أبو بكر سالم يتهم منتج «حبيب الأرض» بـ {المتاجرة} بقضية إنسانية

الفنان السعودي أكد أن العمل استغل اسم فائق عبد الجليل وهدد بالقضاء

فائق عبد الجليل وأبو بكر سالم
فائق عبد الجليل وأبو بكر سالم
TT

أبو بكر سالم يتهم منتج «حبيب الأرض» بـ {المتاجرة} بقضية إنسانية

فائق عبد الجليل وأبو بكر سالم
فائق عبد الجليل وأبو بكر سالم

عبّر الفنان أبو بكر سالم عن استيائه لإقحامه بتفاصيل ذات خصوصية في فيلم «حبيب الأرض» دون استئذانه رسمياً، إذ يتحدث الفيلم عن سيرة صديقه الشاعر الكويتي فائق عبد الجليل.
وقال أبو بكر سالم لـ«الشرق الأوسط»: «شركة إنتاج مغمورة تاجرت في قضية وطنية إنسانية واستغلت تاريخي مع صديقي الشاعر الشهيد فائق عبد الجليل، وقدمت الفيلم على أساس أنه تكريم غير ربحي للشاعر، وهو في واقع الحال فيلم تجاري للربحية والاستعراض الإعلامي لمالكة تلك الشركة».
وتابع: «الشركة المنتجة للفيلم استغلت تاريخي الطويل تجارياً دون استئذان أو احترام لخصوصيتي من خلال تجسيدي وبعض أفراد أسرتي في الفيلم بوقائع من وحي خيال منتجة وصاحبة رؤية هذا الفيلم التي لا تربطني بها أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة، ولم يحدث أي نوع من الاتصال، أو أي مخاطبة رسمية للسماح بما قامت به».
ولفت إلى أنه رغم توجيه خطاب تنبيه من مكتبه في الرياض للشركة المنتجة للفيلم، تحتفظ «الشرق الأوسط» بنسخة منه، بعد عرض الفيلم في دور العرض السينمائية في الكويت ودول خليجية أخرى، وأوضح أن ما قامت به غير قانوني، إلا أنه لم يتم احترام اعتراضه بل تمادت تلك الشركة في تسويق الفيلم تجارياً لمحطات تلفزيونية منها تلفزيون الكويت للمزيد من الربح المادي.
وأكد أبو بكر سالم أنه سيتجه للقضاء: «بناءً على هذا التصرف غير اللائق جملة وتفصيلاً بدأ ممثلنا القانوني في الكويت اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد الشركة المنتجة».
وأبدى أبو بكر سالم عتبه على وزارة الإعلام الكويتية لعدم وجود رقابة على هذه النوعية من الشركات التي لا تحترم القوانين المتعارف عليها في مجال حقوق الملكية الفكرية.
إلى ذلك، أكد ممثل ورثة الشاعر فائق عبد الجليل وهو نجله فارس في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن ورثة الشاعر أعطوا الإذن الرسمي للشركة المنتجة من دون أي مقابل مادي وذلك إيماناً ودعماً من الورثة للأعمال غير الربحية، خصوصاً الوطنية منها التي تخدم وتخلّد «شهداء» الوطن.
وفيما يتعلق بتسويق الفيلم واستغلاله تجارياً فيما بعد من الشركة المنتجة، وعن وجود شخصية الفنان أبو بكر سالم في الفيلم دون إذنه، علّق فارس: «ورثة الشاعر لا علم ولا علاقة لهم بتاتاً بتسويق الفيلم تجارياً بأي شكل من الأشكال، لأن مشروع الفيلم تم تقديمه لهم على أساس أنه مشروع غير ربحي، وتمت الموافقة عليه على هذا النحو، وإعطاء الإذن بالموافقة للشركة المنتجة من قبل الورثة دون أي مقابل مادي، وذلك وفق شروط محددة في العقد والتي من ضمنها أن تتحمل الشركة المنتجة المسؤولية الكاملة في أخذ الموافقات الرسمية من جميع الشخصيات الموجودة في نص الفيلم، ولا أملك أي تفاصيل أخرى بهذا الخصوص».
وعن الإجراء الذي سيتخذه ورثة الشاعر في حال صحة خبر تسويق الفيلم تجارياً لمحطات تلفزيونية، قال فارس «إن صح ذلك الخبر، ولم تقدم الشركة المنتجة أي توضيح رسمي خلال الأيام المقبلة، فسوف يترك ورثة الشاعر (الشهيد) الأمر لممثلهم القانوني لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد الشركة، لأن هذا يعتبر إخلالاً من الشركة المنتجة بالاتفاق المسبق مع الورثة بأن العمل سيكون غير ربحي، وهي بذلك كشركة استغلت وتربّحت بطريقة غير مشروعة بما قد تبرعوا به كورثة للشاعر»، مستغرباً من وزارة الأعلام الكويتية شراء مادة للعرض التلفزيوني دون التأكد والاطلاع على التنازلات والموافقات الرسمية من الشركة المنتجة للفيلم لإثبات صلاحياتها وكامل ملكيتها للمادة التي تسوقها.
يذكر أن الشركة الكويتية المنتجة للفيلم اختارت اسم «حبيب الأرض» عنواناً للفيلم، وهو اسم لقصيدة وطنية كتبها الشاعر فائق عبد الجليل عام 1987.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)