دبلوماسيون غربيون: تقليص النفوذ الإيراني في سوريا يمر بصفقة مع روسيا

قالوا إن العملية السياسية هي المدخل «لاحتواء» تمدد طهران

رجلان من سكان دوما التي يسيطر عليها «جيش الإسلام» بريف دمشق يبيعان خشب وقود أول من أمس في ظل استمرار حصار النظام (إ.ب.أ)
رجلان من سكان دوما التي يسيطر عليها «جيش الإسلام» بريف دمشق يبيعان خشب وقود أول من أمس في ظل استمرار حصار النظام (إ.ب.أ)
TT

دبلوماسيون غربيون: تقليص النفوذ الإيراني في سوريا يمر بصفقة مع روسيا

رجلان من سكان دوما التي يسيطر عليها «جيش الإسلام» بريف دمشق يبيعان خشب وقود أول من أمس في ظل استمرار حصار النظام (إ.ب.أ)
رجلان من سكان دوما التي يسيطر عليها «جيش الإسلام» بريف دمشق يبيعان خشب وقود أول من أمس في ظل استمرار حصار النظام (إ.ب.أ)

هل تستطيع روسيا «لجم» النفوذ الإيراني في سوريا وما هي الأدوات التي تستطيع الارتكاز إليها؟ السؤال أصبح مطروحا بقوة في الأوساط الدبلوماسية الغربية خصوصا بعد أن أخذت العلاقات الأميركية - الإيرانية منحى تصعيديا منذ وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وجعله تقليص النفوذ الإيراني في هذا البلد أحد هدفين رئيسيين «مع القضاء على داعش» لسياسة الإدارة الأميركية الجديدة.
تقول مصادر دبلوماسية غربية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن المقاربة الأميركية للدور الإيراني في سوريا «تنخرط في السياق العام لمواجهة تضخم دور طهران في مجمل الشرق الأوسط»، أكان ذلك في الخليج واليمن أو في العراق وسوريا ولبنان، ناهيك عن ثلاثة ملفات رديفة هي النووي والصاروخي والإرهاب. وتضيف هذه المصادر أن لسوريا «خصوصية عائدة للحضور الروسي الكبير فيها، ما يعني أن الرغبة الأميركية لا يمكن أن تتحقق من غير تفاهم أو صفقة مع موسكو». وبكلام آخر، وفق المصادر نفسها، فإن أوراق الضغط الأميركية في سوريا «محدودة» و«يفترض أن تمر حكما بالتعاون مع موسكو». لكن هذا المعطى يقود بشكل آلي، بحسب هذه المصادر، إلى تساؤل ثلاثي الأضلع: هل موسكو مستعدة للاستجابة للرغبة الأميركية؟ وهل هي قادرة على ذلك؟ وأخيرا ما هو المقابل الذي تطلبه، ومن وكيف يجب أن يدفع؟.
حتى اليوم، لم يصبح التنافس الروسي - الإيراني في سوريا علنيا رغم أن المؤشرات التي تدل عليه تواترت في الفترة الأخيرة وتحديدا في موضوع معركة حلب ووقف النار وخروج المسلحين من ثاني المدن السورية، واتفاق أنقره الذي ضمن الهدنة واجتماع آستانة وإصرار موسكو على تمثيل واشنطن مقابل رفض إيراني قاطع. ويلاحظ المراقبون أن إيران سعت أكثر من مرة لتخريب الهدنات التي عملت من أجلها موسكو من خلال الميليشيات التابعة لها وعبر فرض شروط جديدة «كما حصل في حلب»، كما أنها كانت دائما تدفع باتجاه استمرار المعارك والحل العسكري ورفض التفاوض بين النظام وفصائل المعارضة المسلحة.
الثابت الذي لا تقبل الجدل أن النظام السوري يدين ببقائه للعكازتين الروسية والإيرانية. ولم يعد سرا أن طهران «وبالطبع النظام» ألحت على موسكو للتدخل العسكري الروسي المباشر والمكثف في سوريا في صيف عام 2015، عندما كانت قوات النظام تتراجع على كل الجبهات رغم الدعم العسكري الذي وفرته طهران له من خلال الميليشيات الشيعية التي عبأتها، فضلا عن عناصر الحرس الثوري الذين لم يلعبوا فقط دور المستشارين العسكريين. وخلال السنوات الست المنقضية، تقاسمت موسكو وطهران الأدوار الأولى، ووفرت الحماية الدولية «مجلس الأمن» للنظام ووفرت له الدعم السياسي والدبلوماسي والسلاح والعتاد وقارعت الأميركيين والغربيين بشكل عام قبل أن تتدخل بطيرانها مباشرة وترسل أسطولها مقابل الشاطئ السوري لتغيير ميزان القوى ميدانيا. والثانية، دعمت النظام بالمال والسلاح وجندت له آلاف الميليشيات وأمسكت الأرض ودفعته لإبقاء سيطرته على ما يسمى سوريا المفيدة... وكانت النتيجة أن النظام بقي في مكانه رغم ضعفه وحسن أوضاعه العسكرية والتفاوضية، ولكن من غير أن يكون قادرا على حسم المعركة ميدانيا أو حتى أن يستمر في تحقيق تقدم من غير دعم الروسي المباشر. والدليل على ذلك بحسب المصادر الغربية أن النظام «عاجز» بمواجهة «داعش» عن المحافظة على مواقع كانت تحت سيطرته كما في دير الزور وقبلها في تدمر.
