مهرجان للرعاة وآخر للمسرح المعاصر في منطقة القصرين التونسية المهددة بالإرهاب

مديرا التظاهرتين: سنقاوم الإرهاب بالفن

مهرجان للرعاة وآخر للمسرح المعاصر في منطقة القصرين التونسية المهددة بالإرهاب
TT

مهرجان للرعاة وآخر للمسرح المعاصر في منطقة القصرين التونسية المهددة بالإرهاب

مهرجان للرعاة وآخر للمسرح المعاصر في منطقة القصرين التونسية المهددة بالإرهاب

على مدى يومي أول من أمس (الأحد)، وأمس (الاثنين)، استقبلت منطقة القصرين، وسط غربي تونس، مهرجانين مهمين أضفيا حركية مميزة على المنطقة التي عاشت طوال أشهر على وقع الألغام والانفجارات ومواجهة المجموعات الإرهابية المتحصنة في جبال الشعانبي وجبل سمامة المنتصب على امتداد نحو 40 كيلومترا، وجبل السلوم القريب من القصرين.
أولى هاتين التظاهرتين عيد الرعاة في دورته الثالثة، وهو عبارة عن «ضيافة بدوية» لدى أهالي منطقة جبلية اسمها «ببريف» أو «مشرق الشمس»، وحضر فيها الطعام العربي بمكوناته الأصيلة من الزبدة واللبن والعسل و«الكسرة» (الخبز التقليدي) والكسكسي بلحم العلوش، تناولها الضيوف فوق أرضية ترابية، أو تحت الخيام بجبل سمامة في أجواء ربيعية مميزة.
مهرجان عيد الرعاة عبارة عن رحلة احتفالية مع الرعاة وقطعان أغنامهم وقضاء بضع ساعات في عالمهم والاستمتاع بأهازيجهم البدوية وأنغام «القصبة» (الناي)، مع تناول الطعام معهم تحت ظلال أشجار الصنوبر بإحدى الهضاب الممتدة على السفح الشرقي لجبل سمامة. عن هذه التظاهرة الفريدة من نوعها في تونس، أفاد عدنان الهلالي منسق مهرجان الرعاة بأن المهرجان بعث من أجل رد الاعتبار للرعاة، فهم النجوم الحقيقيون لهذه التظاهرة، وهم من يؤثثون معظم الفقرات التنشيطية، وهو يمثل التظاهرة الوحيدة في تونس التي لا تخضع لبروتوكولات أو استقبالات كلاسيكية للضيوف، ولا توفر إقامة في النزل أو تقديم مداخلات بالقاعات المكيفة مع فطور صباح وغداء فاخر.
وأشار في المقابل إلى أن هذه التظاهرة وعلى الرغم من أهميتها وخصوصياتها ودورها الكبير في التعريف بالجهة، فإنها لم تتلق أي دعم من السلط الجهوية ولا من المسؤولين عن القطاع الثقافي بالقصرين، بل اعتمدت على إمكانيات أهل الجبل.
وأضاف الهلالي أن هيئة المهرجان تستعد لإمضاء اتفاقية توأمة مع عيد الرعاة بمنطقة هوتام البلجيكية، بعد أن شهد المهرجان نجاحا كبيرا خلال السنوات الثلاث من عمره.
ومن بين فقرات تنشيط مهرجان الرعاة نذكر الاحتفاء بعامر بوترعة الشاعر التونسي الفقيد صاحب قصيدة «نعم أنا راع.. وألف نعم»، التي رد فيها على تهكم بعض التونسيين على الرعاة، وقدمها مقداد الصالحي ومحمد الهادي المحمودي على شكل قراءة مسرحية، ومن أبرز ما جاء فيها «لأن أبي - منذ أن كان راع/ سلالة جد هوته المراعي/ لأن أخي رضع المجد من ثدي أم رعت/ فهو منذ الرضاعة راع/ لأن الشموس إذا أشرقت/ تزرع الفجر بين يدي كل راع/ وحين العصافير تعطش/ حين تجوع/ تجمع أسرابها حالمات/ وراء خطى كل راع».
وتضمنت فعاليات المهرجان متابعة عملية «جز» صوف الأغنام، وهي مادة أساسية لنسج الأغطية و«الكليم» و«المرقوم» و«القشابية» (لباس صوفي رجالي)، و«البرنوص (البرنس)»، وملء الوسادات الخالية.
نغادر جبل سمامة وفي آذاننا صوت الخالة جارية بنت علي بن عمر نجمة الدورة الثالثة، وهو آت من بعيد، عبر شعاب الجبال الخضراء الممتدة إلى آخر الأفق فتردد صداه الكهوف والروابي، وبين أعيننا طيف الماشية، وهي تقصد في خفة أخضر المراعي.
وبعد يوم واحد من مهرجان الرعاة، انطلقت (الاثنين) الدورة الأولى لمهرجان الشعانبي للمسرح المعاصر، في حركة تحدّ لأحداث الإرهاب في تلك المنطقة، وسيفتتح ويتواصل إلى الرابع من شهر مايو (أيار) المقبل.
وبشأن هذا المهرجان الجديد، قال وليد الخضراوي منظم المهرجان ومدير المركز الدولي للفنون المعاصرة بالقصرين لـ«الشرق الأوسط»: «سنتحدى الإرهاب بالفن، ونعيد الاعتبار إلى الجبل الشامخ الذي ألصقت به تهمة الإرهاب وشوهت سمعته». وتابع قائلا: «نحن ندرك جيدا دور الفن في مقاومة الإرهاب».
ويجمع برنامج المهرجان بين الفنون البصرية والسمعية وفنون الصورة والسينما ومعارض للصناعات التقليدية ولوحات تشكيلية، إضافة إلى الشعر وعدة ندوات فكرية. أما نصيب المسرح، فيبدأ منذ اليوم الأول بعرض مسرحية «نسور» للمخرج التونسي سامي النصري، وإنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف. كما يتضمن البرنامج عرض مسرحية «الوقت الميت»، المقتبس عن «فصل بلا كلام» لصامويل بيكيت، في إخراج لوليد الخضراوي. كما تعرض يوم السبت المقبل مسرحية «السيلون» (السجن) لجمعية تالة لمسرح الحقيقة، وهو عمل مسرحي يطرح موضوع تعذيب مجموعة من السجناء نتيجة مواقفهم السياسية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».