حقل التجريب تنطوي على قدر من الإبهار والدهشة، مثلما تخلف عددا من الأسئلة حول إمكانية توليف عمل أوبرالي كلاسيكي في تركيب فني ليس من طبيعته، وينطوي على لغة موسيقية وبصرية تبتعد عن لغته.
فالعمل الذي قدم في فصلين، جاء ثمرة تعاون بين «دار الأوبرا السلطانية» و«مركز دو برفكسيونامين بلاسيدو دومنغو»، و«بالو دي لي آرت رينا صوفيا فالنسيا» في إسبانيا، كسر التقاليد الكلاسيكية في تقديم أعمال الأوبرا، طارحا لونا جديدا مختلفا، يلعب فيه الجانب الأوبرالي دورا رئيسيا يحتفظ بلغته التقليدية، لكنه يستعين بالأداء المسرحي، والرقص التعبيري، والغناء، وإشراك آلة شرقية، والأكروبات التي تستلهم تقنيات السيرك، وحتى بالبريك دانس، في تركيب جديد يستخدم الفيديو والعروض التفاعلية والشاشات المتعددة والمتداخلة أيضا، وتقنية الأبعاد الثلاثية (3D)، لتقديم أول عمل درامي غنائي من نوعه في العالم، يعيد الحياة إلى أسطورة اورفيوس ويوريديس الإغريقية القديمة، بعد أكثر من 400 عام على تقديم الموسيقار كلاوديو مونتفيردي لها عام 1607.
في الجانب الموسيقي، استعان ليفرموري بأوركسترا براغ الفلهارمونية، بقيادة المايسترو الأميركي ستيفن ميركوري، الذي سبق أن قاد أكثر من خمسين عرضا لأوبرات قدمت بسبع لغات مختلفة. فما الذي سعى ليفرموري وفريقه المصحوب باثنين وعشرين فنانا لتحقيقه من عمل يثير أسئلة حول طبيعته كعمل أوبرالي يخرج عن سياقه التقليدي؟
أول هذه الأسئلة: لماذا هذه «الأوبرا» التي تبدو كأنها عمل في فن الأوبرا نفسه، ومن أين جاءت الفكرة؟
يقول الإيطالي أمبرتو فاني، مدير عام دار الأوبرا السلطانية، والمتحدث الرسمي باسمها، الذي استقبل موفد «الشرق الأوسط» في مكتبه بدار الأوبرا في مسقط، قبل العرض مباشرة: التسمية جاءت من أفكار عدة ومن حوار عميق مع ليفرموري، الذي يعد أحد أفضل مخرجي المسرح في العالم، وهو وريث تقاليد فرنكو زافيراللي، ولكنه يقدم أعماله بمذاق مختلف أكثر ارتباطا بعصرنا، مع احتفاظه بالقواعد الأساسية للأوبرا ولغتها. اخترت ليفرموري لمعالجة الحكاية الإغريقية، أورفيوس ويوريديس، وإخراجها، لأنني أعتقد أن مخرجي الأوبرا ينبغي أن يكونوا موسيقيين لكي يتعاملوا مع نص أوبرالي. كان لدي مشروع يحتاج إلى ثلاثة فصول من ثلاث أوبرات مختلفة، يصعب مسرحتها الكاملة هنا في عمان، في بلد مسلم، لاعتبارات تتعلق بمضمونها. عمليا كان الحديث يجري حول أوبرا توسكا، وكافاليري روسيكانا، ودون كارلوس. دعوت ليفرموري، وأمضينا يومين في التحدث عن هذه الأوبرات الثلاث، وتحدثنا كذلك عن الجمهور هنا أيضا، فنحن معنيون بمن سنوجه له عملنا، والكل يدرك الصعوبات، وفي النهاية، خرجنا من النقاش بفكرة مختلفة، هي العمل الذي يعرض هذه الأيام ويتناول فن الأوبرا نفسه، ويحاول أن يستعيد أبرز محطاته الإيطالية عبر حقب تاريخية مختلفة.
تبدأ القصة بتعرض يوريديس (تؤدي الدور السوبرانو مريام باتسيتيلي، وهي من مواليد إثيوبيا) إلى لدغة ثعبان في ليلة زفافها، ويعني هذا، اختطافها إلى العالم السفلي الذي يتحكم فيه بلوتو. يُفجَع حبيبها أورفيوس (التينور الإيطالي فالنتينو بوتسا - 29 عاما) بالحادثة، ويفعل ما بوسعه لاستعادة حبيبته من العالم السفلي المسمى هاديس. ولكي ينجح أورفيوس في الوصول إلى حبيبته وإعادتها إلى الحياة، عليه أن يصعد سلّما طويلا، بحيث يسير أمامها وهي تتبعه، شرط ألا ينظر إليها خلفه، مهما حدث وإلا سيخسرها. يستعيض العرض عن السلم بمصعد، وأثناء رحلة الصعود هذه يغني الحبيبان نخبة من أجمل ما شهدته الأوبرا الإيطالية من أغانٍ عبر العصور.