اليوم، يبدو واضحا أن علاقة «العكازتين» ستذهب في اتجاهات متباعدة وأن صراعا على النفوذ أخذ يسمم العلاقة بينهما. وبالنظر لما وقعته الحكومة السورية مع الطرف الروسي من اتفاقيات عسكري غير محدودة زمنيا «قاعدة حميمي الجوية وقاعدة طرطوس البحرية»، وما حصلت عليه طهران من امتيازات وعقد اقتصادية وتجارية يبين أن المنافسة انطلقت حقيقة وأن كل طرف يسعى لترتيب أوراقه حتى قبل أن تنتهي الحرب في سوريا. وترى المصادر الغربية أن «مصلحة» روسيا اليوم في سوريا تكمن في «ترجمة» الانتصارات العسكرية إلى انتصارا ت سياسية بمعنى الوصول إلى وضع حد للحرب القائمة وفق التصور الروسي والاستفادة من أن موسكو هي التي تمسك اليوم إلى حد بعيد بالورقتين العسكرية والسياسية، مستفيدة مما قامت به ميدانيا ومن «الغياب» الغربي والإقليمي الداعم للمعارضة. ومن أجل هذا الغرض، تحركت الدبلوماسية الروسية بنشاط ولعب الوزير سيرغي لافروف دور «المحرك» لاتفاق وقف النار ولاجتماع آستانة، وهو الذي يطرح تصورا لدستور سوري ولعملية سياسية سريعة ربما قبل أن يعود الدور الأميركي إلى المنطقة مجددا مع الرئيس ترمب. وفي هذا السياق، حصل التقارب الروسي - التركي الذي تنظر إليه طهران بكثير من التشكيك.
وترى موسكو اليوم، وفق المصادر الغربية، أن الحل السياسي وحده هو القادر على وضع حد للحرب في سوريا وأنها «الجهة القادرة» على فرضه على النظام. وبالمقابل، فإن طهران «تلعب ورقة الميليشيات وإضعاف سلطة الدولة والمؤسسات السورية وإبقاء الأسد على رأس سلطة رهينة بيديها»، على غرار ما يحصل في العراق مثلا. ووفق تقارير غربية، فإن إيران ترى في استمرار الحرب «ورقة يمكن أن تفاوض عليها»، لاحقا، فضلا عن تمكينها من التمسك بشروط الحل التي تضمن لها مصالحها في مرحلة ما بعد الحرب.
ثمة إجماع على أن إيران «استثمرت» في النظام السوري، بمعنى أنها ربطت مصالحها ببقائه وبقاء الرئيس الأسد على رأسه. ولذا، فإن حلا سياسيا تقبله المعارضة على ضعفها وضعف الأطراف الداعمة لها سيعني بشكل ما تقاسم السلطة بين النظام والمعارضة، وهذا ما من شأنه أن يشكل تهديدا لمصالح إيران.
هكذا يتبدى اختلاف الأهداف وافتراق المصالح بين موسكو وطهران، ويبان أن منع طهران من وضع اليد على سوريا ليس فقط مصلحة أميركية بل أيضا روسية. لكن تحجيم الدور الإيراني لن يكون بالأمر السهل بالنسبة لموسكو، بفضل التغلغل الإيراني في الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية ووجودها الميداني من خلال الميليشيات التي تمولها وتسلحها وبفضل دعايتها السياسية وحضورها الديني والاقتصادي والاجتماعي. فضلا عن ذلك، فإن تصاعد المواجهة بين واشنطن وطهران سيدفع الأخيرة إلى التمسك بكل ما تعتبره «أوراق قوة» في يديها من أجل الضغط على الجانب الأميركي، ومن أهمها حضورها في سوريا.
من هذه الزاوية، تعتبر مصادر فرنسية رسمية أن الطريق إلى «احتواء» النفوذ الإيراني في سوريا «يمر عبر عملية انتقال سياسية لا تعني بالضرورة رحيل الأسد الفوري، لكنها تمكن من إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وبالتالي انتفاء الحاجة للميليشيات التي استُحضرت لدعم النظام». وتذهب هذه المصادر أبعد من ذلك إذ قالت لـ«الشرق الأوسط» إنه بذلك «سيكون للرئيس الأسد دور» في خفض الحضور الإيراني المباشر وغير المباشر إذا اطمأن لمصيره ومصير نظامه. فضلا عن ذلك، فإن اتفاقا سياسيا سيكون وجهه الآخر اتفاق الجميع في الداخل والخارج على التركيز على محاربة «داعش» والنصرة، وهو هدف مشترك لواشنطن وموسكو ولكافة العواصم الإقليمية.
يبقى أنه ليس لإيران، في مواجهتها القادمة مع واشنطن، مصلحة في أن تفقد الدعم الروسي على المستوى الدولي. ولعل أفضل دليل على ذلك أن تحجج واشنطن بالاختبار الصاروخي الإيراني للقيام بحملة سياسية واسعة على طهران واجهه موقف روسي اعتبر أن هذه التجربة لا تنتهك الاتفاق النووي والقرار الدولي الذي ثبته في يوليو (تموز) من عام 2015.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.