مبادرات شبابية في ريادة الأعمال السعودية تتجه نحو «الابتكار التقني»

اقيمت في عدد من المدن وتستهدف تحفيز وتدريب وتأهيل الرواد

مبادرات شبابية في ريادة الأعمال السعودية تتجه نحو «الابتكار التقني»
TT

مبادرات شبابية في ريادة الأعمال السعودية تتجه نحو «الابتكار التقني»

مبادرات شبابية في ريادة الأعمال السعودية تتجه نحو «الابتكار التقني»

شهدت عدد من المدن السعودية خلال الأسبوع الحالي تفاعلا لأنشطة مختصة بشباب رواد الأعمال وسط مبادرات تحفيزية تقوم بها شريحة منهم تفاعلا مع التطورات والتغيرات التي أحدثتها التقنية في مسارات التعليم والتعلم ومجالات ريادة الأعمال والعمل في القطاع الخاص والحكومي.
وتهتم السعودية بهذه المناشط لما تمثله ريادة الأعمال من ركيزة لنمو الاقتصاد المحلي، حيث لفتت دراسة حديثة الى أن المشاريع التجارية تشكل أكثر من ثلاثة وتسعين في المائة من مجموع المشاريع أي 1.8 مليون منشأة صغيرة ومتوسطة، مشيرة إلى أن المشروعات الحديثة اتجهت نحو الابتكار في سبيل التحول التدريجي نحو الاقتصاد المعرفي.
واستضافت مدينة جدة – غربي البلاد- الأسبوع الماضي أمسية جدة التقنية التي جمعت أكثر من 150 شابا سعوديا من أصحاب الشركات الناشئة، وكبار رجال الأعمال في القطاع الرقمي، لمناقشة بيئة ريادة الأعمال في السعودية وتبادل الخبرات.
وأبرمت الغرفة التجارية الصناعية بجدة عبر أمينها العام عدنان مندورة مذكرة تعاون مع أحد المكاتب الاستشارية لعقد دورات ومحاضرات وندوات تدريبية وتطويرية للشباب والشابات من رواد الأعمال تستهدف مستقبلاً تأهيل أكثر من خمسة آلاف رائد ورائدة عمل من أصحاب المنشآت الصغيرة والناشئة في مختلف مجالات الأنشطة الاقتصادية والتجارية. وتبنت المبادرات الأخيرة إحداث التغيير في الصور النمطية للحياة الدراسية الجامعية ومرحلة العمل، رامية إلى أهمية الالتحاق بدورات ومحاضرات تساعد في نشر الوعي العملي والمالي للشباب، وتحفزهم على ترجمة أفكارهم وتطلعاتهم إلى مشاريع ومبادرات توازي أحلامهم.
من ناحيته، أكد أحمد المهايري، من شركة نماء للاستثمار وأحد رواد الأعمال، على حاجة المجتمع المحلي لبدء تقبل الفشل قبل النجاح، مضيفا أن "الخطوة الأولى لتحقيق النجاح هي قبول الفشل".
وجاء من تحركات رواد الأعمال الشباب ، مبادرة رغد الجغيمان، وهي طالبة بكلية إدارة الأعمال بجامعة الملك سعود بالرياض، بالتقدم لبرنامج سفراء "غوغل" واختيرت مؤخرا لتمثل فئة طلاب الجامعات السعودية، وتعتبرها فرصة يمكن من خلالها تعزيز قدرات الطلبة الاحترافية ومهاراتهم الشخصية؛ من خلال لقاء عدد من أهم الشخصيات في مجال التقنية بمنطقة الشرق الأوسط والتعاون معهم، علاوة على تعريف زملائهم على بيئة "غوغل" وأهم خدماتها من خلال عقد الفعاليات والأنشطة الدورية. وتقول رغد: "لا يلزم بالضرورة أن يكون السفراء مبرمجين أو مطوري أعمال، بل هو مفتوح لكل الطلاب والطالبات الجامعيين بمختلف التخصصات طالما توفر لديهم الشغف بالتقنية ونشر المعرفة بين مجتمعاتهم".
وترى أثير الحديبي المتخصصة بالتصميم الرقمي بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، أن المبادرات التقنية تدعو للاستخدام الإيجابي للتقنية بين الطلاب والشباب السعودي في المجالات التقنية مثل التطوير والبرمجة والمجالات الأخرى كالتعليم، والأعمال، والتسويق، والمجالات التطوعية.
وكانت الرياض قد شهدت خلال الأسبوع الحالي توزيع جائزة الأمير عبدالعزيز بن عبدالله العالمية لريادة الأعمال، بحضور الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض، الذي أكد أن ريادة الأعمال لها دور كبير في النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي في كل مجتمع.
وأضاف الأمير أن أهمية ريادة الأعمال تكمن من كونها الأداة الأكثر فاعلية في محاربة البطالة وخلق الفرص الوظيفية، إلى جانب كونها حاضنة للإبداعات والأفكار الجديدة، وعاملاً أساسياً في ازدهار المشروعات الكبيرة.
وفي لقاء نسائي عقدته جمعية الحاسبات السعودية مساء الأمس بالعاصمة السعودية الرياض، أشارت لمياء أحد فريق مطورات لعبة (Alien Adventure) الإلكترونية، إلى أن العمل على تطوير الألعاب جاء من شغف الفريق بالتقنية ورغبة منه في توظيفها بمجال له رواج حاليا، ورغبة أيضا في فكرة ريادة مشاريع الألعاب عبر مطورات ألعاب ومبرمجات ورسامات سعوديات. وعلاوة على ذلك يطمح الفريق لتحقيق عوائد مادية عبر الألعاب الإلكترونية المصنعة محلياً، من خلال الاعتماد على طاقات شابة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)