في رحلة الصعود من العالم السفلي (هاديس)، يتقمص أورفيوس ويوريديس أدوار عشاق ظهروا في أوبرات مختلفة. هذا السياق السردي يسمح لهما بغناء أدوار عطيل وديدمونة (من أوبرا عطيل لفيردي)، وتوراندوت (من أوبرا توراندوت لبوتشيني)، وميمي ورودولفو (من أوبرا البوهيمية لبوتشيني)، وفيوليتا وألفريدو (من أوبرا لا ترافياتا لفيردي)، ويستحضران بذلك، نماذج تعكس مسارات مختلفة من تاريخ الأوبرا الإيطالية. وأثناء رحلة الصعود، تتغير المناظر في بهو فندق (هاديس)، الذي بدأت منه الحكاية، براويين (حكائيين) يستبقان رفع الستارة بتلخيص الحكاية القديمة، لتكشف عن بهو فندق عصري، حيث يقام حفل زفاف يرافقه مارش شبّه بمارش الزواج الشهير لماندلسون. بعد ذلك، يتنقل بنا العمل في مناخات مختلفة: إلى مصر، كما في أوبرا عايدة، وإلى باريس كما في (البوهيمية) و(لا ترافياتا)، وإلى بلاط ريغوليتو، والصين كما جرى تصويرها في أوبرا (توراندوت).
بعض هذا فعله البريطاني بيتر رايت، في معالجته الأخيرة لباليه «كسارة البندقية» لتشايكوفسكي، التي عرضت في لندن قبل أشهر. هل ثمة رابط شكلي ما بين ما قمتم به وعمل رايت؟
يجيب أمبرتو فاني: لا، أبدا. ما فعله رايت كان مختلفا، كان عملية لصق (كولاج) لبعض أعمال تشايكوفسكي الأخرى داخل «كسارة البندق». ما قمنا به كان جزءا من العمل، في طبيعة العمل نفسه وسياقاته الدرامية. إنه جزء من بنية السرد. فالأغاني، وبعض المقاطع المستعادة من أوبرات إيطالية، تروي الحكاية نفسها، حكاية اورفيوس ويوريديس. إننا نستخدم الغناء والموسيقى المستعادين لرواية الحكاية. إننا، وهذا هو المهم، لم نرغب في إنتاج عمل أوبرالي كلاسيكي تقليدي. فنحن نستهدف جمهورا متنوعا، يشمل العائلات والصغار في هذا البلد، لذلك سعينا إلى استخدام لغة يفهمها الجميع. فأدخلنا على العرض، الأكروبات على سبيل المثال، واستخدمنا كل العناصر الحديثة لكسب تعاطف هذا الجيل الجديد. فهذا مهم لبناء جيل عماني مستقبلي من عشاق هذا الفن من المشاهدين. هذا هو هدفنا الرئيسي.
حقا، يمزج عرض (الأوبرا) بذكاء، بين الغناء الأوبرالي والغناء الاستعراضي. ويقيم جسرا فنيا متماسكا بين الأوبرا وعروض برودواي الموسيقية، ويقدم الحكاية الأسطورية بمؤثرات وظفت لها تقنيات حديثة، أتت بمشاهد وأغاني أوبرات شهيرة خالدة، وألبستها تفاصيل الزمن الذي نعيشه بعد أن أدخلتها فضاءات ساحرة، مكنت، من دون شك، من تقديم عمل إبداعي جديد ومختلف. وقد بلغ تنفيذ الكثير من المشاهد مستوى جماليا مذهلا، كما في مشهد اختطاف يوريديس، ومشاهد حفل الزواج الذي يجري في قاعة مفتوحة على البحر، ومشاهد حقول القمح التي تشي بربيع ذهبي على الشاشة، ينثر فرحا باستعادة العاشق لحبيبته. وقد استخدمت تقنية الفيديو والمشاهد المصورة المتحركة ببراعة في اللعب على الواقعي (ما يجري على المسرح) والمتخيل (ما يبثه الفيديو على الشاشة)، لخلق تفاعل درامي يأخذ الحكاية إلى فضاءات أخرى. فالصور المتحركة تلعب دور الظلال حينا، وتعكس المشاعر الداخلية حينا آخر، وربما ما يدور في دواخل أبطال العمل نفسه حينا ثالثا.
ولعل أفضل ما في هذا «التحديث»، جاء في الفصل الثاني، الذي تلعب فيه المؤثرات الصوتية والبصرية وتقنية 3 دي، دورا خلاقا، وكذلك على المفاجأة الموسيقية غير المتوقعة التي قدمها، حين يتسلل العود باحثا عن مكان له في أوبرا غريبة عنه وهو غريب عنها. إذ يرافق العماني زياد الحربي، يوريديس (باتستيلي) في أغنية «نحيب الحورية» لكلاوديو مونتفيردي (1567 - 1643)، خالقا فضاء شرقيا أليفا جميلا ومثيرا للدهشة، قبل أن يلتحق به الغيتار ويتوحدان حول ما يبثه اللحن من مشاعر، عائدين إلى أصلهما الأندلسي الواحد.
حقا لقد أقدم الجميع على مغامرة خطرة في سياق تجريب كان يمكن أن يقود إلى ضياع التجربة كلها، لكن براعة ايفرموري ومصمم العروض باولو غب كوكو، والمشاركين في العمل، كل وفق دوره، أنقذ جميعه كل شيء، وقدمت الأوبرا السلطانية عملا غنائيا متميزا.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».