الراهب الآلي والبجعة الفضية يجذبان الجمهور في معرض الروبوت

متحف العلوم بلندن يستكشف تطور الإنسان الآلي عبر 100 قطعة

التفاعل مع الروبوت كان أكبر جاذب لجمهور الأطفال في المعرض («الشرق الأوسط»)
التفاعل مع الروبوت كان أكبر جاذب لجمهور الأطفال في المعرض («الشرق الأوسط»)
TT

الراهب الآلي والبجعة الفضية يجذبان الجمهور في معرض الروبوت

التفاعل مع الروبوت كان أكبر جاذب لجمهور الأطفال في المعرض («الشرق الأوسط»)
التفاعل مع الروبوت كان أكبر جاذب لجمهور الأطفال في المعرض («الشرق الأوسط»)

عندما تخطو داخل معرض ضخم عن «الروبوت» بمتحف العلوم (ساينس ميوزيام) بلندن قد يساورك الظن بأن المعرض تقني بحت ويتعامل مع اختراعات حديثة، ولكن ذلك الظن يتبخر سريعا مع قراءة بقية العنوان وهو «500 عام من السعي لتحويل الآلة لإنسان». والحقيقة هي أن المعرض يقدم نظرة عامة وتاريخية لتطور فكرة الإنسان الآلي ويقدم نماذج مدهشة لآلات متحركة صنعت على هيئة إنسان أو حيوان منذ مئات السنين.
يبدأ المعرض بنموذج لطفل رضيع يحرك يديه ويصدر أصواتا، الطفل الآلي من مقتنيات متحف العلوم الحديثة، ورغم أنه لا يملك الذكاء الصناعي ولكنه ينجح في تحريك بعض المشاعر لدى الزوار بفضل بعض الحركات المبرمجة داخله مثل تحريك اليدين والتنفس والعطس.
المجسم كما نعرف لاحقا يستخدم في تصوير الأفلام السينمائية بدلا من الأطفال الحقيقيين، يبدو قريبا من الحقيقة بشكل مدهش ويعيدنا لفكرة الإنسان الآلي التي نستكشفها عبر 100 قطعة موزعة على أرجاء المعرض تؤرخ لتطور فكرة الإنسان الآلي أو الكائن المتحرك بدءا من القرن الـ16 وحتى العصر الحديث مستكشفة تأثير عدد من العوامل مثل المعتقدات الدينية والثورة الصناعية والثقافة الشعبية والفنون وحتى الأحلام المستقبلية لتنهي عند آخر ما توصلت له معامل الأبحاث في الوقت الحالي.
ينقسم المعرض إلى خمسة أجزاء نبدأها بقسم بعنوان «تعجب» والذي يستكشف كيف تشكلت فكرة «الروبوت» متأثرة بالمعتقدات الدينية. وهنا نجد نموذجا متحركا لراهب صنع في عام 1560 وتختفي الأذرع المتحركة الآلية تحت ردائه بينما يظهر للمتفرج الحركة البسيطة التي تمكنه من التحرك للأمام وتحريك اليدين والشفتين للتعبير عن الصلاة.
بن راسل منسق المعرض يعلق على فكرة المعرض «أن تقف وجها لوجه أمام إنسان آلي هي تجربة مقلقة. فعبر القرون واجه كل جيل موجة من المخترعات المشابهة المنبثقة من التكنولوجيا. هذا الإحساس بعدم الراحة أمامه والذي لا تستطيع تحديده، يكمن في قلب علاقة الإنسان بالروبوت. الإنسان درج على التعبير عن معرفته بنفسه ومكانه في الكون عبر المعتقدات الدينية، وفي هذا الإطار بدأ بصناعة تلك النماذج المتحركة لاستكشاف السماوات والجسم البشري». يشير راسل هنا إلى إسطرلاب ضمن المعروضات صنع في فرنسا في عام 1300 ويعد أقدم آله فلكية صنعت في غرب أوروبا. يضيف «أيضا الراهب المتحرك وهو واحد من ثلاثة نماذج في العالم تستكشف الإيمان وأيضا الرغبة في إدهاش وفرض السيطرة على الآخرين».
من أجمل القطع في المعرض، وهو مليء بالقطع الفائقة الجمال في دقتها وبراعة صنعها، مجسم لبجعة فضية ضخمة تطفو فوق طبقة مياه فضية وتتحرك برأسها لتلتقط سمكة من المياه. المياه هنا تتكون من أسلاك من الفضة تتحرك بطريقة بطيئة. المجسم بالحجم الطبيعي وتم صنعه في عام 1773 ومعار للمعرض من متحف باوز بمدينة دارام حتى 23 مارس (آذار) المقبل.
يشير راسل إلى أن المجسم الفريد من نوعه في العالم يصور الافتتان الدائم بصناعة نسخ ميكانيكية لكائنات حية. الأداء الحركي لهذه الآلة الضخمة سحر الجماهير عبر أربعة قرون وبالحكم على تفاعل الجمهور مع المجسم الساحر فيبدو أن تأثيره على الجماهير سيستمر لقرون أخرى.
خصص جانب من المعرض للأحلام والتصورات المستقبلية للإنسان الآلي كما ظهرت في الأفلام السينمائية. يقول راسل «الروبوت كان دائما في قلب الثقافة الشعبية منذ أن استخدم مصطلح (روبوت) في 1920». وعبر العرض نرى مجسم تي 800 تيرميناتور الذي استخدم في فيلم «تيرميناتور سالفاشين» (خلاص المدمر) والذي قام ببطولته النجم أرنولد شوارزنيغر.
خلال المعرض يشاهد الزائر نماذج مختلفة من الإنسان الآلي منها «إيريك» أول روبوت صنع في المملكة المتحدة. كما يتاح للزائر تفحص ميكانيكية الحركة في «هوندا بي 2» وهو من أوائل النماذج التي تمشي مثل الإنسان.
هناك أيضا 16 نموذجا من الأشكال الميكانيكية التي تتحدث وتتفاعل مع الجمهور عبر لمس شاشات مثبته أمامها، فهناك «إنكا» والتي كانت تشغل موقعا في مدخل «كينغز كوليدج بلندن» والتي يمكنها الرد على أسئلة الزائر عبر شاشة بها أسئلة محددة حول الطقس والأزياء. من النماذج التي جذبت الجمهور أيضا الرجل الآلي «زينو آر 25» والذي يحمل كاميرا مثبتة على جبهته ويسجل من خلالها تعبيرات وجه الواقف أمامه ليعكسها في شاشة صغيرة. هناك أيضا روبوت «كودومورويد» الذي يقرأ الأخبار وهو الأقرب شبها للشكل الآدمي، أما الروبوت «روزا» فيمكنه تحريك الرأس لمتابعة حركة الزوار.
الزحام الشديد في المعرض يشير إلى جاذبية الموضوع ومؤشر على نجاحه باعتباره أضخم معرض من نوعه، أما أفواج طلاب المدارس التي يتسابق فيها البنات والأولاد بشغف وترقب لمعاينة المعروضات فهي دليل آخر على أهمية متحف العلوم ودوره التعليمي والثقافي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».