يطلق الفنان المقدسي بنجي بوياجيان معرضه «الشِقَاق» في القدس اليوم معيداً رسم البلاط المزخرف القديم في محاولة لإعادة الاعتبار لهذا البلاط الذي فقد مكانته أمام البلاط الصناعي الحديث.
ويستلهم بوياجيان الزخرف في البلاط المتآكل الذي يُغطي أرضيات المباني التقليدية القديمة في فلسطين لإعادة رسم النمط الزخرفي في عملية استغرقته 6 سنوات.
وقال بوياجيان لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل على هذا المشروع منذ 6 سنوات. منذ فتنني البلاط المزخرف الذي يرصف أرضيات البيوت الفلسطينية القديمة عندما كنت أخرج في جولات مع مؤسسة رواق، لقد راعني جمال هذا البلاط، وأفزعني تعرضه في الوقت نفسه للتآكل والتلف بفعل الإهمال الذي تتعرض له هذه البيوت بسبب العصر الحديث الذي نعيش به وطغيان المعمار الجديد الإسمنتي على المشهد الفلسطيني».
وأضاف: «ربطنا تآكل هذا البلاط وتعرضه للخراب مع تعرض الحرفية إلى التآكل والاندثار في عصر الأتمتة وطغيان الآلة على الصناعة. لم يعد في فلسطين سوى مصنعين لهذا النوع من البلاط ولا يوجد في الحرفة أي تجديد وتطوير، وخاصة أن الطلب كبير على البلاط الصناعي. ومن هنا بدأت أعمل في هذا المشروع من خلال نبش قصة البلاط وكيف وصل إلى فلسطين».
واكتشف بوياجيان أن هناك تاريخاً طويلاً لهذا البلاط في المنطقة، وأن أصوله على الأغلب إسبانية فيما تعود الزخارف الموجودة على سطح البلاط إلى حضارات عدة في منطقة المتوسط ومنها الحضارة الإسلامية.
ويكتشف زوار المعرض الذي يفتتح اليوم في مؤسسة المعمل (معمل بلاط سابق تأسس في عام 1900) وفي غاليري أناديل في باب الجديد في القدس، كيف يتعمق بوياجيان الذي درس الهندسة، في قصة البلاط المزخرف عبر تفكيك الطبقات والأزمنة المُتشابكة الناسجة بمُجملها لقصة البلاط المزخرف، مُقَدما سلسلة من الأعمال الفنية المبنية على ستة أنماط زخرفية نفذت بالألوان المائية على الورق، وثلاثة أعمال تركيبية وعمل فيديو.
واتبع بوياجيان عملية مضنية من رسم وإعادَة رَسم تمتلئ بالتكرار وبإحداثيات مُتغيرة في النَمَط الزخرفي في كلِّ مرة، مذكراً بفلسطين كمكان على مُفترق طرق تتعرض لتغييرات مُتكررة يُحدِثُها العابرون في تاريخ المَكان كما يقول. واستخدم بوياجيان الألوان المائية التي «من غير الممكن تصحيح الأخطاء فيها أو إخفاء الأثر تحتها، فهي شفافة ورقيقة وانسيابية، وبمثابة فعل تلقائي ودائم من غير الممكن تغييره».
وقال بوياجيان: «مشروعي تضمن كثيرا من الرسومات التي اتخذت فيها موقع الحرفي في محاولة لرد الاعتبار له». وأضاف: «صرت أنتج رسمة تلو الأخرى وأسجل الأخطاء التي ارتكبها في كل رسمة، وأعيد إنتاجها في الرسمة اللاحقة. وفي كل مجموعة من ستة أعمال بالإمكان رؤية كيف تغير الأخطاء الصغيرة في كل لوحة الزخارف بحيث يصبح العمل مختلفاً كثيراً بعد رسمه 6 مرات».
وأراد بوياجيان أن يؤكد من خلال ذلك على جمال الأخطاء في الصناعات الحرفية. وأردف: «أردت أن أؤكد على قصة البلاط التي شهدت عملية مشابهة، حيث أضاف لها كل عابر تفاصيل جديدة وجعلها في النهاية كما نعرفها الآن».
والبلاط المزخرف ظهر في إسبانيا في منتصف القرن التاسع عشر، وبدأ استخدامه في فلسطين في أوائل القرن العشرين وخاصة في الأحياء الجديدة التي قطنتها الطبقة البرجوازية آنذاك، قبل أن يتحول البلاط المزخرف إلى سلعة ويتم استبدِال الحرفيين بالآلات. وقال بوياجيان إن مشروعه هذا هو محاولة لإعادة الاعتبار إلى حرفيي الماضي في عصر تسود فيه الآلات والأتمتة.
ويفترض أن يحصل زوار المعرض على «كاتالوغ» يوثق العمل البحثي لبوياجيان وأعماله الفنية. ويناقش الكاتالوغ الجوانب الجمالية، والتاريخية والسياسية والاجتماعية والفلسفية التي تحيط بالمشروع من خلال مقالات لكل من جاك برسكيان، وجوناثان حبيب انغفيزت، وسنان لوجي، بيهزاد كوسرافي، وعلي أكاي، ولارا الخالدي. وستصدر من الكاتالوغ نسخة رقمية كذلك.
فنان مقدسي يعيد رسم زخارف البلاط القديم في محاولة لرد اعتباره
افتتح معرضه «الشقاق» في القدس بعد 6 سنوات من العمل الشاق
فنان مقدسي يعيد رسم زخارف البلاط القديم في محاولة لرد اعتباره
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة