مهرجان فاس للموسيقى العريقة يحتفي بالصين... رافعاً شعار «الماء والمقدس»

الدورة الثالثة والعشرون تفتتح بـ«روح فوق الماء»... وتختتم على صوت ماجدة الرومي

TT

مهرجان فاس للموسيقى العريقة يحتفي بالصين... رافعاً شعار «الماء والمقدس»

يعود «مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة»، في دورته الثالثة والعشرين، التي تنعقد تحت شعار «الماء والمقدس»، ما بين 12 و20 مايو (أيار) المقبل، ببرنامج موسيقي غني وملتزم على الصعيد البيئي، ترافقه أنشطة ثقافية، تتوزعها مختلف فضاءات المدينة.
ويحتفي مهرجان فاس، في دورة هذه السنة، بالماء، في بعده الروحي، كما يستقبل الصين، كـ«ضيفة شرف»، فيما سيكون الجمهور مع 14 موعداً ثقافياً، تشمل حفلات وعروضاً موسيقية وفنية، فضلاً عن «منتدى فاس».
والتزاماً بالمبادئ البيئية، باعتبارها امتداداً للمسعى الروحي، يقترح حفل الافتتاح عرضاً إبداعياً تشارك فيه نخبة من الفنانين المقبلين من كل أرجاء العالم، في موضوع «روح فوق الماء»، يستقي عنوانه من أغنية للفنان الأميركي بوب ديلان، لتسليط الضوء على الماء كمصدر للحياة، فيما سيجري إخراجه وسرده الموسيقي بأسلوب عصري و«عضوي»، معبراً عن تقاليد، تتمازج وتهتدي بروح الطبيعة، في توليفة تجمع بين المحاكاة الصوتية وخرير المياه وهدير الأمواج، وأغاني الحيتان الضخمة، التي تجعلنا، حسب المنظمين، «نراوح بين الحلم المائي والرؤيا القيامية. إنه باختصار سيمفونية جديدة مكرسة للحياة. فيما ستدعونا تقنية الـ(مابينغ)، وهي رسوم ضوئية متحركة، على أسوار (باب الماكنة)، إلى رحلة عابرة للزمن، تعود بنا إلى أصل البشرية المسؤولة عن الخطر الذي يتهددها».
وزاد بيان المنظمين، قائلاً إن «روح فوق الماء»، الذي يفتتح، على نحو متألق، برنامجاً فنياً مستوحى من الماء وحب الطبيعة، هو «عرض منقط ببهجة الفلامنكو وروح الاحتفال الملازمة لتراث الجزر، وبسحر الإبداعات الأصيلة وبمفاجآت كثيرة».
وعن اختيار شعار الدورة، أوضح عبد الرفيع زويتن، رئيس «مؤسسة روح فاس» و«مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة»، أن «الماء مصدر الحياة والإلهام الذي يروي بالتساوي كلاً من الجسد والروح»، وأن الاختيار «يستجيب لضرورة توعية أكبر عدد ممكن من الناس بالإشكاليات البيئية التي تستحوذ على الأرض، والتي يرتهن بها مصير البشرية نفسها»، مذكراً بالدورة 22 من «مؤتمر الأطراف»، التي انعقدت بمراكش، ما بين 7 و18 نوفمبر الماضي، حول التغيرات المناخية، التي شددت على أهمية الماء كرهان أولي، في ظل تأكيد الباحثين على أن النظم الإيكولوجية قد تتعرض لانهيار تام، بحلول عام 2100.
وجرياً على عادته، يراهن مهرجان فاس على «برمجة ناطقة باسم المهارة الفنية والنزعة الإنسانية والسعي الروحي»، حيث الموسيقى والفنون، بصفة عامة، كما يقول المنظمون، هي ذلك «الملحق الروحي» الذي لا غنى عنه بالنسبة للحياة اليومية وللعالم، وهي، أيضاً، دعوة حازمة للالتزام، لذلك «ستعمل دورة هذه السنة على تشجيع الإدراك البيئي السليم والوعي بالترابط الإنساني وحب الأرض وثمارها».
