لبنان يطلق شهر الفرنكوفونية بحفل موسيقي من المتحف الوطني

يتضمن نشاطات مختلفة تشمل سفارات أوروبية

يشارك لبنان من خلال نشاطين أساسيين احدهما «ليلة المتاحف» (غيتي)
يشارك لبنان من خلال نشاطين أساسيين احدهما «ليلة المتاحف» (غيتي)
TT

لبنان يطلق شهر الفرنكوفونية بحفل موسيقي من المتحف الوطني

يشارك لبنان من خلال نشاطين أساسيين احدهما «ليلة المتاحف» (غيتي)
يشارك لبنان من خلال نشاطين أساسيين احدهما «ليلة المتاحف» (غيتي)

كعادته من كلّ عام يحتفل لبنان بـ«شهر الفرنكوفونية» الذي تستمر نشاطاته طيلة شهر مارس (آذار) الحالي. وبالأمس افتتح رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري أول تلك النشاطات، وهي عبارة عن حفل موسيقي أقيم في المتحف الوطني وتمّ نقله مباشرة على شاشات التلفزة. حضر هذا الحفل وزير الثقافة غطّاس خوري، إضافة إلى عدد من سفراء الدول الأعضاء في منظمة الفرنكوفونية في لبنان. وعلى وقع أنغام النشيد الوطني اللبناني التي عزفتها الفرقة الفيلهارمونية للشباب في المعهد العالي للموسيقى وأدّاه كورس الناشئين التابع له، استهلّت الحفلة والتي كان قد سبقها جولة للحريري على القاعة الجديدة في الطابق السفلي للمتحف، والتي استحدثت منذ نحو ستة أشهر وتحتوي على 520 قطعة أثرية تمثل فصولاً متعاقبة على مرّ العصور.
وألقى الوزير خوري كلمة قال فيها: «هذا هو لبنان الذي بقي برغم ما مرّ فيه. لبنان المبادرة والطموح، والرائد في محيطه والعالم». وأضاف: «نحن لا ندّعي أي شيء بل كلّ هذا له شواهد في كلّ بلدة وقرية في لبنان، وفي هذا المتحف الوطني بالذات. ونحن اليوم وفي بداية العهد الجديد مع الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس سعد الحريري، كلنا ثقة ورجاء وأمل بأن لبنان باق ومستمر في تأدية رسالته الإنسانية والثقافية».
ويشارك لبنان في هذا الشهر من خلال نشاطين أساسيين آخرين وهما «ليلة المتاحف» الذي يقام في 7 أبريل (نيسان) المقبل، وكذلك في الألعاب الفرنكوفونية التي ستقام في ساحل العاج (أبيدجان) في يوليو (تموز) المقبل، من خلال وفد يضم نحو 140 شخصاً.
وتشمل النشاطات الخاصة بهذا الشهر إطلاق «بطولة في النقاش الفرنكوفوني» الجمعة 17 مارس الحالي في قصر الصنوبر في بيروت. كما يقام في اليوم نفسه «منتدى الفرنسية والفرنكوفونية» في صالة المحاضرات في المعهد الفرنسي (طريق الشام). كما ستشهد مدينة طرابلس في اليوم التالي، نشاطا مماثلا في غرفة التجارة والصناعة. أما في 5 الشهر الحالي، وفي إطار البرنامج الفنّي الذي تتضمنه هذه المناسبة، تقدّم المغنية الجزائرية سعاد ماسي وتحت عنوان «ليبان جاز» حفلة غنائية في (music hall) وسط بيروت.
وفي «اليوم العالمي للفرنكوفونية» الواقع في 20 الشهر الحالي تقيم المنظمة الدولية للفرنكوفونية وبالتعاون مع سفارات الدول الأعضاء فيها، نشاطاً حول الفنّ وتقنياته الجديدة في مركز (المحطة) في منطقة مار مخايل، ويتضمن معارض ومحاضرات وطاولات مستديرة تتناول انتشار وسائل التواصل الاجتماعية وغيرها من المواضيع المتعلّقة بالعالم الرقمي، إضافة إلى حفلات فنيّة وبينها استعراض (الفينيقي) للرقص.
ومن ناحية ثانية تشارك سفارة أرمينيا في لبنان في هذا الحدث من خلال تنظيم ندوة عن باخوس جيلاليان ومساهمته في تطوير الموسيقى في لبنان، يشارك فيها كل من أستاذ الموسيقى إتيان كوبليان وغدي الرحباني وذلك في 8 الشهر الحالي في مركز جمعية التطوع الأرمنية في ضبيه.
أما السفارة البلجيكية فستتمثّل مشاركتها من خلال معرض خاص عن حياة السنافر تكريماً لمبدع الرسوم المصورة بيو في وسط بيروت، وذلك في 23 مارس (آذار). وتقيم السفارة الكندية جملة محاضرات سياسية في المناسبة تبدأ مع البروفسور سامي عون في 9 من الشهر الحالي في جامعة الروح القدس (الكسليك)، فيما اختارت السفارة الرومانية إقامة مجموعة نشاطات تتعلق بتاريخ بلادها وتقاليدها. وسيكون للسفارة المكسيكية حضورها في الشهر الفرنكوفوني، من خلال رواية «الصيف المقبل في لبنان» للمؤرخ كارلوس مارتينز، الذي يعود إلى جذوره من خلال قراءة نقدية لكل من المحامي والكاتب ألكسندر نجار، والدكتورة كارول زيادة عجمي، وذلك في 24 الشهر الحالي في جامعة الروح القدس. ومن ناحيتها ستوفّر السفارة السويسرية لهواة الرقص والتمثيل محترفا خاصا بهم بإدارة الراقصة لورا دوبون، وذلك في 29 من الشهر الحالي في استوديو خاص يقع في منطقة جل الديب.
وتستضيف مدينة طرابلس من ناحيتها في 19 من الشهر نفسه نشاطات مختلفة بينها (فوروم اللغة الفرنسية والفرنكوفونية)، إضافة إلى مسابقة تجريها في النصف الثاني من الشهر الحالي تحت عنوان «الفرنكوفونية في عشرة أسئلة»، والتي ستكون متاحة أمام طلاب الجامعات في منطقتي طرابلس والضنية.
وحسب الموقع الرسمي للمنظمة الدولية للفرنكوفونية فإن هناك 274 مليون شخص يتكلّمون الفرنسية في العالم بينهم 72 مليونا ينطقونها بصفة جزئية. كما تحتلّ الفرنسية المرتبة التاسعة بين اللغات المحكية الأكثر في العالم، فيما تحتلّ المرتبة الأولى مع الإنجليزية من ناحية النطق في القارات الخمس.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».