خطأ إملائي في صورة الرئيس لحفل التنصيب

وزارة التعليم الأميركية تقع في الخطأ نفسه لتثير انتقادات ضدها

صورة ترمب تباع بـ16.95 دولار
صورة ترمب تباع بـ16.95 دولار
TT

خطأ إملائي في صورة الرئيس لحفل التنصيب

صورة ترمب تباع بـ16.95 دولار
صورة ترمب تباع بـ16.95 دولار

ليس كل من كتب هو من أساتذة فن التهجي، ولا يستحق كل خطأ إملائي بسيط أن يسخر منه الجميع في أي محفل وطني كبير. وبعد كل شيء، فإن الأفكار التي نعبر عنها بالكلمات هي المهمة، وليس مجرد تجميع الحروف والكلمات.
والتهجي قد يكون صعبًا في بعض الأحيان. وتحدث الأخطاء المطبعية من حين لآخر. وتفوت بعض الأمور على المحررين ولا بد. ويقع البعض في الأخطاء. وأيضًا، ومن دون شك، يتم تصحيح الأخطاء.
ولكن، حسنًا، فإن مشكلات التهجي لدى إدارة الرئيس ترمب يبدو أنها لا نهاية لها. وربما آخر تلك الأخطاء المسجلة قد تكون أكثر تكلفة من غيرها.
في يوم الأحد، أشار بعض المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي أن الصورة الرسمية لتنصيب الرئيس ترمب، التي تباع في مكتبة الكونغرس الأميركي يوجد فيها خطأ واضح للجميع. حيث إن العبارة المقتبسة على الصورة المطبوعة بمقاس 8 بوصات في 10 بوصات تحتوي على خطأ إملائي استبدل كلمة «جدا» بكلمة «إلى». حيث تقول العبارة المكتوبة: «لا يوجد حلم كبير جدًا، ولا يوجد تحدٍ (إلى) عظيم. ولا شيء مما نريده للمستقبل عصي على التحقق».
إنها نوع من الخطاب النبيل، الملهم، الجميل، الذي يتفاخر به كل رئيس من الرؤساء - مما يعني، بطبيعة الحال، أنه سوف يبدو مسببًا لحرج بالغ إن احتوى على أخطاء إملائية.
كانت الصورة مطروحة للبيع عبر المتجر الإلكتروني لمكتبة الكونغرس مقابل 16.95 دولار حتى الساعة 09:30 مساء يوم الأحد. وليس من الواضح كم عدد الصور، إن وجدت، التي استدعتها المكتبة من المشترين بعد اكتشاف الخطأ الإملائي فيها.
والصورة من تصوير جون روبرت، مؤسس شركة التصميمات التي تحمل اسم «الاحتفاء بأميركا»، كما أشارت صحيفة نيويورك «دايلي نيوز». وهناك نسخة للصورة نفسها معروضة للبيع على موقع الشركة بسعر أرخص من سعر مكتبة الكونغرس ولكن مع تصحيح الخطأ المشار إليه.
ربما أن الشيء الأكثر حرجًا من الخطأ الإملائي في الصورة المعروضة عبر مكتبة الكونغرس كان التوصيف على صفحة المنتج المرفقة (والتي تمت أرشفتها)، حيث يقول: «تعبر هذه الصورة عن جوهر حملة السيد دونالد ترمب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية». لقد كان يومًا شاقًا وعصيبًا بالنسبة للخطأ الإملائي المكتشف والمصحح لاحقًا.
إلى ذلك، أخطأ أحد الأشخاص من المشرفين على حساب «تويتر» لوزارة التعليم الأميركية في تهجي اسم (ويليام إدوارد بورغاردت دو بويز)، المناصر الأميركي الأفريقي الشهير للحقوق المدنية، والمؤسس المشارك لـ«الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين» في الولايات المتحدة، وهي من أقدم الجماعات المدافعة عن الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. ولقد أخطأ المشرف في تهجي اسم الرجل من (دو بويز) إلى (دو بوا).
وبعد سخرية بعض المستخدمين من ذلك الخطأ الإملائي على صفحات موقع «تويتر»، حاولت وزارة التعليم تصحيح الأمر من خلال تغريدة أخرى لاحقة. ومما يؤسف له، كان ذلك التصحيح في حاجة إلى تصحيح هو الآخر، بسبب أن عبارة «أعمق اعتذاراتنا» كتبت «أعمق من يعتذر لنا»، كما أشارت إلى ذلك صحيفة «واشنطن بوست».
ولقد طال الإدارة الأميركية الجديدة نصيبها من السخرية أيضًا بسبب المشكلات الإملائية التي وقعت فيها خلال الأسبوع الماضي كذلك. ففي يوم الثلاثاء، أصدر البيت الأبيض قائمة عشوائية تضم 78 هجمة إرهابية زعمت الإدارة الأميركية أن وسائل الإعلام قد «أغفلت» الإشارة إليها. وبالإضافة إلى الأخطاء الواقعية، تضمنت القائمة الكثير من الأخطاء الإملائية، بما في ذلك لفظة «المهاجم» التي كتبت «attaker»، وهي كلمة لا معنى لها، واسم مدينة «سان برناردينو» الذي كُتب على هذا النحو «سان برنادينو»، واسم دولة «الدنمارك» الذي كُتب على هذا النحو «الدانمكر».
واجهت وزيرة التعليم الأميركية الجديدة انتقادات لاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب خطأ في كتابة اسم في رسالة حول أهمية التعليم تم نشرها على موقع «تويتر». وبعد أيام من أداء الوزيرة المثيرة للجدل بيتسي ديفوس اليمين لتولي المنصب، نشرت الوزارة عبارة «التعليم لا ينبغي أن يعلمنا العمل - وإنما يعلمنا الحياة».
وهذا الاقتباس منقول عن ويليام دو بويز WEB Du Bois الذي ساعد في تأسيس الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين، وهي أقدم وأكبر منظمة للحقوق المدنية في الولايات المتحدة.إلا أن التدوينة أخطأت في كتابة اسم المؤرخ والناشط الحقوقي الراحل، حيث كتبته WEB DeBois. وكتب أحد المعلقين على «تويتر»: «إذا كنتي ترغبين في أن تبدي مهتمة حقًا، فإن إعطاء 15 ثانية للتأكد من طريقة كتابة اسم شخص ما، هو أمر أساسي».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)