ويقترح برنامج التظاهرة حفلات موسيقية، تلتقي في روحانيتها من دون أن تتشابه في إخراجها وتوجهها الفني، تحتضنها فضاءات معروفة بالمدينة، كـ«باب الماكنة» و«رياض بنسودة» و«حديقة جنان السبيل» و«دار عديل» و«ساحة بوجلود»، ينشطها لينغلينغ يو، العازفة الصينية البارعة على الإهرو (الكمان) والبيبا (العود)، التي ستقدم حفلاً موسيقياً مؤلفاً من ترجيعات موسيقية لطيفة ورائقة، وأوبرا وو من تسهيانغ، التي تقترح عرضاً باذخاً حول أساطير الماء، ومارلوي ميرندا التي ستتحف جمهورها بأغانٍ متميزة، في تناغم مع أصول هذه الفنانة البرازيلية، و«سونغهاي»، التي ستجمع بين الأندلس الغجرية وتقاليد مالي الماندينغية، من خلال مشروع فني يجمع بين عازفي القيثارة كامونا والعازف على آلة الهارب كارا المالي توماني دياباتي، وسلمان العامري، الشاعر الكويتي الذي يعزف على آلة العود، المختص بفن البحر والمثقف، وعازف القيثارة الأميركي إريك بيب في حفل يعيد الجمهور إلى جذور البلوز وترجيعاته المعاصرة، والسينمائيَيْن فانسان مون وبريتشيلا تلمون، في مزج بين الصور والأصوات في زمن واقعي، وستيليوس بتراكيس، الذي سينقل للجمهور روح الاحتفالات اليونانية، فضلاً عن أريستيس إي سورتزو بريستيو، وفرقة لينكوم الآيرلندية، والموسيقي الكناوي المهدي الناسولي برفقة تيتي روبان، ونجمة البوب اللبنانية ياسمين حمدان، والملحن بيثينتي أميغو، الذي يعتبر من أمهر العازفين على قيثارة الفلامنكو المعاصرين، فضلاً عن عرض فني، بعنوان «نهر الغانج العاشق»، الذي سيجمع بين أصوات قادمة من فرنسا والهند برفقة مجموعة «رنين» والمغنية بيلفا نايك، وكلير زلامانسكي، التي تضفي طابعاً عثمانياً على الريبرتوار اليهودي الإسباني. فيما سيكون مسك الختام، في «باب الماكنة»، مع سيدة الطرب العربي الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي.
وفضلاً عن برنامجه الموسيقي، يقترح المهرجان لقاءات وتجارب متعددة الثقافات، في تقاسم للحظات الاستمتاع، حيث سيتم عرض أجواء الصعيد المصري، مصحوبة بالموسيقى والرقص والألعاب السحرية، على أن يعرض فيلم للمخرجة أوريلي شولور أبطاله أطفال النيل. كما سيقرأ نيكولا بينيون عملاً للطاهر بنجلون، بمصاحبة موسيقية، في حضور الكاتب المغربي، على أن يعقب ذلك تقديم «خطيبة الماء»، وهي مختارات من توقيع الطاهر بنجلون، فيما سيقوم عازف البيانو باتريك شايدر، بالاشتراك مع الممثلين ميكائيل لونسدال ومديان مطر، بإخراج عرض «حدائق الشرق والغرب»، الذي يجمع بين نفوذ الكلمات وتأثير النوتات الموسيقية.
وفي المجال السينمائي، سيتم عرض فيلم «المطروز» لسيمون الباز، هذا الممثل والموسيقي الذي يدافع عن التقاليد الشفوية والتراث اليهودي المغاربي، علاوة على وقفات سينمائية أخرى، بينها «قافلة المحبة في إثيوبيا» لعازف البيانو مارك فيلا، و«بشر وآلهة» للمخرج كزافييه بوفوا.
ويسعى مهرجان فاس، ببرنامجه المتنوع والغني وشعاره المعبر عن انشغالات كونية، كما يقول آلان فيبر، مديره الفني، إلى «أن يكون عبارة عن رحلة مسارية تتخللها الموسيقى والشعر والرقص، فالمقدس هو الرابط الذي يصل الإنسان بالطبيعة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».